أنيسة الشريف مكي
ظاهرة من الظواهر الاجتماعية السيئة التي انتشرت حديثاً في المجتمع، ظاهرة إشهار الزوج سلاح الطلاق في وجه الزوجة -البعض وليس الكل- والغريب أن التهديد بالطلاق في أغلب الأحيان يكون لهفوات ومشاكل بسيطة، تبدأ صغيرة ثم تكبر بعناد الطرفين: إذا فعلت كذا فأنت طالق، وإذا خرجت للعمل فأنت طالق.. الخ.
وما دفعني للكتابة.. «إذا خرجت للعمل فأنت طالق».. الضرر هنا عام وليس خاصاً، والمتضررة ليست الزوجة فحسب، ولكن العمل أشد تضرراً.. فقد تختار أخف الضررين وتبقى في المنزل حماية لأسرتها، وحتى لا يقع البيت على رؤوس الأطفال، ويصعب انتشالهم من تحت أنقاضه، لكن الارتباك الذي يحدث في العمل والضرر الناجم بسبب غياب هذه الموظفة أشد وأكبر مما يُتوقع.
فلو كانت معلمة، فحدث ولا حرج عما سيحدث بسبب هذا الغياب المفاجئ وعدم وجود بديل، فتضطر الإدارة للجوء للانتداب الذي له سلبياته أيضاً، أو لوسائل أخرى، كلها وسائل لحلول لا تعطي ثماراً جيدة، سلبياتها أكثر من إيجابياتها، أما الأعمال الأخرى فقد يصعب إيجاد البديل. والله وحده يعلم ما سوف تعانيه المؤسسة أو المصلحة من فوضى وارتباك.
السعادة ممكنة طالما وجد الحب والرغبة والإرادة لتحقيقها
وفي حالة تكرار هذا الحلف الذي يجعل الزوجة تشعر بأنها أسيرة في بيت أوهى من بيوت العنكبوت، ينعدم فيه الأمن الاجتماعي والاستقرار، وتزداد الضغوط التي تولد الانفجار، وتأتي النهاية... نهاية حتمية لمسلسل رعب التهديد بالطلاق.
أسلوب عاجز وغير حضاري ولا أخلاقي ذلك الأسلوب الذي يجعل من الطلاق يمينا يحلف به على فعل شيءٍ أو ترك شيء، يدل دلالة واضحة على ضعف العقل، وضحالة الرأي، وضمور التفكير، وضعف، وعدم القدرة على الاحتواء، لأن الحياة الزوجية تقوم على تقبل كل طرف للآخر بحسناته ومساوئه.
كيف لو كانت أخت المهدد بالطلاق هي من تتعرض لمواقف مشابهة فماذا سيفعل؟ هل سيتركها في العذاب؟ لا أعتقد... كيف يرضاها لزوجته ولا يرضاها لأخته؟!!
جريمة أن يساء استخدام الطلاق للابتزاز أو التهديد، الطلاق شريعة لا ذريعة، ومن المؤسف جعله وسيلة ضغط لفرض الأوامر.
الإسلام نظم العلاقات الزوجية، فوضع لها نظام أسرة تقوم على أمتن الروابط، وأقوى الدعائم، لأنها أسمى علاقة بشرية.
"ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون"، وقوله سبحانه "هن لباس لكم وأنتم لباس لهن"، فما ألصق بالإنسان من اللباس الذي يلبسه، ومن المرفوض دينياً وأخلاقياً أن يتجرد الإنسان من لباسه. فالزواج سكن، ولباس، ومودة، ورحمة. فكيف يتلاءم الطلاق مع هذا التعبير الرباني.
الطلاق ليس عصا تهديد، وإنما هو آخر العلاج للمشاكل الأسرية التي استحالت كل الحلول لاستمرارها.
فكم من زوجات عشن ويعشن العذاب صابرات خوفاً من تشتت الأطفال وظلم المجتمع..
الخلافات الزوجية قديمة قدم التاريخ، فليس بالضرورة تحويلها لساحة حرب، الانتصار فيها للأقوى، والزوج في هذه الحالة هو الأقوى لأنه يحمل السلاح.
أعطى الإسلام الرجل حق الطلاق، لا للتهديد، ولكن لأنه أكثر صبراً، وروية، ونظرة أبعد، فإعطاء الرجل الحق المطلق في الطلاق طبيعي ومنطقي، لأن الزوج أكثر علماً بالمسئولية، وما يجره الطلاق من خسارة على الطرفين، ولا ننسى المأساة الحقيقية أطفال البيوت المنهارة.
وقد جعل الإسلام العشرة بالمعروف فريضة على الرجال حتى في حالة كراهية الزوج زوجته؛ "وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا".
وحتى أكون منصفة، بعض الزوجات لهن الدور الأكبر في استفزاز الزوج وفي المشاكل العائلية خاصة الزوجة المتسلطة والنكدة والثرثارة والمهملة.
البيوت لا تخلو من المشكلات، ولكن لا بد من صوت العقل والحكمة، والزوجة الحكيمة تستطيع تغيير نفسها وتغيير زوجها مهما كان صعب الطباع، وبذكائها وإيجابيتها تستطيع امتلاك كل مفاتيح النجاح.
همسة..
الرجل كالطفل يبحث دائما عن من يحتويه بحب صادق، وكلمة ناعمة، ولمسة حانية، وابتسامة عذبة، تمسح همومه، وتنفض غبارها.
والمرأة لغز مفتاحه الحب.. فهي بلا محبة امرأة ميتة. افلاطون
والسعادة ممكنة طالما وجد الحب والرغبة والإرادة لتحقيقها، فلا داعي إذاً لمسلسل رعب التهديد بالطلاق.
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

JoomShaper