بقلم : عدنان بكيرة
يقول الله تعالى في سورة النساء:
الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا (34) وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا (35)
أولاً – الآيتان تتحدثان عن الوقاية من إشكاليات الحياة الزوجية في حالة كانت القوامة للرجل، والتي تنقسم لمجموعتين من المشاكل : النشوز ومن ثم الشقاق.
- "إن خفتم" تعني وجود دلائل على المشكلة، وبالتالي فإن الآية تطرح إجراءات وقائية لمنع هذه المشاكل.
- الوقاية من نشوز الزوجة ومفتاح الحل في يد الرجل بإقناع المرأة (فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ) ، والوقاية من الشقاق بتدخل حكم من أهل الزوج وحكم من أهل الزوجة والطرفان هنا يتساوان بالمشكلة (إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا) لأن الرجل فشل بإقناع المرأة .. فالشقاق هو درجة أعلى من مشكلة النشوز.
ثانياً- تقرر الآية بالبداية القاعدة العامة بأن الرجال قوامون على النساء. وذلك بناء على إحصاء كل الرجال في الكون وكل النساء.
وقوامة الرجال على النساء لأن الله فضّل بعض الرجال على بعض النساء ولأن بعض الرجال يقومون بالإنفاق .. وهذا لا يعني أن كل رجل قوام على كل امرأة .. فإن قلنا أن الصف الأول أفضل من الصف الثاني بسبب أن بعض الطلاب في الصف الأول أفضل من البعض في الصف الثاني فهذا لايعني أن كل طلاب الصف الأول أفضل من كل طلاب الصف الثاني، وليس كل طلاب الصف الثاني أسوأ من كل طلاب الصف الأول .
فالله تعالى هنا يضع أسس القوامة وهي التفضيل والإنفاق . التفضيل يختلف حسب الوضع الاجتماعي والحضاري، ففي المجتمع البدوي التفضيل عضلي، وفي المجتمع الزراعي التفضيل بالعضلات والخبرة، وفي المجتمع الصناعي التفضيل بالعلم والخبرة، وفي مجتمعنا التفضيل بالشهادة والخبرة وارتقاء سلم المعرفة.
فلو كانت المرأة مفضلة على الرجل وتنفق فالقوامة لها حسب الآية القرآنية.
ولكن بشكل عام القوامة للرجل بسبب أن التفضيل والإنفاق هو لصالح الرجل وذلك من منطق إحصائي.
ثالثاً- تقرر الآية مواصفات المرأة الصالحة: قانتة وحافظة للغيب .. وهو عنوان لصدقية الحياة الزوجية وصلاح أمرها.
* القنوت هو قوة الانتماء للحياة الزوجية والايمان بها بكل مايعني ذلك من اتخاذ للقرارات المشتركة، واعتبارها كمرجعية حياتية والإخلاص لها .. قال تعالى في سورة آل عمران (يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ) فهي دلالة لمعنى الإخلاص والانتماء.
*حفظ الغيب: أي حفظ المرأة لأسرار الزوج ( أي المعلومات التي عرفتها عن زوجها والتي لايعلمها إلا هي وزوجها والله تعالى - حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ- ) .. فالزوجة تعلم كل شيء عن الزوج: ماله وطبائعه وعلاقاته وطرائق تفكيره .. وحفظ الغيب يعني حفظ أسرار الزوج عن الآخرين في كل مايسيء له.
وبالتالي فمن خلال القنوت وحفظ الغيب يتحقق صون الحياة الزوجية، واكتمال هذه الوحدة الاجتماعية (الأسرة) لإتمام دورها ووظيفتها.
فلو تأملنا ماحولنا لوجدنا أن كل إشكاليات الحياة الزوجية تنشأ من اختلال في معاني القنوت وحفظ الغيب .. ومن هنا تنشأ مشاكل النشوز ومن ثم الشقاق .. وهنا يقرر الله تعالى طريقة العلاج لهذه المشاكل.
رابعاً: العلاج الوقائي .. وهو من الرجل في حالة قوامته بالتفضيل والإنفاق:
يتدرج العلاج من الوعظ إلى الهجر في المضاجع إلى الضرب ومن ثم بالتدخل الخارجي من الأهالي في حالة الشقاق.
- في مرحلة النشوز قد تنحل المشكلة من طرف واحد (فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ)، وفي مرحلة الشقاق قد تنحل المشكلة بالإصلاح من خلال تدخل خارجي من أهل الزوج والزوجة في حال وجدت النية لدى الطرفين بالإصلاح.
والطاعة تعني العودة عن الخطأ بالقناعة وليس بالإكراه .. فأنا أطيع فلاناً أي أنني أمتثل لما يقوله بملء إرادتي .. وعكس الطاعة هي الإكراه .. لذلك أتت المقابلة دائماً في كثير من الآيات القرآنية بين الطاعة والإكراه:
(أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُون)
(قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا)
(وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآَصَالِ)
هنا طاعة الزوجة تعتمد على قدرة الزوج على إقناعها بالرجوع عن السلوك المسيء لمعنى الحياة الزوجية، وتقبلها لذلك من خلال آليات حل مشكلة النشوز هي آليات سلمية خالية من الإكراه تبدأ بالكلمة والوعظ .. ثم الهجر في المضاجع (وليس البعد عن المضاجع) لما ذلك من إعطاء الإحساس بحنق الرجل .. ثم الضرب .
خامساً- الضرب: الضرب هنا لايمكن أن يكون كما يفهمه العامة من صفع أو ضرب خفيف أو شديد .. فالله تعالى استخدم كلمة الضرب في القرآن للدلالة على الثبات والاتساع ..
(اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا) أي يأتي بمثال يبين حجم الفارق بين الحقيقة والوهم.
(اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ )
(لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ)
(وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ)
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ)
(إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزًّى )
وهنا أتت كلمة (اضربوهن) لمعالجة نشوز المرأة في حياتها الزوجية بمعنى ثبات الرجل على موقفه بالمقاطعة أو بردود الأفعال الدالة على عدم الرضى، وتغيير تعامل الرجل مع زوجته وضرب طبيعة العلاقة الزوجية المعتادة بما فيها من اللطف واللين والمحبة، والتوسع في ذلك للفت نظر المرأة ومراجعة موقفها، وبالتالي العودة عن ضعف الإخلاص للحياة الزوجية، أو الانتماء لها وعدم اعتبارها المرجعية الأهم في الحياة الزوجية (القنوت)، والاستجابة للحوار البناء مع الزوج من باب قيوميته على الحياة الزوجية، وعدم الكلام عن زوجها بما لايحبه ويرضاه وحفظ سره وخصوصياته .. وعند ذلك تكون الطاعة من خلال الإرادة الحرة للمرأة وحل المشكلة بدون أي إكراه. وواجب الزوج بعد ذلك ألا يستغل ذلك - باعتباره ضعفاً – من خلال التسلط أو التضييق على المرأة أو تذكيرها دائماً بما فعلت ( فلا تبغو عليهن سبيلا ).
أما مفهوم ضرب المرأة بمعنى صفعها باليد أو الرجل .. أو إلحاق الأذى بها بلين أو بعنف .. بوسائل عنيفة أو غير عنيفة فلا ينسجم إطلاقاً مع سياق الآيات .. فضلاً أنه يدمر الحياة الزوجية بما يلحقه من هدم للكرامة الإنسانية ولا يؤدي للنتائج التي قررها الله من خير للوحدة الأولى في الحياة الإنسانية ( الأسرة )
القوامة وأسطورة ضرب المرأة
- التفاصيل