د. خالد سعد النجار

من أعظم نعم الله وآياته أن جعل البيت هو المأوى والسكن. في ظله تلتقي النفوس على المودة والرحمة والحصانة والطهر، وكريم العيش والستر. وفي كنفه تنشأ الطفولة، وتترعرع البراعم، وتمتد وشائج القربى، وتتقوى أواصر التكافل. ترتبط النفوس بالنفوس، وتتعانق القلوب بالقلوب{هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ} [البقرة: 187].
في هذه الروابط المتماسكة والبيوت العامرة، تنمو الخصال الكريمة، وينشأ الرجال الذين يؤتمنون على أعظم الأمانات، ويربى النساء اللاتي يقمن على أعرق الأصول. ومن أجل هذا شرع الله تعالى الزواج، ورتب عليه أحكاما، باعتباره أساسا تبني عليه الأسرة، وتنشأ خلاله المجتمعات, كما أحاطه بسياج عظيم حتى تنشأ الأسرة نشأة طيبة قويمة، وجعل لكل من الزوجين حقوقا وواجبات عليهما الالتزام بها وأدائها.

العتاب
العتاب مطلوب في الحياة الزوجية، لكن بحدود، فيوصي خبراء العلاقات الزوجية بالامتناع عن الانتقادات الحادة، وتوجيه الإنذارات في العلاقات بين شركاء الحياة بصورة مستمرة. فمثلا، من الأفضل آلا يسير الحوار بانفعال على النحو التالي: «إنه يقاطعني طوال الوقت». «إنك تتأخر كثيرا».
يقول الألماني (هارتفيج فينيمار) أخصائي علوم الشيخوخة: إن بعض الأزواج يظلون يوجهون الانتقاد للأشياء التي لا يرضون عنها في شركائهم، ثم يتملكهم اليأس ويتوقفوا عن توجيه هذا الانتقاد. لكنه يشير إلى أن هناك عادات معينة تضع عبئا ثقيلا على العلاقة بين الزوجين, وإن التزام الصمت في بعض الحالات إيثارا للسلامة والهدوء يمكن أن يكون ضرره أكثر من نفعه.
ويقول (أوف كلينماس) من جامعة «بون»: إن ثمة حاجة لوضع خط فاصل بين الخصال المحببة والسلوكيات المثيرة للمشكلات.
وفي حالات كثيرة ربما لا يعرف الشريك المثير للضيق أن تصرفاته تبعث بالفعل على الضيق, وطرح هذه القضايا صراحة أمر تكتنفه الصعوبة. تقول الألمانية (آنا شوش) أستاذة علم النفس: إن ثمة ردود فعل دفاعية لأي محاولة لتصحيح السلوك وهذا أمر طبيعي. ولذا يتعين على المرء أن يمتنع عن أي انتقاد حاد.
ويقول (كلينماس): إذا قلت لها أنك دائما تقاطعينني لا تكون قد حققت شيئا. وعلى الانتقاد بالأحرى أن يركز على مثال محدد، ويتعين ألا يمزج بإنذار. ومن الأفضل أن تظهر للطرف الآخر أن تغيير سلوكه سيكون له تأثير إيجابي على العلاقة بينكما.
الجدال
للمرأة بداية تختلف عن بداية الرجل للدخول في الجدال. فالمرأة لا تدرك عادة بأنها تبدأ الجدال عندما تأخذ بالحديث عن مشاعرها السلبية، فبدل أن تعبر بوضوح وصراحة وبشكل مباشر عما يزعجها ويقلقها، فإنها تبدأ بطرح أسئلة ساخرة تحمل في مضمونها معاني عدم الرضا والقبول، ويشعر الرجل نتيجة ذلك بالرفض أو عدم الرضا، وإن لم تقصده المرأة أحياناً بشكل مباشر.
وكمثال على هذا، إذا عاد الزوج من سفره متأخراً بعض الشيء، فقد تقلق عليه زوجته وينشغل ذهنها، وتخاف أن يكون قد جرى معه شيء ما، إلا أنها بدل أن تقول له ما يوحي بهذه المعاني وبشكل مباشر كأن تقول: «لقد قلقت عليك» أو «لا أحب أن أجلس بانتظارك وأنا مشغولة الذهن بك» فبدل هذا الحديث المباشر نجد الزوجة تطرح أسئلة اتهامية كأن تقول مثلاً: «كيف تتأخر بهذا الشكل، ولا تبالي بي؟» أو «هل صعب عليك أن تخابرني لتعلمني بأنك سوف تتأخر؟» أو «هل فكرت أنني جالسة أنتظرك هنا؟» ولا ننس أن نبرة الصوت أيضاً فيها عادة الكثير من التهكم أو الاتهام الذي يوحي بأن الزوجة لا تنتظر جواباً لسؤالها، وإنما تريد أن تخبر زوجها بأنه لا يوجد عذر مقبول لتأخره.
وعندما يسمع الزوج مثل هذه الأسئلة, فإنه عندها لا يعود يسمع مشاعر زوجته وقلقها بالتأخر، بقدر ما يسمع استنكارها وعدم رضاها عن سلوكه، ولا تدرك الزوجة كم يجرح هذا الاستنكار من مشاعر الزوج، ولذلك فهو عندما يشعر بالهجوم والتحدي فإنه بالطبع يأخذ الموقف الدفاعي.
وقد تحاول الزوجة مساءلة الزوج بهذه الطريقة، ظناً منها أن تلقنه درساً كيف يحترمها ويحبها. ولكن في الحقيقة لا تسمح هذه الطريقة للزوج بتعلم أي درس مفيد، وإنما تضع بينهما حواجز من سوء التفاهم والخلاف، وتجعل الزوج أقل رغبة في البذل والعطاء لهذه العلاقة.
وإذا تذكرنا الحاجة العاطفية للزوج من الشعور بقبول زوجته ورضاها، ندرك عندها كم يؤثر مثل هذا النوع من الحوار في مشاعر الرجل. فمن أشد الأمور على الرجل أن تسحب الزوجة منه قبولها ورضاها، وقد لا تقدر الزوجة أثر هذا لأنها قد لا تعرف مدى حاجة الزوج إليه.
ويصعب على معظم الرجال أن يصرح الواحد منهم عن درجة حاجته لقبول الزوجة ورضاها، فقد يحاول الواحد منهم أن يظهر وكأنه لا يحتاج لهذا الرضا، أو أنه لا يبالي فيما إذا حصل أو لم يحصل عليه. وتستطيع الزوجة بلا شك أن تعبر عن عدم قبولها لسلوك الزوج، وفي ذات الوقت تشعره برضاها وقبولها له كزوج ورجل.
إن الرضا الذي يحتاجه الرجل هو أن تستطيع الزوجة تلمس أسباب جيدة لسلوكه وأفعاله. وحتى عندما يقصر أو لا يتحمل مسؤوليته كاملة، فإن الزوجة المحبة تستطيع أن تجد فيه الخصال الحميدة والجيدة.
ومما يقوي العلاقة الزوجية في بداية الزواج أن يشعر الزوج برضا زوجته وارتياحها له، وكأنه فارس أحلامها. إلا أنه مع الوقت قد لا يعود الزوج يحقق أحلام زوجته، ويبدأ يشعر بعدم استحسانها أو رضاها عنه، كأنه لم يعد ذلك الفارس الذي كانت تعجب به من قبل

JoomShaper