حلمي الأسمر
على استحياء شديد، كتبتْ بضع كلمات في قصاصة: ليتك تكتب عن تجمل الرجل! تساءلت، ألم يبق غير هذا الموضوع حتى يكون مدار بحث؟ في وقت تتلبد به سماؤنا بغيوم الموت القادم من البر والبحر؟! ثم قلت لنفسي: لم لا؟! هل تتوقف الحياة أمام الأخطار؟ أم نزداد تمسكا بها، متحدين الموت والدمار؟ وطفقت أبحث..
وهالني مدى اهتمام الرجل بما تهتم به حواء منذ بدأت الحياة على الأرض، واكتشفت كم يهتم بعض الرجال بـ ''الميك أب'' و''البدي كير'' وعمليات التجميل المختلفة، وسألت من أعرف من ذوي الاهتمام، وعرفت أن مبيعات مواد التجميل الخاصة بالرجال، لا تقل أحيانا عن مثيلاتها الخاصة بالنساء، وعرفت أيضا، وليتني ما عرفت، أن بعض الرجال خاصة السياسيين، يهتمون بالماكياج أكثر من المرأة، فهم يخضعون لعمليات تجميل مضنية خلف الكواليس، حتى يظهروا على الشاشة الصغيرة، أو في الاحتفالات العامة بأبهى صورة ممكنة، فهم والحالة هذه لا يكذبون على الناس فيما يقولون فحسب، بل يكذبون أيضا في مظهرهم، وعلمت أيضا أن مصانع مواد التجميل الخاصة بالرجل لا يقل نشاطها عن تلك الخاصة بالنساء!
سألت إحداهن: ما رأيك بتجمل الرجل؟ انتفضت وقالت: هذه آخرتها! ولكنها استدركت: ولكن لا بأس بذلك إذا كان في حدود المعقول، خاصة إذا تجمل الرجل لزوجته لا للأخريات! وقالت أيضا، إنها قرأت أن عبدالله بن عباس كان يقف أمام المرآة، ويأخذ من لحيته ويرجل من شعره ويهندم من ملابسه، فرآه نافع -مولى عبد الله بن عمر- وقال: ما هذا يا ابن عم رسول الله؟ تفعل هذا وإليك يضرب الناس أكباد الإبل من شرق وغرب (أي يأتونك من أقاصي الأرض) ليستفتوك في دين الله؟ قال: وماذا في هذا يا نافع؟ إني أتجمل لامرأتي كما تتجمل لي امرأتي، وهذا في كتاب الله، قال: أين هذا؟ قال: في قوله تعالى: ''ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف'' يعني على الرجل أن يتجمل لامرأته كما على المرأة أن تتجمل لزوجها، وهذا واجب مشترك، فكل واحد يتوجب عليه أن يحرص على أن يستبقي صاحبه بأن يبذل كل ما يستطيع لتحبيبه إليه!
يقول أحد الأطباء معلقا، إن بلادنا العربية شهدت في الآونة الأخيرة انتشاراً واسعاً لمواد التجميل الخاصة بالرجل بحيث أصبحت في متناول أي شخص يحرص على حسن مظهره، وقد بالغت وسائل الإعلام في وصف المبتكرات تلك وزادت من شأنها حتى لنرى رجالاً يضعون كريماً خاصاً وقناعاً.. والسؤال الذي يجب أن يطرح، هل لهذه المواد أي فائدة طبية مرجوة؟ أم أنها مجرد سلع تجارية يتم بيعها برسم الجمال والتألق؟
طبعاً في الحالة الأولى -يقول الطبيب- أحبذ استعمالها، بحيث يمكن أن تزيل بثورا في الوجه، أو تفيد في تنعيم الذقن الخشنة، أما أن أرى رجلاً يضع أساسا يبيض بشرته أو بودرة منعمة، فهذا أمر مرفوض تماماً ومن غير المعقول أن نراه طبيعياً بدعوى ''الحضارة والتمدين'' لقد خلقنا الله بمواصفات معينة فلماذا نتعدى على خلق الله؟ في بلاد الغرب حيث الانفتاح والتحرر الزائد نرى رجالاً تشبهوا بالنساء والعكس صحيح، ولا أظن أنه سيأتي يوم أرى نفسي فيه في المرآة بقناع خاص على بشرتي يزيد من نعومتها وتألقها.. فهذا ما لا أرضاه لنفسي ولا حتى لغيري من الرجال فأنا أرفض التنافس مع زوجتي..!
إحدى اختصاصيات التجميل قالت: بصراحة كانت تأتينا شرائح متعددة من أنماط مختلفة من الرجال، وكان الكثير يأتي إلينا ويسألنا عن كيفية إزالة البثور أو الكلف أو البقع الخ.
أما الأغرب والأدهى فهو مجيء بعض الرجال سائلين عن آخر جديد الأسواق في ألوان البودرة.. الرجل أحلى وأبهى بكثير حينما يكون طبيعياً وقادراً على التحكم بمظهره بطريقة غير مستفزة كوضعه للماكياج، هذا أمر لا يخلو من الاستهجان وهو تعد على حقوق حواء!
الإسلام يأمر الرجل أن يتجمل لزوجته كما يحب أن تتجمل هي له، وفي ذلك يروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: قوله ''اغسلوا ثيابكم، وخذوا من شعوركم واستاكوا، وتنظفوا فإن بني إسرائيل لم يكونوا يفعلون ذلك فزنت نساؤهم''!!
وكان (صلى الله عليه وسلم) ينظر في المرآة، ويتمشط.. وربما نظر في الماء ليتجمل لأصحابه فضلاً عن تجمله لأهله، وقال: ''إن الله يحب من عبده إذا خرج إلى إخوانه أن يتهيأ لهم ويتجمل''. وفي باب منع رسول الله الخداع والتغرير بالمرأة، أمر بأن يكشف الرجل (المتجمل) للمرأة، التي يخطبها عن كل عيب مستور عنده. حتى تكون -العشرة الزوجية على بينة واضحة بين الرجل والمرأة. فقال: إذا خطب أحدكم المرأة وهو مخضب بالسواد فليعلمها أنه يخضب''.
يعني صبغ شعره الأبيض باللون الأسود..
تجمل الرجل كما يبدو في حدود الحلال والمعقول مشروع، لكن دون تشبه بالنساء ومبالغة في الميل نحو الأنوثة والإسراف.. فما رأي النساء؟!
المصدر : جريدة الوقت البحرينية
حين يتجمل الرجل..!
- التفاصيل