د. سهام القبندي

{ زوجي يغار من نجاحي.. هكذا بدأت «عبير» رسالتها بأن زوجها يغار من نجاحها بعملها وترقيتها إلى منصب مديرة تنفيذية بأجر كبير.. وأكملت «عبير» رسالتها بأنها مجهدة ومليئة بالحزن وطاقتها مستنفدة ما بين العمل ومسؤوليات المنزل والأسرة، وهي تعتبر نفسها المعيل الرئيسي للأسرة في ظل فقدان زوجها لوظيفته، ومن ثم عمله في مكان آخر بمرتب قليل ولجوئه إلى فتح عمل خاص به داخل منزله، وهو عبارة عن طباعة البحوث وغيرها.. أعتقد أنني قد نسيت أن أنوه لكم بأن «عبير» وزوجها من إحدى الدول العربية، وهما مقيمان في الكويت ويعتبرانها بلدهما الثاني.

 

تزداد مخاوف عبير بسبب ازدياد حدة المشاكل مع زوجها، التي قد توصلهما إلى الانفصال.. خاصة أنهما تزوجا منذ اثني عشر عاما، وقد اتفقا منذ 4 أعوام على أن تكون العائل الرئيسي للأسرة، وأن تتفرغ للعمل خارج المنزل وأن يقوم هو بالدور العكسي في تنظيم أمور البيت وتحمل مسؤولية الأبناء وإدارة حياتهم، حيث يساعده في ذلك فائض الوقت لديه وعمله بشكل متقطع في بعض المهن البسيطة، رغم أنه جامعي ولا يقل في مستواه العلمي عنها، كما أن خدمات الكمبيوتر والطباعة التي يعمل بها حالياً وهو في المنزل تدر عليه الكثير من المال!!

وخلال هذه الأعوام الأربعة مرت السنوات الأولى على اتخاذهما هذا القرار بسلام، حتى بدأت المشاكل والجدال الدائم وإلقاء التهم والتقصير على بعضهما البعض، و«عبير» مقتنعة بأن أسباب الخلافات بينهما تعود إلى أن دخل زوجها المادي أقل من دخلها، وهذا ما يسبب له الإزعاج، والإحراج وزيادة الحساسية من بعض المواقف التي تحصل له مع الأصدقاء حينما يلقي بعضهم النكات عليه عن نوع العشاء الذي سوف يعده لهم عندما يأتون لزيارتهم!!

وتكمل عبير السرد قائلة: «بدأ زوجي في مضايقتي وعدم الاهتمام بأبنائنا، واعتمد على المأكولات السريعة التحضير أو من المطعم، وبات سريع الغضب بالرغم من كونه هادئاً وقادراً على السيطرة على أعصابه في السابق».. وتصف عبير نفسها بأنها جريئة وعصبية وتعبر عن غضبها بسهولة وتخبره بكل ما تشعر به، إيماناً منها بأن هذا الأسلوب الصريح سوف يساهم في التقريب بين الزوجين.. ثم تعود لمدح زوجها بأنه أب حنون وعاطفي ويقدم الدعم الكامل لأولاده، كما أنه كان يحضر الاجتماعات الدورية التي تعقد في المدارس «اجتماع أولياء الأمور»، ولكنه مؤخرا اعترض على ذلك بسبب أن الكل ينظر إليه نظرة غريبة ويسألونه عن أم الأولاد إذا كانت متوفاة أو مريضة!!

عبير تطلب الاستشارة خوفا على علاقتها من التوتر، مع تأكيدها بأن غيرته من نجاحها وأن مرتبها أعلى من دخله هو السبب الحقيقي للمشكلة!!

 

- عزيزتي «عبير».. كانت تلك هي رؤيتك للمشكلة، ولكني على يقين بأن زوجك لو سمح له بالتعبير عن إحساسه بالمشكلة ستكون له وجهة نظر مختلفة تماماً!!

أعتقد يا عزيزتي أن المشكلات الزوجية سببها سوء التواصل وفهم الآخر.. فما تعتبرينه جرأة وصراحة وإيصال ما يجول بخاطرك بسهولة إلى الآخر، قد يفهمه الآخر بأنه انتقاد ومواجهة وتقليل من الشأن.

إن ما يحرك الإنسان مشاعره وطريقته التي يفهم بها الأمور، وكل الرجال بلا استثناء يستمدون قوتهم من نجاحهم في العمل والمركز الذي يشغلونه والقوة المالية، لأنها تمدهم بالأسلحة التي تعينهم على تنفيذ وبسط السلطة «فمن يملك هو من يحكم».

أعتقد عزيزتي أنكما بحاجة إلى الإفصاح عما يجول في أذهانكما.. فأنا أعرف أنك مشتتة ما بين حبك للعمل والتقدم وإثبات الذات، ورغبتك أن تكوني أماً مثالية.

وهنا أرى قيمة جمالية أخرى علينا التأكيد عليها، وهي أن معظم النساء الناجحات في العمل يحملن بوجدانهن دائماً مخاوف وقلق الفشل في إدارة البيت وتربية الأبناء، وهذا ما قد يدفعك لأن تكوني أماً حازمة وصارمة بشأن الأولاد أو انتقاد طريقة زوجك مع أبنائك!!

إن أسلوب الحديث إذا دخل بدائرة الانتقاد والدفاع بين الطرفين، أي أن كل طرف يحاول أن ينتقد سلوك الآخر، وبأنه هو الوحيد الذي يعرف كيف تدار الأمور بنجاح، سوف يحول الآخر إلى مدافع في البداية، ثم إلى مهاجم وبعنف.. وللأسف، أغلب الزيجات إذا استمر بها النقاش بهذا الشكل الجارح يؤدي إلى تدمير المودة والمحبة، بل ويزيد الشقاق لأن الكلمات الجارحة ستبقى في الوجدان ولن تنتهي.

عزيزتي.. حاولي أن تنظري إلى الموضوع من الجانب الآخر ومن زاوية زوجك العزيز ومشاعره ونظرته للأمور!! أنا متأكدة لو أنك وضعت نفسك مكانه فإنك سوف تجدين الحل المناسب لمشاكلك.

أعتقد أن زوجك يشعر بفقدان القيمة والثقة بالنفس نتيجة فقدانه العمل، خاصة أنه لا يقل عنك بالخبرة والشهادة. لذا عليك مساعدته على إيجاد نفسه واستعادة ثقته بذاته، كما عليك أن تغيري من أسلوبك في انتقاده أو التعامل معه بفوقية، وإنك الأنجح والأغنى لأنكما الآن طرفا المعادلة الزواجية، وإنجاح مسيرة الزواج قائم على تعاونكما معاً. إن ترتيب الأولويات عزيزتي «عبير» سوف يجعلك توفرين الكثير من الوقت الذي تحتاجينه لتدعيم علاقتك بأبنائك حتى تتخلصي من الشعور بالذنب وإنك بعيدة عنهما عدم قيامك بدور الأم على أكمل وجه كما أن فترة نهاية الأسبوع ممكن استثمارها كوقت عائلي بالكامل بعيدا عن أي التزامات للعمل.

اعملي على دعم زواجك وخاصة العلاقة الحميمة بينكما.

وكذلك تدعيم الثقة والصراحة والمحبة والمشاركة في الأوقات العائلية السعيدة واحترام رأي الآخر والابتعاد عن فرض السيطرة والاستحواذ على كل القرارات، كل ذلك كفيل بإعادة الوئام والمحبة بينكما.

 

صحيفة أوان

 

JoomShaper