بدرية طه حسين
تكيفا مع الظروف الاقتصادية الصعبة وارتفاع تكاليف الزواج.. قرر الشاب المصري أن يبدأ حياته في بيت العائلة بعد أن عقد العزم على إتمام نصف دينه، وذهب لخطبة العروس.. كان يعلم أن مستقبله كطبيب وحسن خلقه وحدهما لن يشفعا له عند أسرة فتاته التي تطلب الشقة شرطا للزواج، لكنه اعتمد على سنوات الحب التي جمعتهما، وقناعتها به زوجا لها لتخطي هذه العقبة.. لكنه فوجئ بالرفض منها دون أسرتها.. حاول إقناعها أن المعيشة في أحضان أسرته توفر الأمان المعنوي والسند الاجتماعي، والأهم أنها تساعدهما في تربية الأبناء ورعايتهم، لكنها رفضت ليس فقط أن تحيا مع حماها وحماتها في شقة واحدة.. ولكنها بالغت في رفضها حتى في العيش معهما في منزل واحد ولو بشكل مستقل.


وتعتمد فكرة "الأسرة الممتدة"، التي رآها بطلنا حلا ينقذ به زواجه المؤجل، على أن يعيش الجد والجدة وأبناؤهما وأحفادهما في بيت واحد ومعيشة واحدة، كما كان يحدث منذ خمسين عاما في الريف المصري، أما الآن فقد اتجه المجتمع إلى نظام الأسرة النووية الصغيرة، ومع كل الظروف الموجودة حاليا من ارتفاع نسبة البطالة، والظروف الاقتصادية العثرة، وغلاء الأسعار، وغيرها من أمور تؤخر سن الزواج، بدأ التفكير من قبل الأهل والشباب في حلول تساعد على الزواج، وتأخذ بأيديهم لمساعدتهم في تأسيس عش صغير لهم، على أن يعيش الابن أو الابنة مع أسرته بعد الزواج في نفس المسكن الذي تربى ونشأ فيه، إلى أن تتحسن ظروفه ويستقل فيما بعد.

فهل يوافق الشباب على هذا الاختيار ولو لفترة مؤقتة، أم يتمسكوا بالاستقلال والخصوصية (أهم ما يميز الحياة الزوجية) وهو حق مشروع لهم، وفي المقابل يظل سنوات بلا زواج؟ وهل ترضى الفتيات بالبداية في عش العصفورة بغرفة بسيطة في بيت العائلة مع زوج المستقبل، أم يفضلن الانتظار الذي يقربهن خطوة خطوة من عنوسة أصبح من الصعب النجاة منها؟

بشرط الحب

سهيلة محمود (24 سنة أخصائية اجتماعية) ترى أن قبولها بهذا الأمر يتطلب تفكيرا طويلا من جميع الجوانب؛ لأنه ليس بالأمر السهل، وتشترط في حال الموافقة أن يجمع الحب بينها وبين خطيبها، وأن يكون هو فتى الأحلام الذي كانت تتمناه وتنتظره.

أما سامية مسعود (27 سنة مدرسة) فترفض هذا الاختيار قائلة: "لا أعتقد أنني سأوافق على هذه الحياة المشتركة في حالة تعرضي لمثل هذا الموقف؛ لأن الزواج من وجهة نظري استقلال في كل شيء، وفي هذا الوضع سيكون هناك تدخل في حياتي من جانب من نعيش معهم في منزل واحد".

وتقدم لنا نورهان محمود (29 سنة مترجمة) نموذجا واقعيا على إمكانية نجاح التجربة على أرض الواقع؛ فقد تزوجت منذ ثلاث سنوات، وعندما تقدم زوجها لخطبتها أخبرها أنها ستعيش معه في بيت والدته إلى حين يستلم شقته التي حجزها منذ فترة في إسكان الشباب، ومنذ أن تزوجت نورهان وإلى اليوم وهي تعيش حياة هانئة مع والدته، وكلتاهما تراعي الأخرى ولا تسعى إلا لإرضائها إلى الدرجة التي جعلتها تقول: "لست أتصور اليوم الذي أتركها فيه؛ فهي بحق أم بكل ما تحمله الكلمة من معان".

صعبة لكنها ممكنة

وتؤيدها في الرأي نهلة عبد السلام (32 سنة محاسبة)؛ حيث تقول: "في بداية ارتباطي بزوجي بحثنا كثيرا عن شقة مناسبة لحالتنا المادية، ولكننا لم نجد ما يتناسب مع إمكانياتنا، إلى أن قدم لنا أبي الحل بأن نقيم في منزل أسرتي كحل مؤقت؛ لنعجل من زواجنا من ناحية، ولنوفر على زوجي إيجار شقة يمكن أن يساهم في مقدم للحصول على شقة تمليك من ناحية ثانية".

وتستطرد: "لا أنكر أن التجربة كانت صعبة في البداية، ولم تحقق لنا نمط الحياة الذي كنا نحلم به ونتخيله، لكني اجتهدت في إرضاء زوجي ومحاولة توفير بعض الخصوصية له ولحياتنا معا، ساعدني في ذلك تفهم أبي للموقف، وتحمل أمي لبعض أدواري في المنزل لأتفرغ لزوجي ولعملي، وشيئا فشيئا تواءمنا مع الوضع الذي لم يكن أمامنا سواه".

وعن مدى تقبل الشباب لهذا الحل، يقول المهندس عمرو الضمراني (30 سنة): لو وجدت أسرة ترضى بهذا الوضع ما تأخر بي سن الزواج إلى الآن؛ فالسبب في عدم زواجي حتى هذا الوقت هو عدم عثوري على شقة لتأسيس أسرة صغيرة، وتحقيق الاستقرار الذي أنشده.

وفي المقابل نجد عمرو مجدي (27 سنة محاسب) يقول: "بالطبع هذا الحل لا يناسبني، ولا أؤيده من الأساس؛ لأنه يضعني بين مطرقة أمي وسندان زوجتي، وسيجعل كل همي في الحياة هو فض المشاكل بين والدتي وزوجتي، وأعتقد أن الزواج بما فيه من مسئوليات لا يحتمل مثل هذه المشاكل".

الاستقلال التام

وعلى الرغم من قبول بعض الشباب دخول هذه التجربة كحل مؤقت فإن علماء الاجتماع لا يرون عودة الأسرة الممتدة حلا مجزيا؛ فيقول د.علي خضر أستاذ علم الاجتماع بجامعة حلوان: "إنه على الرغم من أن الأسرة الممتدة لها دور عظيم في تربية الأطفال على القيم والأخلاق وغيرها من أمور افتقدناها في ظل خروج الأب والأم إلى العمل، فإن الأسرة الممتدة تتطلب منزلا ذا مساحة واسعة حتى يستوعب زواج أحد الأبناء معها في نفس الشقة، علاوة على عدم تقبل كثير من الأسر لهذا الحل خاصة أهل العروس الذين يغالون في مطالبهم"، مشيرا إلى أنه إذا كان هناك من يرضى بهذا الأمر لابنته فسنجده في الأحياء الشعبية والطبقات الاجتماعية الأقل من المتوسطة، والتي يسعى فيها الأهل -لدواعي الفقر- لتزويج بناتهم أيا كانت ظروف العريس والحياة التي تنتظرها.

وترى الدكتورة عزة كريم، أستاذة علم الاجتماع بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية بالقاهرة، أن المتغيرات الاجتماعية من حولنا تجعل عودة الأسرة الممتدة أمرا يصعب تطبيقه في الوقت الحالي، وأن الأب والأم بعد أن كانا هما من يقومان بتنظيم الحياة للزوجين عن رضا وقناعة من كلا الطرفين، أصبحت الزوجة الآن وبعد خروجها للعمل تشعر بالاستقلالية في كل شيء، وبالتالي تسعى لأن تكون مستقلة في بيتها، وأن يكون لها منزلها الخاص بها.

وتضيف الباحثة أنه قديما كان الأبناء يعرفون معنى الاحترام الشديد للكبار، والامتثال لرأيهم، أما الآن فقد اختلفت هذه القيم، وظهر الصراع بين الأجيال (الكبار والشباب)، وأصبحت المعاملة الندية هي السائدة فيما بينهم وبين أهل الزوج أو الزوجة.

وتنصح عزة كريم الفتاة المقبلة على هذه التجربة أن تتمتع بقدر كبير من المرونة في التعامل مع أهل زوجها المقيمة معهم، وأن يكون لديها قدرة على التكيف مع الواقع وتحمل المسئولية، وأن يسعى الزوج بدوره لإرضاء الطرفين دون ظلم لأحدهما لصالح الآخر، وألا يبالغ الزوجان في توقعاتهما من الأسرة؛ حتى لا يخالف الواقع هذه التوقعات فتبدأ المشكلات.

وتوجه كلمة أخيرة للأم أن تعي أن دورها بعد زواج ابنها وإقامته معها أنه لم يعد دورا قياديا، ولكنه استشاري، وأنها تخطت هذه المرحلة وعليها أن تتركها لزوجة ابنها.

 

 

إسلام أون لاين

JoomShaper