مالك فيصل الدندشي

الأسرة هي اللبنة الأولى في بناء المجتمع؛ فإذا صلحت، صلح المجتمع، وإذا فسدت، فسد المجتمع؛ فهي بمثابة المضغة في جسد الإنسان.
ولقد عني الإسلام بوضع تشريعات تحمي الأسرة وتصونها وترشدها، وتوجهها توجيها خيرا يسعدها في الدنيا والآخرة، وتحميها من الآفات الاجتماعية التي تعصف بالمجتمعات، فتدمرها؛ وبهذا فإن الإسلام قد وضع ما يسمى بالطب الوقائي لحماية الأسرة؛ فإذا وقع البلاء فيها؛ فحينئذ يقدم لها وصفات علاجية تنقذها مما هي فيه من الأمراض بإذن الله تعالى. (من مقال سابق)

ومن العوامل التي تهدد كيان الأسرة، وتنذر بخرابه، وتجعله بيتا نكدا قد تتفاقم أمراضه، وتؤدي في نهاية المطاف إلى انحياز الزوج إما إلى أمه، أو إلى زوجه أو التخلي عنهما : هي سوء المعاملة والريبة في النوايا والتصرفات التي تسود بيت الزوجية بعد الزواج؛ ولا سيما إذا كانت أم الزوج تعيش مع ابنها؛ إذ تشعر أن ابنها كان طيرا ينام في حجرها يأتمر بأمرها، وينتهي عما تنهاه عنه؛ لكن الحياة في نظر الأم تنقلب - بعد زواج ابنها – فتتصور أنها قد خسرت ابنها، وأنه صار ألعوبة بيد زوجته؛ فتنشأ الخلافات التي تقصم ظهر البيت، على الرغم من أن ما يجري في البيوت هي سنة اجتماعية تمر على الجميع، لكن تحتاج من الكافة التصرف بحكمة وتعقل.
ورأس الأمر مخافة الله تعالى لحل المشكلات. وهذه مجموعة من الرسائل أتوجه بها إلى أم الزوج ناصحا – وهناك رسائل إلى زوجة الابن لاحقا – إذا عملت بها ارتاحت وأراحت، وعليها أن تصبر وتحتسب وتعد نفسها أما لزوج ابنها. وإلى الرسائل:
– الأم التي ترغب في إسعاد ابنها إذا تزوج، عليها أن ترتب أوضاعها إزاء حياة ابنها الجديدة التي هي أول من سعت إليها، فلا ينبغي أن تتصور أن زوجة ابنها قد سرقت ولدها، أو اختطفته منها، وحبذا - لو راودتها الفكرة - أن تعود إلى الوراء فهل كانت سارقة عندما بنى بها زوجها!!
– في اعتقادي لو أن الأمهات عاملن زوجات أبنائهن كما يعاملن بناتهن، لاختفت أكثر من 80% من المشكلات، ولكن الشاعر يقول:
وعين الرضا عن كل عيب كليلة ولكن عين السخط تبدي المساويا
– إن اللقاءات الأولى للأم مع زوج ابنها ترسم طبيعة العلاقة بينهما؛ فإن اتسم اللقاء بطلاقة الوجه، والتودد، والمناصحة برفق ولين، وبطريقة غير مباشرة، بعيدة عن التسلط والشعور بالفوقية، لحققت الأم نجاحات باهرة، ولأرست في البيت دعائم المودة. والصبرُ عند الصدمة الأولى.
- للأم دور قيادي لإنجاح زواج ابنها، ويتحقق هذا الدور في الأمور الآتية:
1 – أن تختار لولدها من ذوات الدين، فهي إن لم تنسجم معها، فلن يقع منها ضرر عليها.
2 – أن تمارس حياتها مع ابنها وزوجه بصورة طبيعية كما كانت من قبل.
- أن تكثر من الأفعال الإيجابية من غير تصنع، كشراء هدية لهما أو دعوتهما إلى وليمة، و.. و.
– إذا شعرت الأم أن ابنها أو زوجه قد وقعا في خطأ، فيجب أن تحسن الظن بهما، وأن تفاتحهما بما أحست بدون حساسية، أو اتهام، بل تقدم لهما نصيحة مجرب في الحياة، وأن توضح لهما أنها ما قصدت من هذه النصيحة إلا الخير.
– أنصح الأمهات أن يغيرن نظرتهن إلى أبنائهن بعد الزواج، فلم يعد ولدها صغيرا، ولم يعد ملكا لها وحدها، ـ إن صح التعبير ـ فهو رب أسرة، وقائد جديد لبيت جديد، وعليه واجبات تجاه زوجه وأولاده، فلا بد من أن تمنحه مساحة من الحرية. ورحم الله امرأ عرف قدر نفسه.
– للأم دور كبير في تعزيز العلاقات الطيبة بين بناتها وكنتها، فلا تتحدث أمامهن عن الصور السلبية؛ وإنما تبرز الصور الإيجابية لتصرفاتها، وتحاول دائما أن تكون رائدة في حسن المعاملة، والصلة الحسنة، وكظم العواطف الجانحة: "خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ"الأعراف 199.
- إن أسباب النجاح في فن المعاملة مع الآخرين كثيرة، ومن أهمها: أن تعاملهم كما تحب أن يعاملوك به، وألا تستخف بهم، وأن تضع الناس منازلهم، وأن تقبل عليهم متفقدا أحوالهم قاضيا حاجاتهم، وأن تنتهز المناسبات لتتواصل معهم، ولا تقرب منهم دائما، فيملوك، أو تغيب عنهم كثيرا فينسوك.
– الأم الراشدة العاقلة التي تخاف الله تعالى، وتراقبه في جميع تصرفاتها، لا تصغي إلى كل نامٍّ ، ونامةٍّ، أو مفسد ومفسدة، أو فتان وفتانة الذين يرغبون في إفساد العلاقة بينها وبين ابنها وزوجه؛ وجدير بها أن تتذكر قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "كُلُّ بَنِي آدَمَ خَطَّاءٌ وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ"‏‏(رواه الترمذي، وابن ماجه والدارمي وغيرهم، وضعفه بعض العلماء، وحسنه بعضهم منهم الألباني)، وإن العفو من شيم الكرام، لا اللئام.
– إن قلب الأم روضة واسعة الأرجاء، ذات هواء طيب، وماء نمير، وأشجار ظلالها وارفة، وثمارها يانعة، فما أجمل البيت الذي فيه أم كما قال الشاعر:
فلا قلب في الدنيا يساوي قُلَيْبَها ولا روح في الدنيا أعف وأمرح
وهل وجد الماضون مثل فؤادها حنـون كريـــم لا يمـــل ويكلـح
وإلى رسائل أخرى.

JoomShaper