أعطَت الشريعة الإسلامية للرجل حقَّ الطلاق، وفي مُقابل ذلك فإنها جعَلت الخُلع حقًّا للمرأة، وهو الافتداء إذا ما كرهت المرأة زوجَها وخافت ألا تُوفِّيه حقه، وفي هذا المقام قال الله - سبحانه وتعالى -: ﴿ الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ ﴾ [البقرة: 229].
والمراد هنا: إن ظن واحد منهما بنفسه ألا يُقيم حق النكاح لصاحبه حسبما يجب عليه لكراهية يَعتقِدها، فلا حرج على المرأة أن تفتدي نفسها، ولا على الزوج أن يأخذ الفِداء.
وتُعتبر حبيبة بنت سَهل الأنصاري زوجة ثابت بن قيس بن شماس، أولَ حالة خُلْع في الإسلام، بل إن هذه الآية الكريمة السابقة نزلَت في هذا الشأن؛ ففي صحيح البخاري عن عِكرمة عن ابن عباس، أن امرأة ثابت بن قيس قالت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يا رسول الله، زوجي ثابت بن قيس ما أعيب عليه في خلُق ولا دِين، ولكن أكره الكفْر في الإسلام - أي: أكره عدم الوفاء بحقِّه لبغضي له - فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أتردِّين عليه حديقته))، وهي المهر الذي أمهَرَها، فقالت: نعم، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لثابت: ((اقبل الحديقة، وطلِّقها تطليقة)).
والخُلع مدلول شرعي يعني إزالة ملك النِّكاح؛ أي: الطلاق، سواء كان من الزوجة أو مِن وليِّها أو ممَّن يَنوب عنها، ومعناه أن تُخالع المرأة زوجها وتُطلَّق منه في مقابل عِوَض تدفعه لتفتدي نفسها به، وقد يكون هذا العِوَض في شكل نقدي أو عيني.
ويتفق الفقهاء حول تعريف الخُلع:
حيث عرفته الظاهرية بأنه الافتداء إذا كرهت المرأة زوجَها فخافت ألا تُوفِّيه حقه أو خافت أن يبغضها فلا يوفِّيها حقها، فلها أن تفتدي منه ويُطلِّقها إن رضي هو.
وقد عرَّفته الحنابلة بأنه: فراق الزوج لزوجته بعِوَض يأخذه منها أو ممَّن ينوب عنها.
وقد عرفته الشافعية بأنه: فُرقة بين الزوجين بعِوَض مقصود راجع لجهة الزوج بلفظ من ألفاظ الطلاق.
وقد عُرِّف الخلع أيضًا بأنه فراق الرجل زوجتَه نظير مقابل يَحصُل عليه.
فلقد جعل الإسلام للمرأة مخرجًا إن أريد بها الضرر، وهي لا تقبل هذا الضرر، فيأتي الحق ويُشرِّع ويقول: "ما داما قد خافا ألا يُقيما حدود الله"، فللمرأة أن تفتدي نفسها بشيء من المال، شريطة ألا يزيد عن المَهر.
الدليل على الخُلع من القرآن الكريم:
الدليل على الخُلع من القرآن الكريم قول الله - سبحانه وتعالى -: ﴿ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ ﴾ [البقرة: 229].
الخُلع من خلال القانون:
أما الخلع من خلال القانون، ففي جميع الأحوال طلاقٌ بائنٌ، ويكون الحكم في جميع الأحوال غير قابل للطعن عليه بأي طريقة من طرق الطعن.
وينظر إلى الخلع من الناحية الشرعية على أنه عقد ينعقد بإيجاب وقَبول، ولكن الاعتبار فيه يَختلف بالنسبة لكل من الرجل والمرأة، فهو من جانب الرجل يُعتبَر تعليقًا للطلاق على قبول المال، ومن جانب المرأة يعتبر فدية ومُفاوَضة.
ومن هنا فإن الخلعَ يعتبر طلاقًا، لكنه مُيِّز عن غيره في أنه طلاق نظير مال تُقدِّمه الزوجة لزوجها، وقد أباحت الشريعة الإسلامية للمرأة أن تقدم مالاً تَفتدي به نفسها، وأباحت للرجل قبوله في نظير الطلاق، عندما يَخافان ألا يقوما بحق الزوجية، وألا تَكون بينهما عشرة زوجية يرتضيها الدين الإسلامي.
حكم الخُلع:
هو نفس حكم الطلاق، فهو مُباح ولكنه مَبغوض، وقد نهى الشارع عنه إذا كان لغير سبب غير رغبة الزوجة في فراق هذا وتزوَّج ذاك، وهو ما يُعرف بالتذوق؛ ولذلك قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((أيما امرأة اختلعت من زوجها بغير نشوز، فعليها لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، المُختلعات هنَّ المنافقات))، والدليل على جوازه من الكتاب قوله - تعالى -: ﴿ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾ [البقرة: 229].
فحظر على الزوج بهذه الآية أن يأخذ شيئًا مما أعطاها إلا على الشريطة المذكورة.
وهذا الخوف من ترك إقامة حدود الله على وجهَين:
1- إما أن يكون أحدهما سيئ الخلُق أو هما جميعًا، فيفضي بهما ذلك إلى عدم إقامة حدود الله فيما ألزم كل واحد منهما من حقوق النكاح في قوله - تعالى -: ﴿ وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ [البقرة: 228].
2- وإما أن يكون أحدهما مُبغضًا للآخَر، فيَصعُب عليه حسن العشرة والمُجامَلة، فيؤديه ذلك إلى مخالفة أمر الله فيما ألزم كل واحد منهما من حقوق النكاح التي تلزمه، فإذا وقع أحدُ هذَين وأشفقا من ترك إقامة حدود الله التي حدَّها لهما، حلُّ الخلع.
الحكمة من مشروعية الخُلع:
لما جعَل الله - سبحانه وتعالى - الطلاق في يدِ الرجل، يستطيع أن يلجأ إليه كعلاج أخير يتخلَّص به من زواج رأى أنه لم يؤدِّ الغرضَ المقصود منه، فإنه في نفس الوقت أعطى المرأة هذا الحق في أن تتخلَّص من زواجها إذا رأت أنه لم يؤدِّ الغرض المقصود منه، وذلك بالخُلع؛ لتكون الحياة الزوجية فيه قائمة على الحرية في بدئها، وعلى الحرية في استمرارها كذلك؛ فإنه من غير المعقول، بل ولا من العدل أن تشعر امرأة بالنفور الحقيقي من زوجها لأي سبب من الأسباب الخلقية، ثم تُرغَم على المعيشة معه؛ لأن حياة زوجية بهذا الشكل لا خير فيها، سواء للزوجين أو للمُجتمع؛ لأن الزوجة أذا أحسَّت بأنَّ زوجها مفروض عليها إلى الأبد مع كراهيتها له ونُفورها منه، فإنها قد تَقتله أو تَقتُل نفسها، أو تخرج عن دينها، أو تزلُّ إلى طريق الغَواية والانحِراف.
المراجع:
• أبو محمد علي بن أحمد سعيد بن حزم: المحلى، الجزء العاشر، القاهرة، دار التراث، ب ت.
• أحمد يوسف: أحكام الزواج والفرقة دراسة فقهية مؤصلة، القاهرة، مكتبة الزهراء، 1984.
• أنور العربي: التعليق على قانون الأحوال الشخصية الجديد، القاهرة، المطبوعات القانونية، 2001.
• رفيقة سليم حمودة: المرأة المصرية مُشكِلات الحاضر وتحديات المستقبل، القاهرة، دار الأمين، 1997.
• سامح سيد محمد: الخلع بين المذاهب الفقهية الأربعة والقانون المصري، دراسة تحليلية لأحكام المحاكم المصرية، القاهرة، دار أبو المجد للنشر، 2002.
• سامية عطية نبيوة: تَصوُّر مقترح للممارسة العامة في الخدمة الاجتماعية لمواجهة المشكلات التي يعاني منها أطفال أُسَر الخُلع والطلاق، رسالة ماجستير غير منشورة بكلية الخدمة الاجتماعية، جامعة حلوان، 2012م.
• عبد الفتاح أبو العينين: أحكام الأسرة في ضوء المذاهب الفقهية، القاهرة، الفجالة، 1985.
• الإسلام والأسرة: دراسة مُقارنة في ضوء المذاهب الفقهية وقوانين الأحوال الشخصية، القاهرة، الفجالة، 1995.
• محمد بن علي بن محمد الشوكاني: نَيل الأوطار شرح منتقى الأخبار من أحاديث سيد الأخيار، الجزء الخامس، ط 1، القاهرة، دار الحديث، 2000
• محمد متولي الشعراوي: الزواج والطلاق، القاهرة، دار الندوة، 1991
• يوسف أحمد نصار: أسباب التطليق في الشريعة الإسلامية وآثاره على ضوء قانون الأحوال الشخصية، القاهرة، الفجالة، 1995م.
رابط الموضوع: http://www.alukah.net/Social/0/59095/#ixzz2dAYRsTZw