| بيروت ـ من فاطمة حوحو |
عليا منصور لــ «الراي»: سياسة تجويع النازحين سينتج عنها إما قبول السوريين بأي حل يُفرض عليهم أو التوجه نحو التطرفلم يتراجع برنامج الغذاء العالمي عن قرار وقف المساعدات الغذائية لـ 1.7 مليون لاجئ سوري تماماً، اذ اعلن تأمين نسبة مقبولة من قيمة العجز في التمويل، بعد ايام قليلة من اتخاذه القرار الفجائي اوائل الشهر الجاري بوقف قسائم الشراء للغذاء المعتمدة من قبله، وهو القرار الذي هدد النازحين بالموت جوعاً وجعلهم لقمة سائغة للسياسات الدولية ونتائجها المدمّرة بعد معاناة التشرد بحثاً عن مأوى آمن ولقمة عيش كريمة تحمي حياة الضعفاء من النساء والأطفال وكبار السن في المخيمات، مع بدء شتاء قاس سيترك تأثيراته الصحية بالطبع، وهذه المرة ستكون مضاعفة في ظل انقطاع الطعام ولقمة تقي الأفواه من الجوع القاتل.
وهكذا وجد النازحون السوريون انفسهم في مواجهة خطر جديد. فبعدما هربوا من القصف والقتل، ها هو شبح الموت ينتظرهم ما لم تحل الأزمة الغذائية على نحو يضمن فيها حقهم في الحياة كبشر لكون العودة المنتظرة الى بلدهم ليست سوى احلام في الوقت الحاضر.«قطع المساعدات الغذائية لن يؤثر فقط على اوضاع النازحين السوريين بل على الدول المستضيفة لهم، فهم سيكونون خطراً على استقرار وأمن المجتمعات الموجودين فيها وعلى بعضهم البعض، بما ينذر بجعلهم بيئة حاضنة للتنظيمات المتطرفة الجاهزة بحكم امكاناتها المالية وقدراتها على تلبية احتياجات انسانية لهؤلاء الذين يعانون في مخيمات اللجوء سواء كانوا في تركيا ام الاردن ام في لبنان ام في مصر»، بحسب ما قالت لــ «الراي» عضو المجلس الوطني السوري عليا منصور.
اعلان برنامج الغذاء العالمي قراره «الصدمة»، أطلقت في موازاته مباشرة حملة من البرنامج نفسه عبر مواقع «التواصل الاجتماعي»، تم خلالها جمع تبرعات مالية شكلت ثلث حاجات البرنامج لهذا الشهر، وجاءت من أفراد وشركات وحكومات تواصلت من اجل تأمين وتلبية حاجات البرنامج كاملة، ومن منظمات اهلية مدنية عبر حملات تبرع شعبية، ومنها حملة تحت عنوان «دولار يوازي حياة» بدعم من المغني «ألوي بلاك» صاحب أغنية «أحتاج إلى دولار» عام 2010، في حين تحركت قيادة الائتلاف الوطني السوري مع حكومات اوروبية وعربية مطالبة اياها بالتحرك العاجل لدعم كل برامج الأمم المتحدة الداعمة للاجئين السوريين.
ووفق الناطقة باسم المكتب القطري لبرنامج الأغذية العالمي في مصر أمينة القريعي، فإن «الحملة نجحت بتأمين 21.5 مليون دولار في اليوم الأول، وجمعت بعد 3 أيام ما مجموعه 25 مليوناً ستُستخدم حالاً لإعادة شحن بطاقات اللاجئين السوريين المنتشرين في 5 دول مجاورة لسورية».
وأشارت إلى أن «المبلغ الذي تم تأمينه لا يسد العجز، ولكنه سيُوزّع أولاً على اللاجئين المسجلين على قوائمنا على أنهم الأكثر احتياجاً»، موضحة أن أبواب التبرع لا تزال مفتوحة على موقع برنامج الأغذية، ومتوقّعة «تغيُّر الوضع باتجاه الأفضل».
وفيما أفاد برنامج الغذاء انه لا يزال بحاجة إلى 42.5 مليون دولار إضافية للتمكن من تغطية نفقات توزيع مساعداته الغذائية حتى نهاية الشهر الجاري، ذكر ان المساعدات لن تنقطع في هذا الشهر عن أربعة ملايين سوري داخل البلاد يتلقون حصصاً غذائية، لأنها متوافرة وسبق شراؤها، ولكنهم سيحرمون منها ابتداء من فبراير المقبل إذا لم يتوافر التمويل اللازم.
واوضحت عليا منصور ان «ازمة التمويل التي تصيب البرنامج الغذائي خطيرة وتأثيراتها سلبية على النازحين لاسيما وانه جاء بعد قرار الامم المتحدة بخفض المساعدات الانسانية للاجئين رغم مناشدات الائتلاف الوطني السوري للدول العربية ولاسيما الخليجية بتحمل مسؤولياتها في هذا المجال».
وقد اعلن برنامج الغذاء ان قراره ناتج عن عدم وفاء المانحين بالتزاماتهم المالية، مشيرا الى حاجته لمبلغ 64 مليون دولار أميركي بشكل فوري، لدعم اللاجئين السوريين في البلدان المجاورة خلال الشهر الجاري. وكان البرنامج ضخ نحو 800 مليون دولار أميركي في اقتصاد البلدان المضيفة للاجئين والتي تقع على الحدود مع سورية.وفي إطار هذا المشروع، كان اللاجئون السوريون في الأردن ولبنان وتركيا والعراق ومصر، يستخدمون القسائم لشراء المواد الغذائية في المتاجر المحلية.
وتشير منصور الى انه «من دون هذه القسائم يصبح العديد من الأسر في حال جوع وعرضة للمرض، وتحصل الكارثة بتحوُّلهم الى قنابل عنف موقوتة ولاسيما في المجتمعات المضيفة»، لافتة الى ان «المحتاجين داخل سورية لن يتأثروا كثيراً بذلك القرار لان البرنامج يقدم المساعدات داخل سورية عن طريق الهلال الأحمر السوري التابع للنظام، والذي يعمل داخل المناطق التي يسيطر عليها الاسد، أي أن الفئة الأشدّ حاجة لا تصلها مساعدات البرنامج».
يذكر ان البرنامج فشل في ادخال المساعدات الغذائية الى مناطق تسيطر عليها المعارضة اكثر من مرة، بعد صدور قرار الأمم المتحدة رقم 2165، والذي قضى بإدخال المساعدات إلى المناطق الواقعة تحت سيطرة المعارضة، دون الحصول على موافقة النظام السوري، عن طريق المنافذ الحدودية مع تركيا والأردن.
وعلى خط مواز، أبدت المنظمات الإغاثية التي تَشكلت لدعم المناطق المنكوبة في سورية والتي تعتمد على الدعم المقدم من رجال أعمال سوريين مغتربين، بالإضافة إلى التبرعات الخيرية، عن قلقها من ازمة البرنامج والتهديد بوقف مساعداته، واكدت منصور «ان امكانات هذه الجمعيات محدودة ولا تستطيع ان تشكل بديلاً بأيّ شكل من الأشكال، فاحتياجات اللاجئين كبيرة والواقع الذي يواجهونه مأسوي والقرار بمثابة حكم بالموت على الابرياء، والمطلوب من برنامج الغذاء اعتماد سياسة تضمن تأمين المساعدات وملاحقة الدول المعنية لدفع استحقاقاتها والتزاماتها، اذ كيف تُصرف أموال بأرقام خيالية على برامج مكافحة الارهاب، وفي الوقت نفسه يجعلون من اللاجئين فريسة للقوى المتطرفة وللارهابيين ويقعون في افخاخ التطرف من اجل لقمة العيش بعدما هربوا من براميل (الرئيس) بشار الاسد وأسلحته الكيماوية ومن إجرام شبّيحته ومخابراته».
واعتبرت ان «سياسة مكافحة الارهاب لا تقوم على إنتاج إرهاب آخر من خلال ايجاد مناخات تسمح له بالانتشار وتوفير بيئة مناسبة ليتطوّر داخلها، هي بيئة الجوع والفقر في مخيمات النزوح وحيث الظروف معروفة وشديدة القسوة وبالكاد في ظل تأمين المساعدات يستطيعون العيش فكيف اذا انقطعت قسائم شراء الطعام».
واضافت: «ان وقف المساعدات خطير والضغط على النازحين بهذه الطريقة سيدفع هؤلاء نحو التشدد، واعتماد سياسة دولية تجاههم تقوم على التجويع سينتج عنها إما قبول السوريين بأي حل يُفرض عليهم او التوجه نحو التطرف، كما سيسبب مخاطر كبيرة على دول النزوح نفسها وكأن المطلوب من الهارب من الموت ببراميل الاسد ان يرضخ للموت جوعاً وبرداً».
وشددت على ان «الحل السريع الآن هو اولاً بدعم المنظمات الدولية لتقوم بواجباتها تجاه النازحين والحل الدائم يكون بالإسراع في حلّ الأزمة السورية وعودة النازحين الى بلادهم وقراهم ومدنهم وأملاكهم».
كارثة قطع المساعدات عن النازحين تبرز بطريقة مأسوية في دول اللجوء ولاسيما لبنان الذي يستضيف اكثر من مليون ومئتي الف نازح، وحيث حرمان بعضهم من المسجلين على لوائح مفوضية الامم المتحدة يُهدّد بكارثة حقيقية، حسب ما عبّر وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس، الذي أكّد ان «كرة النار هذه ليس بمقدار لبنان ان يتحملها، فتظل المخاوف قائمة من اللعب بالطابع الديموغرافي للبنان وسورية والمنطقة، سواء لجهة التوطين، أو ترحيل النخب السورية للخارج».
وكان أرباب العائلات السورية النازحة الذين لديهم هواتف نقالة تلقوا رسائل قصيرة من برنامج الأغذية العالمي جاء فيها «يؤسفنا إعلامكم أن البرنامج لم يتسلم بعد التمويل لشحن بطاقاتكم الغذائية الزرقاء لشهر ديسمبر 2014، وسوف نعلمكم عبر رسالة قصيرة لدى تلقينا التمويل لاستئناف المساعدة الغذائية».
وقد وقعت هذه الرسائل الهاتفية كالصاعقة على رؤوس النازحين السوريين لأنها تعني حرمانهم من مصدر تموين يسد جانباً رئيسياً من مصاريفهم في ظل الحاجة الماسة التي يعانون منها مع موسم الشتاء الذي يرافقه تقلص فرص العمل في الزراعة والبناء، علماً انه لم تصل بعدها رسائل اخرى رغم الاعلان عن تأمين جزء من الاموال يلبي ثلث الاحتياجات المطلوبة لهذا الشهر ليتمكن النازحون من معرفة مَن ستصله المساعدة كلاجئ اكثر احتياجاً ومَن سيُحرم منها.