وائل بن إبراهيم بركات
في أكثر من نقاش وفي عدة مواقف أفصحت أكثر من فتاة عن سر عدم رغبتها في الزواج معللة ذلك بالخوف من المجهول !! من النصيب ؟ وكيف سيكون نصيبها ما قبل الزواج  حيث التعرف عليه والخطبة ، وما بعد الزواج حيث يضمهما بيت واحد ؟ هل سيتغير أم سيبقى كما عرفته ؟ وهل سنعيش معا سعداء أم شقاء في تعاسة ؟
إنه الخوف من المستقبل .. من المجهول .. وقد يكون هذا الخوف حالة صحية فمن طبيعة الإنسان الخوف والأمن ـ الرجاء ـ .
والخوف والرجاء خطان متقابلان في النفس البشرية يسيران جنبا إلى جنب ولكن هذا الخوف يصبح حالة مرضية عندما يقضي الشاب والفتاة حياتهم في التوجس من الغد المجهول من أمور” تكون ” أو ” لا تكون ” ويصل هذا التوجس إلى حد القلق في كثير من الأحيان القلق المدمر الذي يتلف المشاعر ويفسد الحياة .

هل يكون كذا أم لا يكون؟ وماذا إذا كان ؟ وماذا إذا لم يكن ؟
ويقضون الحياة في هذه الفروضات والتوقعات ، يبددون طاقتهم في القلق والتوجس وهم لا يملكون اليقين الذي يستندون إليه ولا الحقائق الواقعية يواجهونها بما تتطلبه من إعداد .
سهرت أعين ونامت عيون
في أمور تكون أو لا تكون
إن ربــاً كـفاك بالأمس
سيكفيك في غد ما يكون
(أبيات تنسب لـ سكينة بنت الحسين رضي الله عنها )
فاليوم كان بالأمس غيبا ومجهولا .. والأمس بالنسبة لما قبله كان هو واليوم غيبا ومجهولا فكيف جرت الأحداث فيهما ؟
وكيف استقبلهما وكانا إليه غيبا ومجهولا ؟ وكيف مرا عليه الآن وهو يستقبل غده المجهول ؟
إن الخوف من المجهول .. من المستقبل .. من الغيب القادم .. له أسبابه الكامنة في نفس الشاب وفي نفس الفتاة .. وله أسباب خارجية أي خارج النفس أي أسباب داخلية وأخرى خارجية فمن الأسباب الداخلية :
ضعف الإيمان بالله .. خالق السماوات والأرض وما فيهن .. الذي بيده ملكوت السماوات والأرض والذي أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون ..
وضعف وتلاشي الإيمان بقضاء الله وقدره .. وعدم التسليم لله .. ومرد الأمور كلها إلى أسباب مادية بحته .. أي إنكار الغيبيات وما لا تدركه الحواس .. والانهزام أمام الحقائق التي لا ينكرها إنسان .. حقائق الوجود .. حقائق تسخير الكون الكبير وما فيه لخدمة الإنسان الضعيف .. حقائق القوة الكبرى التي تسير هذا الكون المسخر ..
هذا من الأسباب الداخلية أما الخارجية ـ أي خارج النفس ـ فهي أسباب تتأثر بها النفس قربا وبعدا حسب ما يوحى إليها وما يركز فيها في طبقات اللاشعور في العقل الباطن من مشاهد ومرئيات تراها ومن هذه الأسباب :
فقد الثقة بالرجل بشكل عام .. فالعصر الذي نعيشه عصر المتغيرات والمستجدات وللأسف يفهم الشباب هذا التغير ليس على نطاق الاختراعات والآلات وإنما يطبقونه على أنفسهم .. ومبادئهم وأفكارهم .. وبالتالي على شخصياتهم .. فتفقد المرأة الثقة في الرجل الذي يغير شخصيته كما يغير ملابسه ..وهذا الصراع الذي تعيشه الفتاة في داخل ذاتها يولد لديها النفور من جنس الرجل وعدم الاقتراب إليه أو تتعامل معه بنفس الأسلوب التغيري ولكن بعيدا عن حالة الاندماج والذوبان الروحي والعاطفي والكياني ..
إن ما تسمعه الفتاة وما تشاهده من قصص وحكايات وروايات عن الرجل وتغيره وعدم ثباته في أفكاره ومبادئه بل حتى على مستوى حبه وهيامه الذي كان يتغنى به في فترة ما قبل الزواج .. تفرز حالة الخوف من المجهول .. من الزائر القادم ليأخذها على فرسه كما تصوره أحلام اليقظة !!
وكذلك من الأسباب الخارجية :
التشتت الرهيب الذي يعيشه الشاب والفتاة في مراحل نمو حياتهم .
التشتت في الأهداف والغايات ..
التشتت في فهم الحياة ..
التشتت في فهم موقع الرجل وموقع المرأة من الإعراب في حالة كونهما إنسان .. وفي حالة كونهما غرباء عن بعضهم .. في حالة التعامل مع بعضهما .. في حالة الخطبة .. في حالة الزواج .. في حالة ما بعد الزواج .. في حالة كونهما أبا وأما .. في حالة كونهما جدا وجدة ..
تشتت رهيب وصراع عنيف يهز البدن والروح ..
تشتت بسبب وبلا سبب ..
تشتت في الخوف والرجاء .. في الحب والكره .. في السلبية والإيجابية .. في الواقع والخيال ..

هذا التشتت يجعل الفتاة تخاف من مستقبلها مع أي رجل مثلها مشتتا أو غير مشتت ـ إن وجد ـ .. وتعيش حياتها قلقة متوترة مضطربة .. لا تعرف كيف تهدأ وكيف تأمن لأنها فاقدة لمعنى الهدوء .. ولظلال السكن .. ولكُنْه الأمن .. وغيرها من الأسباب الخارجية ..
ولا يمكن معالجة هذا الأسباب الخارجية والداخلية إلا بمعالجة نفسية الشاب والفتاة ، فعندما يحيا الشاب والفتاة مطمئنا إلى الله مسلما أمره إليه دون تواكل .. وواثقا مستأنسا بقضاء الله وقدره .. متفاعلا بالحياة متجددا مثبتا ذاته ـ لا عن طريق الشر والمعصية ـ ولكن عن طريق الالتقاء مع ناموس الحياة الأكبر وناموس الوجود . فانه لا تتحول حيرته إلى تيه ينفصل فيه عن الكون وعن الله وإنما تخرج به روحه من سجن ذاته الذي أغلقته الحيرة النابتة في ضميره فتسبح به عوالم الأكوان .

 

 

لها أون لاين

JoomShaper