إيمان أحمد شراب
• وما رأيك في هذه الصورة؟ أنا شخصيا أحبها كثيرا وأحترم ما ترويه كثيرا.
♦ قسم من منزل، جميل مريح مفرح، ألوانه متناغمة، كل شيء في موضعه الصحيح، وكل ما فيه منسجم.
• ألا يبدو سكنا ودفئا وحنانا وراحة؟ علما بأن ما يميزه البساطة وليست الفخامة.
♦ صحيح، ونحن النساء نحب المنازل الجميلة.
• قد يرى غيري أن كثيرا من الغرف والمنازل أجمل مما في الصورة أو أفخم....
لكن السر عندي، منزلي هذا مرتاح نفسيا، حنون، هادئ، ودود، سعيد، قادر على حل المشاكل، يمارس وظائفه دون توتر، أمره بيده، وقراره بيده، وخططه منه وإليه غير مجبر عليها وليست تحت ضغط خارجي، لا يحاسبه أحد لم تأخرت ولم لم تكتب ولم لم تصنع....
♦ المنزل؟ لعلك تقصدين الساكنين فيه؟
• نعم، وتحديدا ربة هذا البيت.
♦ لكنك طويلا عملت، وكثيرا خرجت، وما ستقولينه مردود عليك!
• بل لهذا أنا أفضل من يخبر عن الأم الزوجة العاملة.. أنا خير من يقول ومن يقيّم، ومن سأروي لك قصتها هي الأم والزوجة، لأن غير المتزوجة وضعها مختلف، بل الأولى لها أن تعمل.
أقسّم المرأة العاملة إلى نوعين يا عزيزتي:
النوع الأول: زوجة وأم ذات ضمير حي وإحساس عال بالمسؤولية، تهتم جدا بحقوق من حولها كلهم، الأبناء والزوج والعائلة والجيران، هي دائمة التأنيب لنفسها إن حدث منها تقصير، وحتى لا يحدث هذا التقصير فهي تضغط على نفسها وتضغط، نومها قليل، وسعيها كثير، هي ماكينة تعمل من الفجر، ولا يسكتها إلا التعب والإرهاق ليلا فتضع جسدها الذابل على السرير فتنام، ونادرا ما تكمل دعاء أو قراءة قبل النوم.
قد تقولين: ولماذا لا تأتي بخادمة تعاونها؟
ستجد نفسها مضطرة، فتأتي بها، ولأنها صاحبة ضمير حساس، فهي لن تكلف الخادمة إلا بأعمال التنظيف، وتظل مسؤولة عن كل المهمات الباقيات.
تخيلي معي: تدرّس الأبناء وهي متعبة وفي حاجة إلى الراحة، وترضع آخر وهي في حاجة إلى الاسترخاء، وتعد الطعام وهي تبكي من شدة التعب، وتجامل زوجها في مشاركته قصصه ومشاكله وهي مغلوب على أمرها، بل تفكر أحيانا في رسم ابتسامة ولصقها على وجهها لأنها غير قادرة على ابتسامة حقيقية من أجله، لتكون ممن إذا نظر إليها سرته! و لو أرادها زوجها فلن ترده غالبا، وستمكنه مما يريد، بل ستمثل وتمثل حتى تشعر أنها امرأة بلا عواطف.. ومع الأيام ستصبح دائمة التوتر والأنين والشكوى، عصبية المزاج، تكره بيتها والدخول إليه، لأنه يذكرها دائما بالمزيد والمزيد من المهمات! وعندما تخرج لتروّح عن نفسها، سرعان ما تتذكر أن عليها الرجوع للمنزل لأن عليها وعليها و.... ودائما سعادتها ناقصة وفرحتها مبتورة!
ستلجأ إلى وضع أطفالها في الحضانات أو في عهدة الخادمة، وهذه قصة أخرى يطول شرح سلبياتها. أتذكر فقط موقفا قديما جعلني أتوقف عنده كثيرا وقتها، عندما قمت بزيارة إحدى الصديقات، وكانت ربة منزل، ولها طفل في الرابعة من عمره، ولي طفل في مثل عمره.. كانت تتحدث معه كالكبار، و يجيبها كالكبار، كان فصيحا متحدثا، بينما كان ابني خجولا منطويا! السبب أنها كانت تحاوره وتتحدث إليه، بينما لا وقت لدي ولا طاقة للتحدث مع ابني! حاولت أن أستدرك، لكن الأمر أكبر من طاقتي، وأكبر من احتمال مزاجي ولا يتسع صدري لمثل ذلك كل يوم.. عرفت أني أكذب على نفسي، وأني مهما صنعت فلن أكون مثل الأم المرتاحة، وأن أبنائي متضررين من عملي وانشغالي عنهم وإجهادي... وعرفت أنه يحزنهم رؤية أمهم مرهقة دائما!
قال طفل يوما لأمه التي أعرفها: أتمنى أن آتي البيت فتفتحين أنت لي الباب وأراك أنت لا الخادمة!
وإحدى البنات قالت لأمها: لماذا أقطع علاقتي بفلانة؟ على الأقل هي تسمعني ولا أجد في البيت من يسمعني!
أما الزوج سيرى تعب زوجته المتصل وإن حاولت أن تخفي! فيشعر بالقهر ويبحث عن إجابة لسؤاله: لماذا تزوجت؟ لأقابل زوجة دائمة الإرهاق؟ لأعيش مع امرأة تفقد أنوثتها تدريجيا؟ لأعيش مع امرأة إما تنفجر علينا أو على نفسها؟
أنا أريد زوجة مرتاحة، أريد زوجة سكنا، أريد زوجة تريحني، تنسيني أعبائي.. وقد يتخذ أحد القرارات التالية: إيقافها عن العمل بإقناعها، أو رغما عنها، وقد يطلقها ليتزوج بمن تريحه، وربما يبقيها ويتزوج بثانية يجد راحته عندها.
أما النوع الثاني من الأمهات العاملات: فهي التي تشتري راحتها ابتداء، فتوفر الخادمة، وتوكل إليها كل المهام، وتوفر السائق والمدرسين للأبناء، وتعود لبيتها فتنام وتنام، وتصحو لمزيد من الراحة، وفي هذه الحالة لا بد أن يكون الدخل مغطيا لكل هذه المصاريف وزيادة تستحق خروجها للعمل.
قد يبدو الأمر لا غبار عليه؟
المصيبة هنا أكبر، لأن خادمة وسائقا قاموا بالمسؤوليات كلها، وتعرفين جيدا معنى أن يربي الأبناءَ خادمة ويرعاهم سائق.
♦ هل تقصدين ألا تعمل الأمهات أبدا؟
• يمكن لهن أن يعملن، لكن في فترة معينة من حياتهن يكنّ فيها أكثر راحة ومسؤولياتهن أقل من وقت آخر.
وقد قلت لنفسي سابقا وأكرره الآن وتاليا، هل عمل المرأة في بيتها ليس عملا؟ هل التربية والتدريس والطبخ والترتيب والتنظيم والتخطيط ووضع الميزانية والاقتصاد ليس عملا ولا وظيفة؟ إنها إنجازات مهمة، تسعدها هي أولا وتسعد زوجها وأبناءها، فتكون الأسرة مستقرة عاطفيا ونفسيا، الأبناء واثقون من أنفسهم وقدراتهم، راضون عن أنفسهم وعن حياتهم، والزوج سعيد ناجح.
ومن المهم أن تمارس الأم الزوجة الكثير من الهوايات في المنزل كالرسم والخياطة والتطريز والكتابة،أو ترتبط ببعض البرامج التي تشغلها جزئيا وتروّح بها عن نفسها وتبني من خلالها العلاقات التي ترضاها.
♦ لكنها تعلمت ودرست وتخرجت، فماذا استفادت من تلك الشهادة؟
• تعلمت أساسا لنفسها، و ستنفع أولادها وزوجها.. وقد قلت لك يمكنها أن تعمل فترة معينة، وعندما تشعر بالضغط، عليها أن تترك فورا، والحلول التي ستستعين بها للتخفيف، لن تجدي، ولن يكون الحل سوى ترك العمل.
♦ أليس العمل باب رزق؟ فلماذا تغلقه؟
• أبواب الرزق لا يغلقها بشر، الرزق مقسوم ومعلوم ولن تموت نفس حتى تستكمل الرزق كما أخبر رسولنا عليه الصلاة والسلام "والذي نفس محمد بيده لن تموت نفس قبل أن تستكمل رزقها فاتقوا الله وأجملوا في الطلب".
والرزق الذي يأتي من ذلك الباب سيأتيهم من باب آخر. تركت إحدى الصديقات العمل، تحلف أنه في نفس الشهر زيد في راتب زوجها الذي كانت تأخذه هي، والقصص المشابهة كثيرة.
♦ طويلة حكاية هذه الصورة، وكل ما ذكرته صحيح وجعلني أفكر بأن أتحول إلى ربة بيت.. سأطبخ الموضوع في رأسي حتى ينضج وأتخذ بعده قرارا جريئا بترك العمل لأني فعلا في حاجة إلى الراحة ثم الراحة ثم.... لكن أخبريني صراحة، هل أنت سعيدة؟
• أقسم لك أني سعيدة وهانئة، بل ونادمة على كل ذلك التعذيب الذي أرهقت به نفسي، ولعل ما يخفف عني أني أرجو الله أن يجعل سنوات عملي رصيدا في حساب حسناتي.
تُنشر بالتعاون مع مجلة (منبرالداعيات)
رابط الموضوع: http://www.alukah.net/Social/0/69986/#ixzz317qUFxDs
قرار شجاع
- التفاصيل