سحر شعير
لا شيء يثير قلق الوالدين مثل رؤية الأبناء واقعين تحت عوامل التأثير الضارة وهم مكتوفي الأيدي، لا يملكون من أمرهم شيئاً!
أعزائي المربين والمربيات
لسان حال الكثير من الآباء والأمهات ينطق بذلك اليوم، ولعل وسائل الإعلام الحديثة بتقدمها التقني الفائق، باتت من أكثر ما يُخشى تأثيره على أبنائنا وبناتنا.
ويزداد اهتمامنا بتنشئة الفتاة؛ لأنها غداً ستكون الزوجة والأم التي تشكل بأفكارها الجيل القادم من أبناء المسلمين. فإلى هذه السطور نتعرف معاً كيف نواجه خطر الإعلام على بناتنا.
لا تهملي زهرتك الصغيرة!
إن بداية التأثير السلبي لوسائل الإعلام، يكون نتيجة لإهمال الطفلة في مرحلة الطفولة؛ فترك الطفلة أمام التلفاز بشكل يومي لعدد من الساعات وبدون رقابة أو توجيه! هذا التصرف ليس له اسم سوى الإهمال، وهذا الإهمال بدوره يؤدي إلى أن تسيطر على ذهنها الكثير من الأفكار والتصورات والقيم الغير إسلامية، فقد تعيش في خيالات الأفلام، وتستحوذ على عقلها صور الممثلين والعابثين، فتنشأ الطفلة وقد تبنت نماذج تحتذيها في السلوك والمظهر، لا تمثل بأي حال القدوة الصالحة التي ينبغي أن تقلدها وتسير على نهجها.
وقد يعزّز الوالدان من حيث لا يشعران هذا التعلق، عندما تقوم الطفلة بمحاكاة إحدى الممثلات، أو تقلد صوت مطربة، فيستحسنا ذلك التصرف منها، ويشجعاها لظرفها وطرافتها، فيغرسان في قلبها محبة الاقتداء بهؤلاء. ليس ذلك فقط بل حتى عندما يشتريان لها لعبة معينة أو ملابس مما اشتهرت به هذه الفئة أو تلك؛ فإنه يداخلها شعور بمحبة موافقتهم في الظاهر والذي يورث – ولابد – موافقةً في الباطن. (حنان الطوري:دور الوالدين في تنشئة الفتاة المسلمة، نقلاً عن:من أخطائنا في التربية:محمد عبد الله السحيم، ص:89،88).
كيف تؤثر وسائل الإعلام على فئة الشباب؟
أقر الباحثون والمنظرون لوسائل الإعلام بما لها من تأثير وسيطرة على الجماهير المختلفة وخصوصاً فئة الشباب، فهي تحدد الأولويات وترسم الأفكار والأهداف (أو الأجندات)، وهي البوابة التي من خلالها يتواصل عبرها الشباب مع العالم الخارجي، ويسمع أخباره ويشاهد إبداعاته. والقائمون على تلك الوسائل يمارسون دور حارس البوابة حيث يمررون ما يريدون، ويمنعون ما يريدون.
- وسائل الإعلام ترسم من خلال ما تقدمه نمط الحياة الافتراضي، إما بتنظيمٍ مخطط أو بجهل أخرق، وذلك من خلال الإيقاع السريع والموسيقى الصاخبة، وعرض الموضات في الملابس و تسريحات الشعر.
- تقوم وسائل الإعلام بتغيير الثوابت الخلقية في المجتمع، من خلال الإيحاءات الجسدية وحركة اليدين والجسد، و إبراز مفاتن الفتيات، ولعل الأبرز هو أسلوب الحديث بألفاظ نابية، وشتم ولعن تجده يتكرر عشرات المرات في الأفلام.
- كما تقدم وسائل الإعلام رسائل مختلفة سواء عبر نشرات الأخبار أو البرامج المختلفة، أو حتى من خلال الدراما (مسلسلات وأفلام)، وتقوم بتسويق وتمرير عشرات المفاهيم والصور الخاطئة، والتي للأسف يتشربها أبناؤنا دونما تفكير أو مقاومة وكأنها من المسلمات.
تغريب العادات والتقاليد: من أهم صور تأثير الإعلام الفاسد طمس هوية المجتمعات المسلمة، خصوصاً لدى فئة الشباب والفتيات، حيث تقدم وسائل الإعلام عادات الأكل والشرب بطريقة منافية للمفاهيم الإسلامية الصحيحة فهذا يأكل بشماله، وذاك يتناول طعامه ماشياً مع ما يصاحبه من ترويج للأكلات الضارة، في حين تغلف العادات السيئة والخطرة بغلاف من المتعة والمرح والحرية، فالدخان والمخدرات والخمور بأنواعها تظهر في أيدي الشباب والفتيات على أنها أمر طبيعي في تلك المرحلة.
- استغلال شغف المراهقين بالتقليد: فلم تغفل وسائل الإعلام خاصية التقليد المغروسة في الشباب والفتيات، فراحت تقدم لهم النماذج الهابطة بعد أن تلمعها وتخلع عليها ألقاب البطولة، ولا يجب أن تستهين الأسرة بمحاكاة الفتاة لتلك النماذج أبداً، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله تعالى- :(إنّ المشابهة في الظاهر تورث نوع مودة و محبة وموالاة في الباطن، كما أن المحبة في الباطن تورث المشابهة في الظاهر، وهذا أمر يشهد به الحسّ والتجربة. (ابن تيمية: اقتضاء الصراط المستقيم،ص:198،199).
ولنستمع إلى حديث الأرقام:
فقد جاء في تقرير لليونسكو عن التلفزيون وأثره على المجتمع: إن إدخال وسائل إعلام جديدة وبخاصة التلفزيون في المجتمعات التقليدية أدى إلى زعزعة عادات ترجع إلى مئات السنين وممارسات حضارية كرسها الزمن – واليونسكو مؤسسة دولية تابعة للغرب وتدعو إلى التغريب - .
وتبين من خلال إحدى الدراسات التي أجريت على خمسمائة فيلم طويل أن موضوع الحب والجريمة والجنس يشكل 72% منها، يعني تقريباً ثلاثة أرباع الأفلام كلها للحب والجريمة والجنس.
وتبين من دراسة أخرى حول الجريمة والعنف في مئة فيلم وجود 68% مشهد جريمة أو محاولة قتل ، وجد في 13 فيلما فقط 73 مشهداً للجريمة، ولذلك قد تجد عصابات جريمة من الأحداث والصغار لأنهم تأثروا من الأفلام التي يرونها. (د.ناصر العمر: فتياتنا بين التغريب والعفاف،ص:14 بتصرف).
عزيزي الأب: عزيزتي الأم:
إنَّ إثارة هذه القضية من جهة علاقتها بالفتاة المسلمة يعطيها أهمية أخرى، لكون الفتاة في التصور الإسلامي تمثل رُكناً رئيساً في التربية الإنسانية، وتعد المحضن الأول للجيل الناشئ، وقد استقر إجماع العقلاء على أهمية دور الأم في التربية، وعِظَم المسؤولية التربوية المُناطة بها، ومن ثم فقد كان ضرورياً ولازماً إعدادها إعداداً متكاملاً من جميع جوانب شخصيتها للقيام بمهام العملية التربوية، وقد أصبح من الواضح تلمس التأثير السَّلبي لوسائل الإعلام – لاسيما المرئية منها- على سلوك الشباب عامة، وسلوك الفتيات على وجه الخصوص، مما يتطلب – بالضرورة – إعادة النظر من جديد في تقويم هذه الوسائل الإعلامية في ضوء مفاهيم التربية الإسلامية، والسعي لتخفيف وطأتها السلبية على شخصية الفتاة، وسلوكها الأخلاقي. (د.عدنان حسن باحارث:ملف التربية الأخلاقية للفتاة/موقع:د.عدنان باحارث على شبكة الانترنت).
كيف تقي الأسرة بناتها من التأثير الضار لوسائل الإعلام؟
يجب التحدث مع أبنائنا عن التوجهات الفكرية والإعلامية الحقيقية، كما يجب صقل الصورة المشرقة لواقعنا العربي والإسلامي باستمرار، وإظهار الاعتزاز بديننا وقيمنا دائماً أثناء حديثنا مع الأبناء، مع مراعاة التوقيت واللحظات النفسية المناسبة.
- إبراز القدوات الصالحات عبر تاريخ أمتنا المشرق، ومن الواقع المعاصر، وحثّ الفتاة على أن تقتدي بهن، كأزواج النبي صلى الله عليه وسلم، والصالحات والناجحات الجادّات في كل وقت وعصر.
- توجيه آراء الفتاة وأفكارها بالشكل الصحيح، بحيث تكون لديها المعايير التي تحكم بها على ما يعرض عليها في وسائل الإعلام المختلفة، خاصةً أنها في مرحلة الصبا والمراهقة تكون متأججة المشاعر ناقصة الخبرة، وشديدة القابلية للتأثر بالغير.
- توفير البدائل الجيدة النقية التي تقدم للفتاة الغذاء العلمي والمعرفي دون أن تكون ملوثة بالمفاسد، مثل الفيديو، وأجهزة الحاسوب، وما يمكن أن يحقق ثقافة إسلامية صحيحة، وترفيهاً بريئاً، بعيداً عن المفاسد ومظانِّ الفتنة.
- دور المنزل ومسؤولية الأسرة: ربط الفتاة بالبيت انتماء وعاطفة، حتى يكون هو مصدر التوجيه الموثوق لديها والذي تنظر إليه بثقة واحترام وتعتز بما تتعلمه من قيم داخل أسرتها.
- محاولة تهيئة صحبة صالحة للفتاة مبكرا من محيط الأقارب والأصدقاء الصالحين المنضبطين، وإدماجهم مع الفتاة وتحت إشراف الوالدين في البرامج التثقيفية النافعة، مثل:
الاشتراك في دور تحفيظ القرآن الكريم، والاشتراك كذلك في المكتبات العامة، والالتحاق بدورات الكمبيوتر، ومثيل ذلك من صور التثقيف النافعة.
- توفير المصادر التي تمكن للفتاة من الاعتزاز بتاريخها وماضيها، وذلك بالاضطلاع على تاريخ الأمة الإسلامية ومجدها العظيم، والمكانة التي أعطاها الله لها في الدنيا والآخرة، وما مرّ بها من مراحل قوة وضعف، حتى يكون لديها الوعي الكافي الذي تميز به بين الغث والسمين مما يعرض، والصحيح من المشوه تاريخياً.
وأخيراً أعزائي المربين والمربيات:
فلا شك أنَّ الانفتاح على العالم الخارجي شيء طيب، ما دامت الأمة المسلمة تستطيع أن تحافظ على هويتها، وتحافظ على شخصيتها الإسلامية من الذوبان.
وستبقى هذه المهمة الصعبة هي مسؤولية المربين والمربيات، أن ينشؤوا جيلاً مثقفاً مواكباً لمتغيرات العصر، محافظاً في الوقت ذاته على هويته الإسلامية، شديد الاعتزاز بها.
ولا يخفى أنّ أمتنا الإسلامية تسير اليوم في طريقها إلى استعادة مكانتها الطبيعية التي أنزلها الله تعالى بين الأمم، والأيام القادمة سوف يصنعها أبناؤنا وبناتنا، وسوف يصوغون أحداثها بقيمهم وإيمانهم العميق، ويستعيدون مكانتهم الرائدة بين الأمم.
و بإذن الله سيغيرون هم وجه الإعلام الفاسد، إلى إعلام جديد يخدمون به دينهم، ويعلمون العالم من خلاله قيم الإسلام الرائعة الخالدة إلى يوم القيامة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المراجع:
دور الوالدين في تنشئة الفتاة المسلمة:حنان عطية الطوري.
ملف التربية الخلقية للفتاة: د.عدنان حسن باحارث.
اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم: شيخ الإسلام أحمد بن تيمية.
فتياتنا بين التغريب والعفاف:د.ناصر العمر.
تحصين الفتاة من مخاطر الإعلام
- التفاصيل