التصحر على وزن (تّفعُّل) كلمة محدثة مشتقة من مادة (صّحّرّ) التي هي وثيقة الصلة بكلمة الصحراء ومعناها: انتقال الحياة الطبيعية ـ ولا سيما الأرض وما عليها ـ من طور الخصب والنماء إلى طور الجفاف والذبول، ولك أن تتخيل أرضا كانت عامرة بكل شيء، فصارت غامرة، وفجأة صارت قاحلة جرداء، كجنة الذين منعوا الزكاة عن الفقراء، بعد وفاة والدهم حيث طاف عليها طائف من ربك وهم نائمون، فأصبحت كالصريم!

ولك أن تتخيل أيضا حياة زوجية فيها كل البهجة، والسرور، والطمأنينة، والحب، والوفاء والمودة، والرحمة؛ ثم تحولت إلى شقاء وقباحة، وحزن، وقلق، وبغض، وخيانة، وكراهية، وحقد وفوضى ووو... ولكن:

هل تتصحر الحياة الزوجية بعد أن كانت خصبة ممرعة يظلل أجواءها جو من المودة والسكينة والرحمة؟ وهل يعالج هذا التصحر بعد معرفة أسبابه؟

كثير من الأزواج والزوجات يشكون من تصحر الحياة بينهم، بعد مدة مديدة من السعادة الزوجية يغبطون عليها.

إن أكثر البيوتات التي تتصحر فيها الحياة الزوجية: كان الزوجان بينهما حب سابق على الزواج! أو الذين يبالغون ويغالون في التودد لأزواجهم مبالغة غير طبيعية، أو الذين يلين بعضهم لبعض ليونة زائدة عن الحد الطبيعي، ويعطي كل منهما الآخر حرية غير مرشدة، ثم فجأة يحدث العكس أو قريبا منه. أو أن أحدهما يفضل الآخر على أبويه، ثم يصحوان على السلوك الخاطئ، فيحاولان التعديل؛ فيحدث الجفاء.

وكثيرا ما يقع التصحر بسبب فساد مالي في تصرفات أحد الزوجين، وقد يكون من عوامل خارجية كثيرة، ومن أهمها: تدّخُّلِ أرحام كل منهما في حياتهما الزوجية، أو بسبب التربية الخاطئة التي تعطي نتائج سيئة على حياة الأولاد، فيلقي كل منهما باللوم على الآخر، أو فقر بعد غنى، أو تغير مزاج أحدهما وأسلوبه الحسن في الحياة فجأة، فينعكس سلبا على العلاقة الحميمية بينهما، أو تعدي أحدهما حدوده على الآخر؛ فيؤدي إلى بوادر سلوكية خاطئة تعكر الحياة الزوجية....إلخ.

وتلك الأمثلة غيض من فيض ولكل أسبابه وصوره، وعلاجه لا يتسع المقال لشرحها، وبيان عللها وأدويتها. ولعلني أن يوفقني الله إلى كتابة مقالات في هذا الموضوع (تصحر الحياة الزوجية: الأسباب والعلاج) أو يشاركني من شاء في هذا الموضوع الجلل الذي مزَّق البيوتات وأحالها جحيما بعد أن كانت نعيما.

وباختصار شديد في مقال وجيز أقول: إن الحوار الواضح الواعد الذي يهدف إلى الصلاح والإصلاح بين الزوجين والتفاهم والمكاشفة الودود كفيل ـ علاوة على جرعات دوائية كثيرة ومتنوعة ـ بعودة الحياة إلى مجاريها كما يقال أو قريبا منها.

كما أن ترك الغلو والمبالغة في الحياة دواء ناجع، ثم لين الجانب، والتواضع، وإيثار البسمة على العبسة، والهدية ولو كانت متواضعة، وحسن الاستهلال والختام: من عوامل النجاح في الحياة، وكثيرا ما يقلب السفر الممتع المرفه: حياة الشقاوة إلى حياة الراحة والحبور. أو تعديل مظهر البيت والأولاد، أو رحلة إلى مكان جميل، أو تبديل أثاث المنزل بمشاركة الزوجة لأمر ذو بال، أو إقامة وليمة للأقارب والأصدقاء تلبية لرغبة أحد الزوجين، أو جلسة عاطفية في الفراش وعتاب رقيق بعدها، يقلب الأمور رأسا على عقب، فتصبح الحياة جنة بعد أن وصلت إلى القطيعة، ورغبة كل من الزوجين في الانفصال أو البعد عن بعضهما!

إن ترك الكِبر والعناد، والتسامح، والعفو والصفح الجميل تصفي الحياة من العوالق التي تعكرها، فتسمو النفوس وتصفو.

هذا الموضوع جد خطير، وعلينا ألا نبخل على هؤلاء المساكين الذين حولوا بيوتهم إلى بيوتات نارية، بسبب جهل وجهالة، وعدم الأخذ بالمبادرة، وضرب الحديد وهو حار فلا يترك حتى يبرد؛ فيصعب التليين والتشكيل كما يريد الإنسان.

إن أسعد الناس من يعيش مع زوجة إذا نظر إليها سرته، وإذا غاب عنها حفظته في نفسها وماله، وإذا ائتمنها لم تخنه، والزوج قادر بإذن الله تعالى أكثر من الزوجة على حل المشكلات، وطي صفحتها إلى غير رجعة.

وإذا صلت المرأة خمسها، وصامت شهرها، وحفظت فرجها، وأطاعت زوجها – في غير معصية الله تعالى – يقال لها ادخلي الجنة من أي باب شئت.

وإذا رحم الزوج زوجه، وعاشرها بالمعروف، وقبل عثرتها، وأدى حقوقها، وأكرم أرحامها، وأدى نفقتها، فقد قبض على مفاتيح السعادة التي تفضي إلى متعة الحياة وبهجتها.

لنا عودة على هذا الموضوع الكبير إن شاء الله تعالى((وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا، وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ))سورة الطلاق 3،2.

JoomShaper