رسالة المراة
من الضروري أن يدرك الجميع أن الحرية الشخصية ضرورية لكل الناس، للرجال والنساء على حد سواء، لكن مع فهم أن الحرية ليست هي الفوضوية، وإنما هي حق التصرف بحرية، ضمن أصول وقواعد مبنية على احترام الذات وإدراك حرية الآخرين أيضًا، فحرية الشخص يجب أن تقف عند حدود الإساءة للآخرين.
وهذه الحرية ربما تتقلص بعد الزواج، ولكن ذلك لا يعني انتهاءها أو تكبيلها بأغلال حديدية، وعندما أطلق البعض على الزواج تسمية القفص الذهبي، لم يصفوه بالحديدي القاتم، وإنما هو ذهبي ساطع؛ يمنح الراحة ويحافظ على قدر كبير من الحرية الشخصية للزوج والزوجة، فكيف تحصلين على هامش من الحرية دون إزعاج الطرف الآخر؟

المرأة، متزوجة كانت أم غير متزوجة تكون بحاجة إلى وقت مع ذاتها تقلب صفحات حياتها؛ لتكتشف نفسها أكثر وأكثر، وتدرك نقاط ضعفها وقوتها وطريقة سلوكها مع نفسها ومع الآخرين.

والمرأة بحاجة أيضًا إلى هامش واسع من الحرية بعد الزواج؛ لأن ذلك يشعرها بأنها كائن اجتماعي له حقوق مثل الرجل، هامش الحرية للرجل والمرأة يجب أن يكون متساويًا وإن اختلف النوع والشكل لأن الحرية بالنسبة للاثنين لا تتوقف بعد الزواج، وإنما تدخل ضمن إطار جديد أكثر تنظيمًا.

والزواج لا يعني انتهاء الحرية واختفاء الشخصية، فليس من حق الزوج سلب حرية زوجته تحت ذريعة الزواج، وكذلك هي الحال بالنسبة للمرأة، والتغيرات المرتبطة بالزواج هي تغيرات في نظام الحياة ونمط المعيشة وليست تغيرات تمس الجانب الإنساني، الذي تعتبر الحرية فيه حقًا للرجل والمرأة.

الزواج يجمع بين شخصين ويجعل الزوج والزوجة ملزمين باحترام بناء أسرة، والحفاظ على النسل البشري، لكنه لا يعني أن حرية الفرد تنعدم أو تُسلب من قبل طرف من الأطراف بعد الزواج.

والاحتكاك المستمر بين الأشياء يؤدي إلى بروز طاقات، قد يأخذ قسم منها منهجًا تصادميًّا، وعلى هذا الأساس فإن وجود هامش الحرية يعيد تنظيم هذه الطاقات، ويعيد تنظيم الأفكار والتصرفات والسلوكيات حول الشخصية الفردية، فلو كانت المشاحنات كثيرة بين الزوج والزوجة، فمن الضروري جدًّا طلب أحدهما أخذ وقت لنفسه؛ لاسترجاع شريط الأحداث، ومحاولة البحث عن نقاط الخلاف والتصادم، عبر استخدام ذلك الهامش من الحرية.

يجب على الزوج أن يدرك أن زوجته عندما تخلو بنفسها فهي ربما تفكر في تجديد روح التفاهم عندها لكي تتجدد الطاقة الإيجابية في العلاقة الزوجية. فالخلو مع النفس ضمن هامش من الحرية يزيد من احترام المرأة لزوجها، ولا يعني بأي حال من الأحوال أنها لا تعير اهتمامًا لآرائه.

من الضروري إدراك أن هامش الحرية عند المرأة يضيق عندما تكون الثقة بينها وبين زوجها معدومة، فالمعادلة هنا هي أحادية الطرف لأن الرجل يستطيع أن يخرج بمفرده، ويتمتع بحرية الحركة متى شاء، ويسلب من زوجته ذلك الهامش، وعلى الزوجة أن تضمن بالفعل كسب ثقة زوجها بشكل صادق وحقيقي ومن خلال الدعاء لله تعالى ليل نهار أن يكون الزوج راضياً عنها ويحب أن يسعدها ويفرح بأن تكون حالتها النفسية جيدة حتى لا تتعرض للضغط والكبت الذي يولد الانفجار.

من ناحية أخرى فإن الغيرة الزوجية موجودة في الواقع بشكل لا يمكن تجنبه أو تجاهله ولكن يجب النظر بإمعان في أسبابها ومن الأهمية بمكان أن يدرك الزوج أن غيرته على زوجه يجب ألا تجعله يسجنها داخل أسوار من الذهب لأن منحها هامش من الحرية المنبضطة بضوابط الشرع الحنيف هو الذي سيضمن له أن تقل مشاعر الغيرة المؤذية التي يمكن أن تحيل الحياة إلى جحيم حقيقي لا يطاق ويضيع المشاعر الرومانسية والحب والطموح الذي يمكن أن يتحقق على مستوى الأسرة بوجه عام.

JoomShaper