(حياة وردية، همسات هي انسكاب للمشاعر الدافئة، الحب الغائر في الأعماق، والحنان متدفق، خيال منطلق يتعدى جدران الزمن، فإذا منظر حشود المهنئين تعلوهم ابتسامة الفرح والسرور، ضحكات بريئة، ومداعبات وممازحات.. بطاقات التهنئة، وعبارات التشجيع، ودعوات الأحبة، عطور، هدايا، سفر، حتى أصابع الحلوى وكأس العصير المثلج يخيل إليه أنه يراه!!
هكذا يبدو الزواج قبل الزواج!!
ثم تبدأ الأشهر الأولى من الزواج فيراها الزوجان خطًا فاصلًا بين حياة ما قبل الزواج وما فيها من رقة وبراءة، وحياة ما بعد الزواج وما فيها من تحديات ومسئوليات وتبعات هي بلا شك خطوة حرجة حساسة في درب الحياة.
إما أن تكون أو لا تكون!! بكل ما تحمله هذه الكلمات من معنى!!) [حتى يبقى الحب، محمد محمد بدري]
(فالحياة المعاصرة تثقل على الفرد بإشكالاتها ومتطلباتها وهمومها، وخاصة في مجتماعتنا حيث تعيش شريحة كبيرة من الناس حالة من الكلالة والخور الشديد، والسعي وراء غرائز قديمة ومستجدة، في ظل هزيمة يومية شاملة، وأمام واقع ضاغط بأكثر من شكل، ووسط عالم لا يترك لنا مجرد الحلم.
وفى ظل هذا الواقع تنبثق المشكلات الخاصة، في صورة مخاوف ومواقف انفعالية وأوهام وخيال وتصورات مرضية، تؤثر في الرجل والمرأة) [مشكلات وحلول، عبد الواحد علواني، ص (15-16) بتصرف]
ومن ثم تصبح مصادر الخلاف في الحياة الزوجية كثيرة، وما يبدو موضوعًا غير مهم لزوجين، قد يكون موضوعًا مهما وحيويًا لزوجين آخرين.
لذا كان من المهم تحديد بعض العناصر، أو القضايا الأساسية التي يجب التفاهم عليها في الحياة الزوجية، وهذه القضايا هى:
·       المال.
·       الأولاد.
·       طريقة التعامل.
·       العلاقة الجنسية.

المال:

(المال هو عصب الحياة، ولا يمكن أن يستغنى عنه الإنسان الناجح، وهو عمود أساسى من أعمدة النجاح في الحياة وفى نهضة الأمم) [صناعة الهدف- هشام مصطفى وصويان شايع وآخرون ص 185]، وعليه تقوم أمور الناس وتتحقق مطالبهم، ومما لا شك فيه أن مسألة المال والحقوق المالية من المسائل الهامة التي إن لم يتم الاتفاق عليها بين الزوجين دب الخلاف في تلك الأسرة، وغالبًا ما يكون المال هو سبب المشاكل في الحياة الزوجية، ومن هذه المشاكل المتعلقة بالأمور المادية في الحياة الزوجية:
·       النفقة والتقتير فيها:
تبدأ المشكلة في هذا الموضوع عندما تعلم الزوجة أن زوجها ميسور الحال وله قدرة في التوسعة عليها وعلى أبنائها ومع ذلك تراه يمسك عليها ويقتر على أبنائها، فتبدأ المطالبة والامتناع وتظهر المشاكل.
واذكر أني قابلت زوجة تشكو من زوجها بسبب هذا الموضوع وتقول: أعلم جيدًا أن زوجي راتبه كبير، وأنه ينفق كما يشاء حتى على أصدقائه، ويكثر من المجاملات، ولكن عندما أطلب منه أبسط الأمور يتذمر ويرفض ويتهمني بالأسراف، وقد تصل الأمور إلى حد الخلاف.
لذلك يجب توضيح نقطة مهمة جدًا، أن النفقة ليست رفاهية أو فضل يقوم به الزوج تجاه زوجته بل هي واجبة شرعًا بالكتاب والسنة وإجماع العلماء، قال تعالى:{وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 233] ولفظ المعروف المتعارف عليه في الشرع أي بدون إفراط ولا تفريط، وإنما استحقت الزوجة هذه النفقة لتمكينها له من الاستمتاع بها، وطاعتها له، والقرار في بيته، وتدبير شئون منزله، وحضانة أطفاله، وتربية أولاده.
·       الإسراف وعدم قناعة الزوجة:
وهناك من النساء من لا تقنع أبدا بأي حد، فهي دائمة الشكوى، دائمة الطلب، حتى ولو لم يكن لها حاجة إلا الرغبة في الإنفاق وكأن هذا الرجل الذي تزوجته وظيفته الأساسية هي إشباع رغبتها في الشراء والإنفاق، وعليه أن يعمل لفترات طويلة ويكد ويتعب لأجل أهداف زائلة ليست بالأهمية العظمى مثل: أن تلبس أفضل من صديقاتها أو شراء العطر ذو الماركة الفلانية لأن فلانة قد اشترته، أو الإسراف بشكل كبير في الطعام الغير الصحى الذي يتبقى منه الكثير ويلقى في القمامة حتى لو كان هذا على حساب مستقبل علاقتهما الزوجية وعلى حساب أولادهما، وهذا النوع من النساء دمار للأسر والبيوت، لأنها تجعل الرجل في توتر دائم، وبالتالي فهو إما أن يرفض فتبدأ الشكوى والخلافات، أو يستجيب ويكون هذا فوق طاقته وإمكاناته المادية مما يضطره إلى الدين أو الطرق الغير مشروعة.
·       عمل الزوجة وذمتها المالية الخاصة:
لا شك أن الزوجة العاملة تواجه مشاكل أكثر من الزوجة التي لا تعمل، وتتباين المفاهيم بين الأزواج وزوجاتهم حول استقلالية المرأة براتبها وحجم الإنفاق منه على نفسها وبيتها مما يضفى ظلالًا من الشقاق والخلاف تخيم على جو الود والتفاهم بين الزوجين بعض الوقت حتى يتم الإتفاق على هذه الأمور.
ولا شك أن تفرغ المرأة لرعاية أسرتها وزوجها الأفضل والأكمل، إذ يتواءم مع الأمر الشرعي بالقرار في البيوت، ويتناسب مع المهمة العظمى والدور الأكبر الذي جعله الله تعالى للمرأة المسلمة، وهو رعاية زوجها وتربية أولادها، قال تعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} [الأحزاب: 33].
ولكن إذا احتاجت المرأة المسلمة للعمل، فيجوز لها ذلك بإذن الزوج، وفى هذه الحالة فمن الضروري أن يتفاهم الزوجان حول راتبها بطريقة عادلة تتفق مع ظروف الحياة وعرف المجتمع وتحقق رضا الطرفين، فالراتب هو حق من حقوق الزوجة وقد أوجب الشرع على الزوج النفقة الكاملة لزوجته في حالة وجودها في بيتها بدون عمل، ومع خروج الزوجة للعمل فحتمًا سيتأثر الزوج بغياب الزوجة عن البيت فترة عملها مما ينعكس على تعاملها معه ومستوى توفير الخدمة له، وأيضًا ينعكس على تربية أولادها.
لذلك يجب على الزوجين أن يتفقا على قدر معين من المشاركة على سبيل الاختيار لا على سبيل الإلزام، فهى غير ملزمة شرعًا بذلك خاصة إذا كان الزوج موسرًا، ويترك بعد ذلك جزءًا للمرأة تتصرف فيه كيفما تشاء، والأولى للزوج ترك مال زوجته لها فهذا أفضل لقوامته عليها وأسكن لنفسها.
وليكن حديث النبي عليه الصلاة والسلام نبراسًا للزوج والزوجة في هذه الأمور والذي يوضح فيه أن أفضل النفقة والقربة إلى الله عز وجل هي نفقة الرجل على بيته وعياله وكذلك الحال بالنسبة للمرأة، كما قال صلى الله عليه وسلم: (دينار أنفقته في سبيل الله، ودينار أنفقته في رقبة، ودينار تصدقت به على مسكين، ودينار أنفقته على أهلك، أعظمها أجرًا الذى أنفقته على أهلك) [رواه مسلم].
ولا ننسى موقف السيدة خديجة رضي الله عنها من الرسول صلى الله عليه وسلم بعد بعثته حيث يقول عنها: (وواستنى بمالها).

الأولاد:

(الأولاد هم هبة الله وبهجة الحياة وفخر الناس وأمانة الخالق عند الخلق، وهم ثمرة جسد الزوجين، وجماع خصائص نفسين، وامتداد عمر الوالدين، وملتقى آمال بشرين، وبهم عمران الحياتين، وصمام أمن وبقاء للبيوت عند النزاع خوفا عليهم، ومفتاح الوفاق والافتراق عند الاختلاف من أجلهم، ومصدر السعادة أو الشقاوة لنبوغهم أو فشلهم، فالأولاد كالهواء والماء لصحة حال وجدان الوالدين، فإذا مرضو شعر الوالدين بالألم، وإذا حزنو وجم الوالدين بحزنهم، وإذا ابتسموا علا الإشراق وجوههم، وإذا وفقوا ورضوا ارتاح الوالدان وانشرحت صدورهم) [العشرة الطيبة-محمد حسين-411].
ولهذا كان من اللازم توضيح بعض النقاط الأساسية حول هذا الموضوع مثل: تربيتهم وكذلك متابعة مستواهم الدراسي، واختيار مجموعة القيم والمبادئ التي يريد الوالدان غرسها لديهم، ونوع التعليم الذي يرغبون في حصول الأبناء عليه، وطريقة الثواب والعقاب، ودور كلًّا من الأم والأب في حياة الأبناء.
والحقيقة أن هذه المشكلة ـ أعني تربية الأبناء ـ من الأمور الهامة التي يجب أن يحسن الأزواج ادارتها إذ أن التنازع فيها يعرض الأسرة إلى الدمار والتذبذب الذي يؤدى نشوء أجيال غير واضحة الهوية مشتتة الوجدان والفكر.

طريقة التعامل:

طريقة التعامل بين الزوجين محور من محاور التفاهم بين الزوجين الأساسية، إذ أن الحياة الزوجية قائمة على الحوار والتفاهم، والحوار جزء كبير من هذه الحياة، ولذلك نبه القرأن على ذلك بقوله {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: 19]، وهناك من الأزواج من يتفاهم مع زوجته من منطق الدونية وإلغاء الهوية والكيان فهى أشبه بأمة ليس لها من الأمر شيء، فالقوامة عنده قهر وإذلال، وهناك من النساء من تعامل زوجها أسوأ معاملة وتتسلط عليه وتلغي شخصيته وقوامته فيذوب الرجل وتتذبذب الأسرة، وهناك بيوت كأنها حلبة صراع ومعارك حربية وخطط ومؤامرات مع أن الصورة المثالية الإسلامية حددت وبوضوح الحقوق والواجبات وأيضا العشرة.

العلاقة الجنسية:

يعتبر وجود علاقات جنسية سليمة ومشبعة بين الزوجين أمرًا أساسيًا في كل زواج سعيد ناجح، ذلك أنه إذا كان السكن هدفا من أهداف الزواج كما ورد في الآية القرآنية الكريمة {وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الروم: 21]، فإن المشاكل الجنسية منغص كبير لهذا السكن على المستويين النفسي والجسدي.
وقد أثبتت الدراسات النفسية أن السكن والمودة والرحمة بين الزوجين يزداد قوة بوجود توافق جنسي بينهما، وذلك لأن العلاقة الجنسية بحكم طبيعتها مصدر نشوة ولذة فهي تشبع حاجة ملحة لدى الرجل والمرأة على السواء.

ماذا بعد الكلام:

·       على الزوجين توضيح بعض القضايا الأساسية إن أمكن قبل الزواج وذلك لمفاداة حدوث المشاكل في المستقبل من أهمها:
·       المال وطريقة الإنفاق: ومن المفضل عدم صرف الراتب كله شهريًا، ولكن من الممكن تقسيمه إلى ثلاث أثلاث ثلث لنفقة البيت والمأكل والمشرب وثلث للإدخار لتجنب الطوارئ والأزمات دون اللجوء إلى الدين، والثلث الأخير للتطوير في التعليم أو غيره، ويكون بذلك الزوجان قد قامو بتغطية شاملة لأهم الجوانب في حياتهم.
·       على الزوج ألا يضيق في الإنفاق على زوجته طالما لديه القدرة المادية، ويرجو في ذلك الأجر والثواب منه سبحانه وتعالى.
·       على الزوجة مراعاة أحوال زوجها المادية وعدم إرهاقه بطلبات كثيرة ليست ذات أهمية وتعلم أن القناعة كنز لا يفنى.
·       إذا كانت الزوجة تعمل ولها ذمتها المالية الخاصة فمن الأفضل أن يتفاهموا حول هذا الموضوع ويجدوا حل وسط يرضى الطرفين تجنبا للمشاكل والخلافات.
·       يتفق الزوجان على خطوط عامة وأساسية في تربية الأبناء مثل دور كل طرف في تنشئتهم وطريقة تعليمهم ونوعية التربية والقيم الموجهة إلى الأبناء وطريقة الثواب والعقاب.... وهكذا.
·       على كل طرف من طرفي العلاقة الزوجية أن يراعي الأخر ويتذكر أن له حقوقا وعليه واجبات يؤديها ويتقي الله في أقواله وأفعاله مع الطرف الآخر حتى يرضى عليه المولى عز وجل.
·       يحاول الزوجان تثقيف أنفسهم فيما يخص العلاقة الخاصة بينهم وذلك بالطرق المشروعة عن طريق قراءة كتاب مثلا أو سؤال أهل العلم والخبرة.
المصادر:
العشرة الطيبة محمد حسين
صناعة الهدف هشام مصطفى وصويان شايع وآخرون
مشكلات وحلول، عبد الواحد علواني
حتى يبقى الحب، محمد محمد بدري

 

مفكرة الإسلام

JoomShaper