بدرية طه
تقع الكثيرات من الزوجات وربات البيوت في خطأ بدون قصد منهن، أثناء جلساتهن مع بعضهن وما يتم بها من حكايات عن كل شي متعلق بأمورهن النسوية، يتمثل ذلك في إفشائهن لأدق الأسرار الزوجية الخاصة والتي لايجب أن تخرج عن حجرة نومهن، والكثيرات يقعن في هذا الخطأ دون أن يعلمن جرم هذا الفعل وماذا يمكن أن يترتب عليه .
حسد ووقيعة
هذه الأسرار التي تحكيها الكثيرات تكن بقصد طلب النصح والمشورة في بداية الأمر، ولكن تتنقلها الألسنة ويتولد عنها ارتفاع الأمن والسكينة عن الكثير من البيوت الزوجية، فتقول هـ ح ربة منزل:"حكيت أدق أسراري الزوجية أثناء جلسة كانت تجمعني بمجموعة من صديقاتي طلبا للنصح والإرشاد، وفوجئت بعدها أن أحدى الحاضرات قد تناقلت هذا الحديث لدرجة أنه قد وصل إلى زوجي عن طريق زوجها، مما ولد بيني وبين زوجي حالة من نقص الثقة وانعدامها".
والأمر لم يختلف كثيرًا بالنسبة لـ ح هـ متزوجة حديثا، وتقول: "في بداية زيجتي قمت بسرد أسراري الزوجية لأحدى جاراتي من باب البوح والإفضاء، ولاحظت فيما بعد تغييرا في علاقتي الخاصة بزوجي إلى الأسوء، وعندما استشرت أحد الحكماء كان الرد بأنني قد تعرضت إلى الحسد فيما يتعلق بهذا الأمر".
حكم إفشاء أسرار الزوجية
وحول الحكم الشرعي لمن يقوم بهذا الأمر تقول الدكتورة "ماجدة محمود هزاع" أستاذ ورئيس قسم الفقه المقارن بجامعة الأزهر أن خطورة جريمة إفشاء أسرار الزوجية جعلت الرسول صلى الله عليه وسلم يشبه من يأتي بمثل هذه الأفعال بالشيطان، فعن أسماء بنت يزيد أنها كانت عند رسول الله ـ والرجال والنساء قعود عنده فقال: "لعل رجلاً يقول ما يفعل بأهله، ولعل امرأة تخبر بما فعلت مع زوجها ". فأرم القوم يعنى سكتوا ولم يجيبوا، فقلت: إي والله يا رسول الله إنهن ليقلن وإنهم ليفعلون. قال : "فلا تفعلوا فإنما ذلك مثلا الشيطان لقي شيطانة في طريق فغشيها والناس ينظرون".
ومن جانبه يؤكد الباحث الشرعي "عبد العزيز السريحي" أن مثل هذه التصرفات من قبيل خيانة الأمانة فلا يجوز للرجل أن يفشي أو يذيع سر زوجته، ولا للمرأة أن تبوح بأسرار زوجها، فهذا من الأمانات التي يجب رعايتها حتى بعد الطلاق.
وأضاف السريحي: جاءت التعاليم الربانية والتوجيهات النبوية والمبادئ التربوية والاجتماعية السليمة بما يحفظ كيان الأسر المسلمة ويزيد متانة روابطها وتماسك أفرادها، لتبقى العلاقات الأسرية بعيدة عن المشاكل الاجتماعية، ونهى عن كل قول وفعل يجلب لهما ضررًا أو يمنع عنهما نفعاً، فكل الأديان والشرائع حذرت الزوجين من أن يفشي الواحد منهما سر الآخر، منوهاً أن إفشاء الأسرار يشمل الأسرار المالية، وأسرار الفراش، والعمل، وشدد بقوله إن الأسرار الزوجية مطلب أمني حددها الإسلام بشروط وضوابط لتحقيق هذا الأمن، تكون مسؤوليته ملقاة على عاتق الزوجين للحفاظ عليها وصيانتها، وإن هذا السر يعد بمثابة العهد بينهما لا يجوز نقضه.
أنواع إفشاء الأسرار
وبعد ان تعرفنا على الحكم الشرعي لهذا الخطأ الذي ترتكبه الكثيرات من الزوجات بقي أن نتعرف على ما يجوز وما لا يجوز نقله من أخبار الحياة، فإفشاء أسرار الزوجية يأتي على أقسام:
القسم الأول : أن تكون هذه الأسرار فيما يتعلق بأمور الاستمتاع بين الزوجين, ووصف التفاصيل الراجعة إلى الجماع وإفشاء ما يجري من المرأة من قول أو فعل. والحكم هنا على نوعان:
النوع الأول : إذا كان للحديث من باب الفضفضة وعدم وجود حاجة له فلا يجوز الكلام ، لتمثيل النبي ـصلى الله عليه وسلم ـ للزوجين اللذين يتحدثان عن أسرار الفراش كمثل شيطان وشيطانة تلاقيا في طريق ما فجامعها بمرأى من الناس, كما سبق في حديث أسماء بنت يزيد، وفيه نهي صريح عن كشف أسرار الفراش فكأن هذا الكشف والإفشاء صورة جنسية معروضة في الطريق والفتنة الشيطانية المعروضة في الطريق العام.
النوع الثاني: إن كان الحديث لإثبات حق أو رفع ظلم كأن تكون أمام القاضي أو من اتفقا على أن يكون المصلح بينهما فهو أمر جائز. فقد روى البخاري في صحيحه أن رجلاً ادعت عليه امرأته العنة فقال : والله يا رسول الله إني لأنقضها نقض الأديم ولكنها ناشز تريد رفاعة ولم ينكر عليه ـ صلى الله عليه وسلم . و روى مسلم في صحيحه أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال لأبي طلحة "أعرستم الليلة".
القسم الثاني : إن كانت الأسرار فيما عدا ذلك فهو أيضاً على أنواع:
النوع الأول : إن كان الحديث في وصف الأزواج خَلقيا "فيما يتعلق بالصفات الجسمانية"ً فلا يجوز لقول النبي ـصلى الله عليه وسلم ـ : "لا تباشر المرأة المرأة فتنعتها لزوجها كأنه ينظر إليها".
فإذا استغرقت المرأة في وصف زوجها وجماله وبهائه قد يحدث في نفوس السامعات ما لا تحمد عقباه من الحسد ونحوه .
النوع الثاني :إن كان الحديث في وصف الأزواج خُلقيا "مايتعلق بقيمه وصفاته" فهو بين أمرين:
الأول: إن كان الحديث ذمًا: كوصفه بالبخل أو الجهل أو الغلظة فهذا لا يجوز إلا إذا كان على سبيل الشكاية لمن يريد الإصلاح كالقاضي ونحوه لأنها من الغيبة والغيبة كما هو معلوم ذكرك أخاك بما يكره وهي محرمة. الثاني: إن كان الحديث مدحًا: فهذا على حسب المصلحة إن كان في الحديث عن صفاته منفعة فلا بأس وإلا فلا خوفًا من ترتب المفاسد.
إفشاء الأسرار الزوجية.. بين طلب النصح وهتك الستر
- التفاصيل