تتوالى وسائل الإعلام في بث كل ما يكدر المسلم الصادق، فلا يكاد يفيق من أزمة تواجه المسلمين هنا حتى تلاحقه أزمة أكبر منها هناك، فها هي دولة تمنع الحجاب، وأخرى تمنع المآذن، ودولة ثالثة تدعي الدفاع عن المرأة وحقوقها فتتربص بالمسلمات في العراق وأفغانستان وفلسطين وفي كل مكان تشرق فيه الفضيلة!
وتراق دماء المسلمين في الصين والهند، وفي الشرق والغرب بلا ثمن، وبردود فعل تكاد تكون معرفة مسبقا من قبلنا، ومن قبل الجناة المعتدين، ويشتد التكالب علينا حين تتجرأ إسرائيل فتعلن عن حلقة جديدة من فصول إجرامها وعدوانها وتحاول استصدار قانون يمنع الأذان في المسجد الأقصى.
فهل أدمنا على الأخبار المفجعة؟ وصرنا نسارع إلى تلقفها والاكتفاء بتدويرها، والتعقيب عليها وإبداء الآراء فيها! ولا يتجاوز دورنا فيها غير دور المستهلك أو دورالمروج ـ حسن النية ـ لهذه الأفكار المرجفة حين نتحدث عنها بلهجة المغلوب قليل الحيلة، حتى تحول بعضنا مع مرور الوقت في أحسن الأحوال إلى ساخط، شاجب، يردد كلمات محددة تنم عن أسفه ويأسه من أي تغيير، وهو نوع الهزيمة التي تكرس لقبول الضيم والتصالح مع الهزيمة وتكبيل الإرادة!
إننا إذا استسلمنا لهذه الروح؛ نكون قد ارتكبنا خطأ كبيرا في حق الأجيال القادمة التي نربيها ـ دون وعي ـ على روح الاستضعاف والارتكاس في عقدة الاضطهاد؛ فيما ننسى أن التدافع الحاصل هو من العلامات الصحية والحيوية التي يجب أن ندور معها ونوجهها الوجهة الصحيحة، خصوصا فيما يتعلق بتربية أولادنا على حقيقة الصراع مع الباطل وتنمية اعتزازهم بدينهم وقيمهم وأنهم أصحاب الحق، وأننا المنصورون طال الزمن أو قصر!
كما يجب أن لا يغيب عن أذهاننا ونحن نواجه عدونا إذ يكشر عن أنيابه؛ أنه يسهل مهمتنا في إقناع المعاندين والمكابرين من قومنا فضلا عن الجاهلين أو الغافلين بطبيعة الصراع وخطورته، فكل يوم يزداد فيه توتر العدو وشراسته، يزداد معه ارتباكه ويفقد اتزانه إزاء نمو المد الإسلامي، فتتسع رقعة الواعين بحقيقة الدين يوما بعد يوم، وهو ما يضعنا أمام مسؤولية تأهيل الأجيال الجديدة وتربية الصغار على التعايش مع الواقع بروح جديدة غير التي تربينا عليها، ويجب علينا أن نعدهم لكي يعتزوا بدينهم، و يفخروا به، ويكونوا مؤهلين للتحدث عنه بوعي وإيمان عميق.
إننا لا ننكر الحزن النبيل الذي يستنفر الهمم ويوقظها، لكننا نستنكر الحزن المقعد الذي لا يجاوز التأسف واليأس وفقد الأمل! إننا في مرحلة زال فيها الالتباس، وسقطت فيها كل الأقنعة، وهي بلا شك مرحلة نحن المستفيدون منها، فليس أضر علينا من الضبابية والالتباس، وصدق عمر بن الخطاب رضى الله عنه حين قال" مَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ أَحَدَ رَجُلَيْنِ: رَجُلٌ مُؤْمِنٌ قَدْ تَبَيَّنَ إِيمَانُهُ، وَرَجُلٌ كَافِرٌ قَدْ تَبَيَّنَ كُفْرُهُ، وَلَكِنْ أَخَافُ عَلَيْكُمْ مُنَافِقًا يَتَعَوَّذُ بِالْإِيمَانِ وَيَعْمَلُ بِغَيْرِهِ".
لها أون لاين