(افترضي أنك رأيتِ شخصًا يتصبب عرقًا وهو يحاول قطع إحدى الأشجار بمنشار صدئ، وحينما تسألينه:
- ماذا تفعل يا رجل؟
- يرد عليكِ بحدة ونفاذ صبر: ألا ترين؟ إنني أحاول قطع هذه الشجرة.
- فتقولين له: يبدو عليك الإرهاق التام، فكم من الوقت مضى عليك وأنت تحاول قطع هذه الشجرة؟
- فيقول: أكثر من خمس ساعات وأنا في هذه المهمة الشاقة.
- فتقولي: ولماذا لا تأخذ استراحة قصيرة تسن فيها هذا المنشار الصدئ؟ فلاشك أن ذلك سوف يساعدك في الانتهاء من هذه المهمة بسرعة أكبر.
- فيقول: ليس عندي وقت أضيعه في سن هذا المنشار، فأنا مشغول.
ما رأيك أختي المؤمنة في هذا الإنسان الساذج الذي يأبى أن يوفر قليلًا من الوقت يسن فيه منشاره الصدئ، لكي يستطيع إنجاز عمله بمجهود أقل في وقت أقصر؟
لا شك أنك ستتهمينه بالسذاجة والغباء، ولكن اسمحي لي أن أخبرك أن كثيرًا من الناس مثل هذا الرجل، وعفوًا: قد تكونين منهم فإننا في الغالب نبخل بقليل من الوقت على أنفسنا نشحذ فيه قدراتنا ونطور فيه من مهاراتنا لنكون أكثر قدرة على تحقيق أهدافنا، ومع أنه لا يوجد عصر من العصور السابقة قد توفرت فيه سبل اكتساب المهارات كعصرنا هذا، إلا أننا نحن المسلمين ما زلنا في واد والعالم كله في واد آخر!!
فاعلمي أيتها المؤمنة أن الوقت الذي تستثمرينه في العناية بشحذ قدراتك هو أهم استثمار تقومين به في حياتك؛ لأنه استثمار فيك أنت وفى قدراتك على التعامل مع مشاكل الحياة المعقدة المتشابكة) [صناعة الهدف - هشام مصطفى، صويان شايع الهاجري، وآخرون ص 193].
ومن أهم الجوانب التي على يجب على الفتاة المسلمة تطوير نفسها فيه هو الجانب الثقافي العلمي.
الجانب الثقافي العلمي:
العلم دافع للحياة، ومفتاح التطور والنضج وعمود السعادة والنجاح، وسبب العمل الصحيح، والحياة تقف عندما يقف التعلم، ولا يمكن أن يحقق الإنسان نجاحًا ممتازًا في الحياة إلا وهو على قدر لا بأس به من العلم والثقافة، إن المعرفة هي قوة في حد ذاتها، والقاعدة العامة في التعليم هى: اعرف شيئًا عن كل شيئ لتكون مثقفًا، واعرف كل شيء عن شيء لتكون متخصصًا.
غذي عقلك:
(ولا يغيب عن المرأة المسلمة الحصيفة أن تتعهد عقلها بالعناية كما تعهدت جسمها؛ ذلك أن العناية بالعقل لا تقل أهمية عن العناية بالجسم.
وقديما قال الشاعر زهير بن سلمى:
لسان الفتى نصف ونصف فؤاده فلم يبقى إلا صورة اللحم والدم
والمرء بأصغريه: قلبه ولسانه كما يقال، أي بعقله وتفكيره ومنطقه.
ومن هنا تبرز أهمية تثقيف العقل وتزويده بالمعارف النافعة، وتنميته بالاطلاع على العلوم المتنوعة.
والمرأة المسلمة مكلفة كالرجل، وعليها طلب العلم الذي ينفعها في دينها ودنياها، وهي إذ تقرأ قوله تعالى: {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا} [طه: 114]، وتسمع قول اللرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: (طلب العلم فريضة على كل مسلم) [صححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، (72)]، وتدرك أن هذا القرأن والسنة يشمل الرجل والمرأة على حد سواء، وأنها تساوي الرجل في علوم فرض العين وعلوم فرض الكفاية منذ وجد العلم في المجتمع الإسلامي) [شخصية المرأة المسلمة، الدكتور محمد على الهاشمي، ص (118-119)].
أهمية العلم وفضله:
لو لم يكن للعلم فضل وأهمية؛ ما حرص على طلبه والرحلة إليه والتعب من أجل تحصيله الرعيل الأول من سلف هذه الأمة ومن اقتفى أثرهم إلى قيام الساعة.
(قال الأمام أحمد: الناس محتاجون للعلم أكثر من حاجتهم إلى الطعام والشراب، لأن الطعام والشراب يحتاج إليه في اليوم مرة أو مرتين، والعلم يحتاج إليه بعدد الأنفاس) [دروس تربوية للمرأة المسلمة، عصام محمد الشريف، (157)].
(قال أبو الأسود الدؤلي:
العلم كنز وذخر لا نفاذ له نعم القرين إذا ما صاحب صحبا
قد يجمع المرء مالًا ثم يسلبه عما قليل فيلقى الذل والحربا
وجامع العلم مغبوط به أبدًا فلا يحاذر فوتًا ولا هربًا
يا جامع العلم نعم الذخر تجمعه لا تعدلن به درًا ولا ذهبًا)
[الفقيه والمتفقه للخطيب البغدادي (1/52)].
وقال الإمام ابن القيم رحمه الله: (السعادة الحقيقية هي سعادة نفسانية روحية قلبية، وهي سعادة العلم النافع، فإنها هي الباقية على تقلب الأحوال، والمصاحبة للعبد في جميع أسفاره وفي دوره الثلاثة، وبها يترقى معارج الفضل ودرجات الكمال) [مفتاح دار السعادة].
ومما يقوي الدافع على التعلم معرفة فضل العلم وإليك بعضًا من هذا الفضل:
· (بشر تسجد له الملائكة:
قال تعالى: {وَعَلَّمَ آَدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (31) قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (32) قَالَ يَا آَدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ} [البقرة: 31-33].
فما أعظم فضيلة هذا العلم الذي بسببه فضل آدم عليه السلام على الملائكة الكرام حتى أسجدهم الله تعالى له، وقدمه عليهم.
· غاية بعثة النبي الأمين:
تعليم المؤمنين أحد الأسباب الثلاثة الرئيسية التي من أجلها أبتعث الله محمدًا صلى الله عليه وسلم نبيًا ورسولًا للعالمين فقال عز وجل: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} [آل عمران: 164] فالقائم على تعلم العلم وتعليمه إنما هو قائم ينهل من نور الوحي.
· الاستزادة فقط من العلم:
ومن فضل العلم أن الله تعالى لم يأمر نبيه بالاستزادة من شيء إلا العلم، قال تعالى: {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا} [طه: 114]، يقول الإمام القرطبي رحمه الله: (فلو كان شيء أشرف من العلم لأمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أن يسأله المزيد منه، كما أمر أن يستزيده من العلم) [الجامع لأحكام القرآن للقرطبي283/1].
· لا يستويان:
نفى سبحانه التسوية بين أهل العلم وبين غيرهم، فقال تعالى: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} [الزمر: 9].
· العلم يورث الخشية:
قال تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر: 28].
· حتى هذا يرفعه العلم:
ومن عظم شرف العلم عمومًا عند الله، أنه حتى الحيوان يرتفع قدره بالعلم قال تعالى: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ} [المائدة: 4].
قال الإمام ابن القيم: (إن الله تعالى جعل صيد الكلب الجاهل ميتة يحرم أكلها، وأباح صيد الكلب المعلم، وهذا أيضًا من شرف العلم، أنه لا يباح إلا صيد الكلب المعلم، وأما الكلب الجاهل فلا يحل أكل صيده، فدل على شرف العلم وفضله... ولولا مزية العلم والتعليم، لكان صيد الكلب الجاهل والمعلم سواء) [مفتاح دار السعادة، ابن القيم، (55)].
· الطريق إلى الجنة:
إن طلب العلم طريق إلى الرفعة والشرف عند الله في الدنيا، وطريق إلى الجنة في الآخرة، قال صلى الله عليه وسلم: (من سلك طريقًا يبتغي فيه علمًا، سلك الله به طريقًا إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضاء لطالب العلم، وإن العالم ليستغفر له من في السماوات ومن في الأرض، حتى الحيتان في الماء.
وفضل العالم على العابد، كفضل القمر على سائر الكواكب، إن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا دينارًا ولا درهمًا، إنما ورثوا العلم فمن أخذ به أخذ بحظ وافر) [صححه الألباني في صحيح سنن الترمذي، 2682].
· أجر لا ينقطع:
لا ينقطع أجر العالم بموته بخلاف غيره، ممن يعيش ويموت، وكأنه من سقط المتاع، أما العلماء الربانيون الذين ينتفع بعلمهم من بعدهم فهؤلاء يضاعف لهم في الجزاء والمثوبة، يقول صلى الله عليه وسلم: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له) [صححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب 78)][وقل رب زدني علمًا – هشام مصطفى عبد العزيز، ص (33-34)، باختصار].
نماذج مشرقة:
· موقف ابنة سعيد بن المسيب من زوجها صبيحة زواجها:
(لما أن دخل بها زوجها - وكان من أحد طلبة العلم عند والدها - فلما أصبح أخذ رداءه يريد أن يخرج، فقالت له زوجته: إلى أين تريد؟ فقال: إلى مجلس سعيد أتعلم العلم، فقالت له: اجلس أعلمك علم سعيد) [(دروس تربوية للمرأة المسلمة، ص (147)].
· (عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: جاءت امرأة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله ذهب الرجال بحديثك فاجعل لنا من نفسك يومًا نأتيك فيه تعلمنا مما علمك الله، فقال: اجتمعن في يوم كذا وكذا في مكان كذا، فاجتمعن فآتاهن، فعلمهن مما علمه الله) [رواه البخاري ومسلم].
ماذا بعد الكلام:
· اجعلي لك رؤية وهدف في حياتك العلمية ولتكن:
- قراءة كتاب في كل علم من علوم الشريعة .
- الارتقاء في الدرجات العلمية في التخصص الذي تريدين.
- الحصول على دورات في مجال الحاسب الآلي.
· اسألي الله تعالى العلم النافع فقد كان من دعائه صلى الله عليه وسلم: (اللهم إني أسألك علمًا نافعًا، ورزقًا طيبًا، وعملًا متقبلًا) [صححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجة، (1199)].
كان صلى الله عليه وسلم يسأل الله تعالى: (اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع، ومن قلب لا يخشع، ومن نفس لا تشبع، ومن دعوة لا يستجاب لها) [رواه مسلم].
مفكرة الإسلام