كريم الشاذلي

كلنا يهرول كي يركب قطار الحب يقطع التذكرة،
يعيد النظر إلى حقائبه للمرة الألف خشية أن يكون قد نسي شيئًا، يراقب عقارب الساعة وهي تأكل الوقت في بطء رهيب،
حتى إذا ما دنا الموعد كنا أول من يقف على الرصيف نرقب سماع الصافرة معلنة قرب الإقلاع نقطع الطريق في سرعة،

لا يهمنا أن نصدم بكتف هذا أو معصم ذاك، تمتمات بالفم تكفي للاعتذار المهم أننا الآن نجلس على مقاعدنا بعدما وضعنا الحقائب في المكان المخصص لها .

بعضنا يبتسم.. بعضنا يغلق عينيه وقد بدا الخمول والكسل يداعب جسده من جراء التوتر الذي صاحبه خشية عدم اللحاق بالقطار والبعض الآخر ينتبه في ترقب،

منتظرًا حركة القطار التصاعدية كي يهنأ ويرتاح.

ولأن الرياح غالبًا ما تأتي بما لا تشتهي السفن، يرتفع صوت المكبر لنسمع صوت السائق قائلاً في أسف أن القطار لا يستطيع الحركة بعدما اكتشف العاملون في المحطة أن أجزاء كبيرة من الطريق قد سرقت قضبانها،

وأجزاء أخرى ليس بها إلا قضيب واحد، وأخرى لم يوضع فيها قضبان من الأصل
وهنا تتبدل مشاعر الفرح بالحزن، والسعادة بالسخط، والأمان بالخوف، والضحكات بالصراخ، والأمل باليأس

ويرتفع صوت البكاء والنواح طاردًا صوت الضحكات والقهقهات التي كانت تسيطر على القطار منذ لحظات

وفي الوقت الذي يغرق فيه كثير من ركاب القطار في حزنهم وآلامهم، نرى فريق آخر قد تعافى من الصدمة، وتهيأ كي يعيد إصلاح ما فسد،

والاستعداد لعبور الأزمة وبغير قليل من الجهد والتعب استطاع هذا الفريق تهيئة الطريق، وإصلاح القضبان،

وأصبحوا قاب قوسين أو أدنى من الانطلاق نحو الهدف وعندما جلسوا على مقاعدهم والعرق يتساقط من على جباههم،

وصدورهم تعلوا وتهبط في تعب ومشقة، حدث شيء غريب..

فقد أعلن قائد القطار أنه لن يتحرك قيد أنملة قبل أن يهبط من العربات السلبيين الذي لم يحركوا ساكنا واكتفوا بسكب الدموع والبكاء والحسرة

وقال بلهجة حاسمة: قطار الحب لا يتسع إلا لمن مهد بيديه الطريق، وهيأ القضبان، ودفع ثمن الرحلة من عرقه وجهده..

وعلى كل من يريد أن يقطع الرحلة بدون جهد وتعب أن يمتطي دابة أخرى، من ظن أن الحب يتأتى بلا ثمن فهو مخدوع،

ومن قال أن رحلة الحب مجانية فهو أحمق مفتون!،

لا حب بلا ثمن، ولا سعادة بلا عطاء، ولا راحة بلا جهد

وانطلق القطار شاقًا طريقه،  مخلفًا وراءه جموع من المساكين الذي لا زالوا حتى اليوم في انتظار رحلة أخرى مجانية، علها تقلهم إلى وجهتهم

 

موقع كريم الشاذلي

JoomShaper