أنيسة الشريف مكي
كتبت سابقاً عن غيرة بعض الزوجات المدمرة، التي تهدد كيان الأسرة وبنائها، وذكرت أن من أسبابها الافتقار للنضج النفسي والعاطفي الذي يولد الغيرة اللامنطقية التي تتسبب في إيذاء نفسها وأقرب الناس إليها قبل إيذاء الآخرين.
واليوم أكتب عن مبدأ النعامة التي يتبناه بعض الآباء الأنانيين ليمتعوا أنفسهم، بحياة ترضي ذاتهم الأنانية وتشبع رغباتهم الخاصة، يعرفون كل تداعيات فوضى الخلافات الناتجة عن الأنانية ولا يتعاملون معها بحكمة، والغريب أن هذه الفئة تعرف أن الضحايا هم أبناؤها الأبرياء الذين لا ذنب لهم.
سلبيات مدمرة مؤثرة نفسياً ومعنوياً وبيولوجياً تحدث في نمو هؤلاء الأبناء
والذين سيقعون حتماً تحت أقدام الزمن لا قدر الله، تنتهج هذه الفئة مبدأ الغاية تبرر الوسيلة، همهم الوحيد إرضاء ذاتهم وإشباع رغباتهم على حساب أقرب الناس إليهم شعارهم "أنا ومن بعدي الزوجة والأولاد".
لا أظن أن أي أب عاقل أو أي زوج، يجهل الهدف الرئيس للزواج الذي هو في الأصل آية من آيات الله لإعمار الأرض.
الزواج قرار مصيري، ومشروع إنساني اجتماعي وتضحية هدفها بناء أسرة قوية صالحة، جنة في الأرض تغطيها الورود والأشواك - طبيعة الورد - ولله في خلقه شئون. إلاّ أن في ظل معرفة مفهوم واقع الحياة الزوجية وحقيقتها، ومع الحوار الحضاري والمشاركة الإيجابية في كل الأمور وبالانصهار الروحي والوجداني تنصهر الأشواك وتذهب إلى غير رجعة، وبالارتواء العاطفي تتفتح أزهار المودة والرحمة والتفاهم.
لا أعتقد أن حقيقة هذا الواقع الملموس تغيب عن أحد، فإن غابت فتلك مصيبة وإن لم تغب ونفذ قرارٌ لبداية نهاية مؤسفة الغرض، منها تحقيق سعادة شخصية فالمصيبة أعظم. الأبناء هم الضحية الأولى وطلاق الوالدين طريق سالك للتشرد والانحراف
سلبيات مدمرة مؤثرة نفسياً ومعنوياً وبيولوجياً، تحدث في نمو هؤلاء الأبناء وتوازنهم والوجداني وسلوكهم وتؤثر على مستقبلهم كآباء عندما يكبرون. أما على المستوى الاجتماعي فتمزق النسيج الاجتماعي لتمزق الأواصر والروابط الأسرية.
والعامل الرئيس لكل هذه الأضرار عاقبة الأنانية و"أنا ومن بعدي الطوفان".
كأس السم الذي يشرب منه الأبناء سيتجرعه لا شك الآباء "وعلى نفسها جنت براقش".
أضاعوا أبناءهم صغاراً، فلم ولن ينتفعوا بهم كباراً. أضاعوهم أطفالاً فأضاعوهم شيوخا، والجزاء من جنس العمل. وكما يدين المرء يدان.
الأنانية أيها الأنانيون كريح الصحراء، تجفف كل شيء أتت عليه حتى حب الأبناء لكم، وأنتم كالذي يحمل سيفاً ليضرب الناس به ولا يعلم أنه يضرب نفسه.
كأس السم الذي يشرب منه الأبناء سيتجرعه لا شك الآباء «وعلى نفسها جنت براقش».
الأبناء أمانة في عنق والديهم، قلوبهم نقية بنقاء الجواهر خالية من كل الشوائب، فإن عُوِّدُوا الخير نشأوا عليه وشاركوا فيه؛ وإن عُوِّدُوا الشر شقوا وأشقوا غيرهم؛ عجينة طرية تشكل بحسب التربية.
قال الإمام الغزالي - رحمه الله - "الصبيُّ أمانةٌ عند والديه، وقلبه الطاهر جوهرةٌ نفيسةٌ خاليةٌ عن كل نقشٍ وصورة، وهو قابلٌ لكل نقش، ومائلٌ إلى كل ما يُمالُ إليه، فإن عُوِّد الخيرَ نشأ عليه، وسَعِدَ في الدنيا والآخرة أبواه، وإن عُوِّد الشر وأًهْمِلَ إهمال البهائم، شَقِيَ وهَلَكَ، وكان الوزر في رقبة القيِّم عليه. وكما أن البدن في الابتداء لا يخلق كاملاً، وإنما يكمل ويقوى بالغذاء، فكذلك النفس تخلق ناقصة قابلة للكمال، وإنما تكمل بالتربية، وتهذيب الأخلاق، والتغذية بالعلم.
قد تصمد بعض الأمهات المصاب أزواجهن بهذا الداء، ويقمن بتربية الأبناء وحدهن، وقد ينجحن ولكن ليس بنفس الدقة التي يقوم به جهاز الأسرة المتكامل المؤلف من جزءين رئيسين هامين "الأب والأم"، فكل جزء مصمم من أجل وظيفة معينة. فليفكر الأنانيون من الآباء والأمهات بجدية بأمانتهم التي حملوها. قال تعالى: (إنَّا عرضنا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ والجِبَالِ)؛ جاء ضمن معاني الأمانة؛ أمانة الأهل والأولاد.
فاتقوا الله فيهم، "إن الله سائلٌ كل رجلٍ عما استرعاه حفظ أم ضيع، حتى يسأل الرجل عن أهل بيته" عليك أفضل الصلاة والسلام يا رسول الله.
فلا تلقوهم في اليم مكتوفي الأيدي بأنانيتكم، وتحذروهم من أن يبتلوا بالماء. ولا تتركوهم لرعاية الذئاب البشرية وتناموا.
أيتام وأنتم على قيد الحياة.
ليس اليتيم من انتهى أبواه من هم الحياة وخلفاه ذليلا
إن اليتيم هو الذي تلقى له أماً تخلت أو أباً مشغولا
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
أنا ومن بعدي والأولاد ..
- التفاصيل