د. رائدة بدران
نقطة ماء ممزوجة ببعض المعادن  والأملاح  يفوقُ تأثيرها أحياناً تأثير الزّوابع والأمطار , ومَثَلُ  تلك النقطة كمثل كثير  مما  تركه الرجال للنساء طوعاُ وآثروا التحمّل والجَلَدَ والإستكبار ,إنّها  الدموع التي  سكبتها النساء دون الرجال ..استعملنها وأبدعن باستخدامها وذرفنها بسخاء .


دموع فرح ..شجن...حنين...َوَلَهٍ.. حزن ...ألم وأنين ...كلّها دموع , نفس التركيبة وإن اختلفت الدوافع , الأمكنة والأزمان , على الغالب تُجاهر فيها النساء ويخجل منها معظم الرّجال . بقدر اختلاف دوافع ساكبيها تختلف أيضا ظروف استيعابها من مشاهديها .. تقبُُّلَهم لصاحبها...فهمهم لتلك الدوافع ...المشاعر  ... مسح الدموع بل ربما منعها  من خلال احتضان مشاعر الآخر وإشعاره بالأمان حال اغروراق  العيون  وشرودها  .

بحكم كوني أنثى مع جرعات من العاطفة التي تغلب العقل أحيانا   سكبت دموعا  غزيرةً ورأيت دموعا ودموع تدفقت من العيون  كحبوب اللؤلؤ  مرّة  وكسيل نهر جارف  في مواقف كثيرة ...دموع ودموع عشت مفارقات غزارتها أسبابها أزمنتها وأمكنتها مرّت مرّ الكرام انطبعت في الذاكرة بألوان مختلفةٍ داكنةٍ وزاهية ... ومرََّ يومٌ تلاه يوم وشحبت الألوان  إلى أن تلاشت  ... فالدموع لا تنتهي,, والمواقف تتجدد ,,وننسى أزماناً  وأحداثا بدموعها ومآسيها وتأبى الذاكرة إلاّ أن تترطّب  بمزيد من الدموع التي تسيل من جديد .

ولكن هل ما زال تأثير الدّموع كسابق عهده ؟ بعد أن جعلتنا الحياة العصرية أقرب إلى المادّية  نفضّل الحلول العمليّة.. ! وبتنا نرفض اللطم والردح والعويل بشتى ألوانه؟...وبعد أن  تعلّمنا التّمثيل وأتقناه , وأصبح معظمنا محترفيه والباقون هواة,,

وحين روّضنا أدقّ المشاعر وبرمجنا في النفس الخلجات! وحولنا البكاء من رد فعل انفعالي إلى عمل إرادي !!

تقابل متسوّلة تحمل معها كل يوم مأساة  تبكي ولا تمّل وتشكو ولا تكّل فتتناول ما بجيبك لتعطيها إيّاه... فهل لكونك صدّقت دموعها؟! أم لأنّك مللتَ من رؤية الدموع وسماع الآهات.

تبكي زوجتك شاكية السلفة والجارة والحماة.. غير باخلة بشتّى أساليب الإقناع تراوغك بين ترهيب وترغيب ...فترضخ لدموعها  ولشكاواها  لتفقد الدموع بسبب الخض والجزر والمد صدقها...رونقها ..ومعناها .

يبكي القريب مرض قريبه لو وقع في مصيبة  وربما ينوح عليه لو مات , ولكن قلبه يرتجف غيرة ووجهه يبيت مصفرا مغبرا لو رآه يحقق نجاحا في الحياة... فما معنى الدموع التي تسيل من عيون لا تهوى سوى الموت وما هذا القريب وما معنى  البكاء عنده وما هو ثمن الدموع الصادقة والمشاعر السليمة المستكينة التلقائية المتجاوبة مع كل نغم..وما ثمن أحاسيس  مرهفة تستجيب للحب الصادق .. للدعاء والمناجاة  ؟!

الدموع كانت تحمل معنى ساميا كبيرا ,فلرؤيتها كان يرقّ  أي قلب  وتملؤه الشّفقة  بل كانت بمثابة سلاح فتّاك للأطفال , ووسيلة ضغط وإقناع  من جانب النّساء ومصدر استسلام وحيرة الرّجال ... فهل إلباس الباطل ثوب الحق والحق ثوب الباطل أخذ معه مصداقيّة البكاء والدّموع؟ فكم من مرّة رأينا عبر الشاشات والفضائيّات أب يبكي ابنته ليتّضح بعد ذلك بأنّه قاتلها .... وكم من الزّعماء رأينا وعيونهم مغرورقة ينعون الموتى ويشجبون العدوان لتظهر حقيقة الغدر والخيانة  بعدها... أم أنّ رفع كافة أنواع حظر النّشر والعرض أسهما   في قساوة القلوب  فتحجّرت الدموع بعد أن ترسّبت الأملاح وتكوّرت!!  وهل سيأتي يوم يصبح فيه الباكي والمتباكي سيّان؟ هل أسهم الدّموع  في هبوط دائمٍ؟ ! وهل من حلّ للحليم لو غلبته  المطبّات الإنسانيّة ؟ وهل من حلّ للمريض لو ألمّت به الآلام ؟ وهل من نصيحة للمؤمن لو صعبت عليه نفسه ؟!! نبكي أم نتباكى أم نستسلم للأحزان!! 

 

JoomShaper