حذر اثنان من علماء الإسلام من تأخير زواج الشباب والفتيات في بلداننا العربية والإسلامية خاصة في هذا العصر الذي تعددت فيه وسائل الانحراف والفساد . . وطالبا الأسر والمؤسسات الاجتماعية والوزارات المعنية بالتدخل لتيسير سبل العفاف الكريم لكل المؤهلين للزواج . وكان الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء المصري قد دق ناقوس الخطر منذ أيام بالإعلان عن إحصائية مفزعة حيث بلغ عدد العزاب من الشباب والعوانس من الفتيات 3 .13 مليون شاب وفتاة منهم 6 .7 مليون من الذكور و7 .5 مليون من الإناث .
قال رئيس الجهاز اللواء أبوبكر الجندي إن معدلات الطلاق في مصر في تزايد مستمر حيث سجلت 85 ألف حالة طلاق خلال العام الماضي (2008م) بنسبة زيادة بلغت 4 .8% على العام (2007م) . . وأن أعلى نسبة طلاق بين الذكور في الفئة العمرية من 25 إلى 30 عاما، وبين الإناث في الفئة العمرية من 20 إلى 25 عاما، مما يؤكد أن نسبة كبيرة من حالات الزواج تنتهي بالفشل خلال السنوات الأولى وهو ما يشير إلى فقدان المعايير الصحيحة للاختيار بين الشباب وتخلي الأسر عن القيام بواجب التوجيه لأبنائها من الجنسين .
هذه الإحصائية هي مجرد أنموذج لما يحدث في كثير من بلادنا العربية حيث تشير إحصاءات عديدة إلى ارتفاع معدلات العنوسة بين الفتيات والعزوبة بين الشباب، الأمر الذي ينذر بنتائج كارثية فضلا عن ارتفاع معدلات الطلاق خاصة في السنوات الأولى من الزواج .
“الخليج” طرحت هذه الإحصاءات المفزعة على اثنين من علماء الإسلام لقراءتها وتحليلها وبيان موقف الإسلام وتوجيهاته لتفادي التداعيات الخطيرة لها .
الدكتور محمد سيد طنطاوي شيخ الأزهر يؤكد في البداية أن الزواج مطلب شرعي كما هو مطلب نفسي واجتماعي، فهو حاجة فطرية لكل إنسان والعزوف عنه من جانب شاب أو فتاة يؤكد وجود مشكلة أو مشكلات لابد أن نبحث عنها ونعالجها . . كما أن وضع عراقيل وعقبات في طريقه مخالفة صارخة لتعاليم الإسلام .
حماية من الزلل
ويقول: لقد شرع الله سبحانه وتعالى الزواج لمقاصد شريفة وغايات نبيلة من أهمها اتباع الإنسان لأوامر دينه ونواهيه وصيانة عواطفه وشهواته من الزلل والانحراف، فمن المعروف لكل عاقل وعاقلة أن ميل الرجل إلى المرأة، وميل المرأة إلى الرجل أمر فطري، وأن الغريزة الجنسية من أقوى الغرائز وأعنفها . . وقد أشار القرآن الكريم إلى ذلك في قوله تعالى: “زين للناس حب الشهوات من النساء . .” ففي هذا الجزء من الآية الكريمة يبين لنا القرآن الكريم أن محبة النساء مغروسة في فطرة الإنسان وعلى رأس ملذاته ومشتهياته .
فالزواج كما أخبرنا الخالق العليم بكل خلقه سكن ومودة ورحمة ويكفي أنه القائل في العلاقة بين الرجل والمرأة “هن لباس لكم وأنتم لباس لهن” وهو القائل: “ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة” .
ويضيف شيخ الأزهر: في زمن تعددت وتنوعت فيه وسائل الانحراف والفساد الأخلاقي تبرز الحاجة الماسة إلى الزواج، فهو خير وسيلة لإشباع الغريزة الجنسية، وهو الوسيلة السليمة لبقاء النوع الإنساني، لأنه عن طريق الارتباط الشرعي بين الرجال والنساء يأتي الأولاد من الذكور والإناث، ومحبة الأولاد طبيعة في النفس البشرية، فهم ثمرات القلوب وقرة الأعين، والأولاد وعندما ينمون ويترعرعون في ظل رعاية أبوين شرعيين مسؤولين عن تربيتهم التربية السليمة يكونون بفضل الله عز وجل مصدر خير وبركة لأنفسهم ولآبائهم ولأمهاتهم ولأسرتهم ولأمتهم .
واجب شرعي
ولأهمية الزواج وضرورته كما يوضح الدكتور طنطاوي لم يتركه الإسلام لهوى الشخص ومزاجه، بل جعله من الواجبات الشرعية عندما يكون الإنسان صحيح البدن وعنده القدرة المالية على تكاليف الزواج وعلى تحمل تبعاته ومسؤولياته ويخشى إذا لم يتزوج أن يقع فيما نهى الله تعالى عنه من فواحش حرم الله تعالى الوقوع فيها كالزنا وما يشبهه . . وهنا يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم موجها كل شاب تتوافر لديه تكاليف الزواج “يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة أي القدرة على مطالب الزواج المادية والبدنية فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء” .
فالزواج بلا شك يعين على الطهارة والعفاف ويصرف الإنسان عن النظر إلى المحرمات . وينتقل حكم الزواج من الوجوب إلى الاستحباب بالنسبة لإنسان عنده القدرة على تكاليف الزواج، إلا أن لديه القدرة أيضا على الابتعاد عما حرمه الله تعالى من رذائل لكثرة عبادته وحسن صلته بربه .
وينتهي شيخ الأزهر من كل ما سبق إلى تأكيد أن الزواج حاجة وضرورة دينية، كما هو حاجة وضرورة نفسية واجتماعية، ولذلك واجب المجتمع كله أن يعين الشباب من الجنسين على الزواج ويزيل المعوقات عن طريق الراغبين في العفاف الكريم .
حسن الاختيار
الدكتورة عبلة الكحلاوي أستاذة الشريعة الإسلامية والداعية الشهيرة تحذر هي الأخرى من وضع عراقيل أمام الشباب تصرفه عن الزواج وتقول: الحياة الزوجية هي أقوى رابط شرعي ونفسي واجتماعي ومادي ومعنوي بين الرجل والمرأة، ولكي يكون هذا الرباط قويا ويظل متماسكا كما يريد الإسلام فالمطلوب من الإنسان رجلا كان أو امرأة أن يبذل أقصى جهده ويستمع إلى كل العقلاء عند اختيار شريك حياته، فالرجل مطلوب منه أن يحسن اختيار شريكة حياته التي يسكن إليها وتسكن إليه، وهنا يوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم كل شاب راغب في الزواج إلى أن يفضل صاحبة الدين والخلق على صاحبة المظهر الخادع البراق فيقول: “تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك” . . فالمرأة الملتزمة بتعاليم دينها الحريصة على الحلال والحرام ستكون بالتأكيد محبة لزوجها حريصة على الوفاء بحقوقه وستكون ممن مدحهن الله تعالى في قوله: “فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله” فالزوجة الصالحة هي المطيعة لربها ولزوجها عن طيب نفس واطمئنان قلب، وهي تحفظ زوجها في غيبته، ولا تفرط في حق من حقوقه .
وتضيف: التوفيق في الزواج والحرص على استقراره لا يتوقف عند حسن اختيار الرجل لزوجته، فالمرأة هي الأخرى مطالبة هي وأسرتها بحسن الاختيار، وعليها أن تختار الزوج التقي الصالح الذي يتقي الله فيها وليس الزوج الثري أو الذي يملك المال والوظيفة وينتمي إلى أسرة كبيرة ويفتقد أهم ما يميز الرجل وهو الخلق الحسن، وعزة النفس وصدق الحديث وكمال الرجولة، وكل ذلك بعد سلامة العقيدة وحسن السيرة والسلوك . . فكل رجل تتوافر فيه هذه الصفات والمعاني الكريمة يجب أن تقاتل الأسرة من أجل الظفر به لابنتها، وهنا أدعو كل أسرة عندها فتاة مقبلة على الزواج أن تتأمل قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير” . ولذلك قال بعض الفقهاء: من زوج ابنته ظالما، أو فاسقا، أو شارب خمر، فقد جنى على ابنته وعلى دينه، وتعرض لسخط الله عز وجل .
وقال رجل للحسن بن علي رضي الله عنهما: إن لي بنتا فمن ترى أزوجها له؟ فقال له الحسن: زوجها بمن يتقي الله، فإن أحبها أكرمها، وإن كرهها لم يظلمها .
وترجع الدكتورة عبلة الكحلاوي ارتفاع معدلات الطلاق في بلادنا العربية خاصة بين المتزوجين حديثا إلى سوء الاختيار من الجانبين، فالشاب يبحث عن الفتاة المثيرة للغرائز والشهوات وليس عن الفتاة التي تربت على الفضائل وتعرف الحلال والحرام، ولذلك ليس غريبا أن تطلب من فتاة أن تتحجب وتحرص على السلوك القويم فترفض هي وأسرتها وتسمع منهم عبارات غريبة مثل “سيبها تدلع حتى تتزوج” فالدلع بمعنى التبرج والسفور والسلوك الانحلالي أصبح في نظر بعض الأسر هو أسهل طريق للإيقاع بعريس .
أيضا الفتاة لم تعد تبحث عن الشاب المتدين الذي يوفر لها الحياة الكريمة حتى ولو كان فقيرا أو محدود الدخل، بل أصبح هم الفتاة وأسرتها العريس الجاهز الذي يملك المسكن الفاخر والسيارة والوظيفة والمال . . ثم بعد ذلك لا يهم أن تكرم البنت أو تهان في بيت هذا الإنسان .
دار الخليج