حسين سويلم
يشرف كل مسلم انتسابه للدين الإسلامي العظيم، الذي كرّم فيه الصغير والكبير من بني آدم إضافة إلى الحيوان والنبات حتى الحجر وهذه حقيقة لا مراء فيها. وجعل الإسلام الزواج إكراما للإنسان عن غيره من المخلوقات، وإعفافا للرجل والمرأة على السواء، فهذه الطريقة المشروعة الوحيدة لتكوين أسرة مسلمة على كتاب الله تعالى وسنة نبيه محمد – صلى الله عليه وسلم – وأما ما أشيع بين الناس من مسميات مختلفة للزواج لا أريد ذكرها حتى لا أعطيها اهتماما، فما أنزل الله بها من سلطان، "فالحلال بَيّن والحرام بيّن" كما قال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في حديث النعمان المتفق على صحته، ودستورنا القرآن ينص على: "وما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا"سورة الحشر.
وبعد أن تدخلت العادات والتقاليد والأعراف في الزواج وجدنا المغالاة في المهور، وإرهاق من يريدون الزواج والعفاف مخالفين بذلك سنة النبي – صلى الله عليه وسلم – الذي قال: "إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير"(رواه الترمذي وحسنه، وحسنه الألباني أيضا).
وكان الرسول الكريم يزوج الصحابي بما يحفظ من القرآن لضيق ذات اليد بين الصحابة - رضي الله عنهم – ومراعاة لحالهم وبناءً لمجتمع مسلم على الفضيلة والصلاح، وحثا على ذلك أكد حبيبنا المصطفى: "أعظمُ النساءِ بركَةً أيسرُهُنَّ مُؤْنَةً" (رواه أحمد وغيره، وضعفه الألباني وغيره)(1) والتاريخ القديم والحديث يشهد على ذلك؛ فالبركة من عند الله تعالى.
فإذا سرنا على منهج الله ورسوله وجعلناه نبراسا لنا، فإننا لا نضل أبداً، ولننظر الآن عندما غالى الناس في المهور كانت النتيجة الحتمية عزوف الكثير من الشباب عن الزواج لهذا السبب، واللجوء إلى علاقات محرمة. أو أنواع من الزواج البدعي المحرم شرعا، أو على الأٌقل المختلف عليه من علماء الأمة، فلا يوجد إجماع منهم عليه، هذا من جهة، ومن جهة أخرى زيادة نسبة البنات اللاتي لم يتزوجن، ويعانين عنوسة صارخة تؤرقهن في الليل والنهار ـــ إحصاءاتها الحقيقية لا يعلمها إلا الله ـــ وتجعل الوالدين الأب والأم يحملان هم من عندهما من البنات، ويقولان متى يأتي اليوم الذي تنتقل فيه هؤلاء البنات إلى بيوت أزواجهن معززات مكرمات ونسعد ويسعدن.
من ناحية أخرى، تجعل العادات والتقاليد التي تخالف الشرع في بعض الأحيان الشباب يذهبن للزواج بطرق غير مشروعة بعيدا عن الأهل والأقارب في الخفاء، هربا من غلاء المهور وتعدد المطالبات بالبيت وتأثيثه على أكمل وجه، حتى لو بالدين ويا حبذا لو كانت السيارة فارهة وآخر "موديل"، والبيت بالامتلاك لا بالإيجار، ونفاخر بين الأسر أو أفراد القبيلة أو العائلة وهذا كله من المغالاة والتفاخر لم يرد فيه نص يعضده.
فالرسول – صلى الله عليه وسلم – وهو خير البشر ونبي الأمة وخاتم الأنبياء لم يرد عنه أنه فعل ذلك، وحتى عندما زوَّج أحب بناته إليه وأشبههن بأبيها، فاطمة الزهراء – رضي الله عنها – ابن عمه عليًّا بن أبي طالب، وكان فقيرا، لم يطلب منه أن يبني لابنته أحسن البيوت ويؤثثه بأجمل الأثاث، أو يطلب منه أغلى المهور وتكون ابنة نبينا ـــ عليه الصلاة والسلام ـــ في بيت يسير تعيش مع زوجها حياة يسيرة، وتعمل وتكد. وعندما طلبت من الرسول – صلى الله عليه وسلم – أن يجعل لها خادما يخدمها ما كان من أبيها إلا أن قال لها ولزوجها: "سبحا ثلاثا وثلاثين واحمدا ثلاثا وثلاثين وكبّرا أربعا وثلاثين فهو خير لكما من خادم"متفق عليه.
فالبيوت في الإسلام لا تبنى على التفاخر بالأنساب، والمغالاة في المهور، والتشنج والتعصب للقبيلة، وإنما تبنى على المودة والـرحمة والسهولة والتيسير، واختيار الكفء من الشباب للبنات، والكفؤة من البنات ذات الدين والخلق، فقال خير البشر صلى الله عليه وسلم "تنكح المرأة لأربع لمالها ولحسبها ولجمالها ودينها فاظفر بذات الدين تربت يداك" متفق عليه.
فالخير كل الخير في العودة إلى كتاب الله تعال، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ،ومنهاج السلف الصالح في الزواج؛ حتى نبني بيوتا بالحق والمودة والسلام والوئام، لا بيوتا بالأحجار الصماء التي لا إحساس فيها ولا حياة، نريد أن نبني البشر قبل الحجر؛ حتى يعود للمجتمع المسلم سالف عهده من التماسك والتعاضد والمحبة والرحمة، بعيدا عن العصبية والخلافات والمشكلات والقضايا التي تعج بها محاكمنا، وتظل الدعاوى سنين عددا دون حل، فتتفكك الأسر ويضيع الأبناء وذلك جاء نتاجا لعدم الاختيار الصحيح من البداية، وكذلك عدم فهم الغاية من الزواج، والأخذ بالظاهر دون معرفة مسبقة بحقيقته في الإسلام.
فالسلامة السلامة، والنجاة النجاة في العودة إلى صحيح الدين، والعمل بما جاء في التنزيل، وإرضاء رب العالمين حتى نفوز في الدارين الدنيا والآخرة.
ونختار زوجة تشارك زوجها في الدنيا، وتعينه على العمل لدار الخلود؛ فتكون زوجته في الجنة ــ إن شاء الله تعالى.
وعلينا أن نتعلم ديننا من البداية حتى لا نَضِلّ ولا نُضَل فلا ضير في ذلك، ورد في الأثر: "إنما العلم بالتعلم وإنما الحلم بالتحلم"وحسنه العلماء على أنه موقوف، وليس بحديث مرفوع.
وختاما أدعو الله – عز وجل – أن يرزق أبناءنا زوجات صالحات، ويرزق بناتنا أزواجا صالحين، وأن يجعل بيوتنا رياضا من رياض الجنة .
قال الله تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ). {سورة الروم 21}.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) قالَ عمرُ بنُ الخطَّابِ رضي الله عنه: [لاَ تغالوا صداقَ النِّساءِ، فإنَّها لو كانت مَكرمةً في الدُّنيا، أو تقوًى عندَ اللهِ، كانَ أولاَكم وأحقَّكم بِها محمَّدٌ صلَّى الله عليْهِ وسلَّمَ. ما أصدقَ امرأةً من نسائِهِ، ولاَ أصدقتِ امرأةٌ من بناتِهِ أَكثرَ منَ اثنتي عشرةَ أوقيَّةً، وإنَّ الرَّجلَ ليثقِّلُ صدقةَ امرأتِهِ، حتَّى يَكونَ لَها عداوةٌ في نفسِهِ، ويقولُ: قد كلفتُ إليْكِ علقَ القربةِ، أو عرقَ القربة].رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه وهذا لفظه، وصححه الألباني، راجع صحيح ابن ماجه/1544.
ارحموا الشباب والفتيات ...!
- التفاصيل