ثناء الكردي
مع بداية كل عام ٍ دراسي تجد كساد المدرسين من خريجي الجامعات أو الطلاب الراسبين الذين لم يتخرجوا بعد أو اضطروا للبقاء والحرمان من الدوام في كلياتهم لسبب ٍ أو لآخر، لترى تجمعاتهم إما أمام مبنى التوجيه لتقديم طلباتهم، أو نافذات مراكز الشرطة لإخراج ورقة لاحكم عليه ( لأن المدرس ينبغي أن لا يكون مجرماً أولصاً ) ..وبذلك تبدأ حربٌ في المجتمع يُخيَّل إليك أن النهاية لن تدق الأبواب أبداً...


قبل سنوات كان الإقبال على التدريس متواضعاً جداً ، بل لا يكاد عدد المدرسين قادراً على تغطية ساعات المقررات العلمية خلال العام، إلا أن قلة أوبالأحرى ندرة فرص العمل اضطرت حشود العاطلين عن العمل للتوجه إلى مهنة التدريس لاحباً لها، بل خوفاً من الجوع والانحراف الذي قد يسببهما الفقر وانعدام فرص العمل وأساليب الحياة المتخلفة التي تمنعك من ممارسة أي نشاط ترفيهي أو علمي في محافظة الحسكة.
يبدأ العام الدراسي في أيلول ،والمدرسون قد قدموا طلبات التوظيف قبل ذلك بمدة ويبدأ التوزيع على مبدأ( الخيار والفؤوس ) كلما كانت علاقتك بالمدير والموجه أفضل كلما كانت نسبة حصولك على شاغر تدريس وعدد ساعات أكثر... أكبر حصولاً ...
يوجد في كل مدرسة عدد ثابت من المدرسين لا يتغير، والعدد الآخر متغير وتبعاً للواسطة، هذا العدد لا بد أن يوزع كل حسب اختصاصه على المواد فخريج الرياضيات من المنطقي أن يدرس مادة الرياضيات وخريج الأدب العربي لابد له أن يدرس اللغة العربية، إلا أن الذي يحصل من التجاوزات يجعلك تشعر بأسى كبير وخوف على مستقبل الأطفال فما يمكن سماعه مع بداية كل عام يتضمن صوراً كهذه:
- المدرسة (!) مدرسة لغة عربية تعتبر داخل ملاك المدرسة و لكنها في إجازة بسبب المرض أو لأن زوجها مسافر، اضطرت أن ترسل زوجة أخيها تغطي ساعاتها بدلاً من طلب إجازة رسمية! و زوجة أخوها المصون طالبة سنة ثانية ترجمة في التعليم المفتوح !!
الأستاذ (م) مدرس لغة إنكليزية مر على غيابه من بداية العام أكثر من 20 يوم لأنه يحضر أوراقه للسفر إلى الخليج من أجل العمل، اضطر لكي لا يخسر ساعاته بالإجازة أن يرسل ابنة أخيه و هي تدرس كلية التربية ( قسم الإرشاد النفسي ) و لكنها ملمة باللغة الانكليزية! و الهدف من ذلك نية حسنة من الأستاذ (م) و هو حل مشاكل الطلاب النفسية و إن أُهملوا في مادة اللغة الانكليزية!!
أما الآنسة (ن) فهي تدين الديانة المسيحية ( مع احترامي لكل الأديان ) و لكن بحكم انعدام الساعات في البلدة الفلانية و بما أن الموجه يعزها اضطر إلى تسليمها عدداً من ساعات التربية الدينية الإسلامية في المدرسة!؟

هل رفع تسعيرة الساعات أثر سلباً أم إيجاباً؟؟
مع بداية العام الماضي صدر قرار بمضاعفة تسعيرة الساعة الواحدة من 60 ل.س إلى 120 ل.س لخريجي الجامعات و 40 إلى 80 ل.س لخريجي المعاهد مما أدى إلى ازدحام غير مسبوق به لتقديم الطلبات للعمل في المدارس.
و بما أنَّ القرارات تصدر دون دراية أو دراسة فإنها تثمر حتى لو كانت شيئاً إيجابياً للموظفين، إلا أنها تترك الكثير من الآثار الضارة على الطلبة وأهاليهم لعدم وجود الرقابة الكافية سيما في مدارس الأرياف البعيدة عن الأعين.
و بذلك تتحول أجواء المدارس إلى أسواق وبورصات و مساومات بين المدرسين و المدراء و الموجهين أو حتى الطلاب!
حتى سائقي السيارات الذين يتعاقدون لتوصيل المدرسين:
فقد يكون السائق هو المدير مالك السيارة و بالتالي يضطر المدرس لحجز سيارة المدير دون غيره كيلا تسودَّ صفحته أمام المدير و يتمكن من حجز كرسي وظيفته في العام القادم.
في هذه الأجواء و ما يحيط بها من زيادة في الدروس الخصوصية و الإهمال الذي يرافق أداء المدرس و مدى قدرة الطالب على الاستماع إلى الدرس مرتين في الدرس الخصوصي وتكراره في الحصة المدرسية تجد الطالب في حالة ضياع حقيقية و هو ينظر إلى العلم أنه مجموعة صفقات في عالم البزنس.
إنه لشيء مؤسف حقاً أن نجد هذه المهنة السامية و هي تهبط إلى أوضع المستويات و المشكلة الأكبر أن الموضوع في تطور مستمر للاستفحال دون قدرته على العودة إلى الوراء وإعادة القدرة على استلام زمام الأمور، و أكبر مثال على ذلك الحروب الطاحنة للمدرسين و المدرسات المصونات في الإدارة والشتائم التي ربما يتقاذفوها فيما بينهم على زيادة ساعة أو نقصانها وكل ذلك فداءً لعين 120 ل.س !!!
و النتيجة ... أطفال في الشوارع ..
فشل في قدرات الموظفين...
فساد في أخلاق العمال...
و ووو.........
كل هذا نشاهده في تشابك وتزايد دائم دون أن نجد من يضع حداً لكل هذه المواضيع.. ومن هنا نناشد كل من بيده القرار .. أن يزيدوا الرقابة في المدارس و هي الآن إلى جانب الأسرة و الإعلام المكان المناسب لزيادة التوعية ودفع عجلة التطور في البلاد وفي كافة النواحي...

مجلة ثرى - العدد 202 تاريخ 10\ 10 \2009 - السنة الخامسة

 

JoomShaper