إن قوامة الرجل المنظمة لمسيرة التكامل النوعي بين الرجل والمرأة، إنما هي مسؤولية في المقام الأول قبل أن تُفهم بأنها صلاحية تصرف وتصريف، ومن ضمن المسؤوليات المهمة في هذا الإطار ما نسميه بــ (سد الفجوات)؛ ففي بداية خلق آدم وحواء عليهما السلام تبيَّن مدى التقارب والانسجام والانتماء بين الرجل وزوجه، وهو ما أشار إليه القرآن الكريم في قوله تعالى: يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها، والبعد عن هذا المفهوم وعدم مراعاته في الواقع ينتج سلاسل من الاضطرابات الأسرية المؤدية إلى كوارث مجتمعية، لذا جاء التشريع الإسلامي ليؤكد على ضرورة مراعاة التقارب والانسجام بين الزوجين، فتشريع نظر الرجل للمرأة واعتبار رأي المرأة في الرجل قبل الزواج إنما هو بداية لتأسيس هذا الانسجام
المستقبلي، ولا نُغفل في هذا المقام قول بعض الفقهاء الذين اشترطوا الكفاءة بين الرجل والمرأة في النكاح.
ثم تواردت التشريعات المنظمة للحياة الزوجية لتوطد التقارب الحسي والشعوري بين الزوجين حتى في أدق تفاصيل الحياة والمعاشرة لتصل إلى سلوكيات الطعام فقد حضت الأحاديث النبوية على أن يُطعِم الرجل زوجته اللقمة في فِيها، وما أُثِر عن تحري النبي صلى الله عليه وآله وسلم الشرب من نفس موضع الإناء الذي شربت منه أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها، وكذلك الحال في آداب النوم، والاغتسال من إناء واحد، إلى غير ذلك من الإرشادات الرائعة المؤسِسة والداعمة للانسجام بين الزوجين.
إننا في المقابل لا نستطيع إلغاء الفروقات الفردية بين الزوجين، لكن مهمة الزوج في هذا الإطار هو الحرص على تقليل تلك الفروقات وسد الفجوات بينه وبين زوجه، والارتقاء بها معه لضمان مزيد من التناغم لاستمرار العلاقة الزوجية؛ وقد شكلت سيرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم أعظم قدوة لنا في ذلك، فرغم مقام النبوة العظيم فإنه عليه الصلاة والسلام ارتقى بأزواجه أمهات المؤمنين رضوان الله تعالى عنهن أجمعين وأشركهم علمه وحكمته فكنَّ مخزنًا لعلمه وبيت استشارة له في أمور الدولة، ولا غرو أن يكون أول من أسلم به صلى الله عليه وآله وسلم زوجه، وهي أول من بث إليها همومه وشاركها موضوع دعوته وفكرته.
إن من أسباب الفشل في استمرار الحياة الزوجية عدم قيام بعض الأزواج بدوره في سد تلك الفجوات، بل إنه يوسع هوتها بينه وبين زوجه، فنجد العالِم ينشر علمه وخيره لجميع من حوله عدا زوجه، يرتقي بنفسه في العلوم والمعارف والقدرات ويخلِّف وراءه الداعم الأول والحامل له لتحقيق هذه المراتب، جاعلًا بينه وبين زوجه فجوة تزيد هوتها بكل خطوة يخطوها نحو نجاحه المتوهم، ويتفنن في وضع نفسه في حالة من العزلة الشعورية لتنتهي أحيانًا للأسف نحو العزلة الحسية.
إن الأسرة هي نقطة الارتكاز في استقرار المجتمعات وسعادتها، ولعل من أعظم ما يهدد بقاء الأسرة وجعلها في نقطة اللاعودة هو عدم الشعور بالانسجام بين الزوجين، ونشوء الفجوات أسبابها ومظاهرها متعددة قد يسهم في ظهورها وتوسعها الزوج وأحيانًا الزوجة، لكن قوامة الرجل تقتضي القيام بدوره في مراقبة هذه الظاهرة ومعالجتها، ولنتذكر أن من آخر وصايا نبينا صلى الله عليه وآله وسلم أن استوصوا بالنساء خيرًا. ولن يفلح من ضيع وصية نبيه صلى الله عليه وآله وسلم.