"الخرس الزوجي" نهاية غير رسمية لعقد الزواج، وحالة قد تطرأ على علاقة الزوجين خلال أشهر زواجهما الأولى أو بعد مرور سنوات، لتطفئ حياتهما بالتدريج تماما كالمرض الخبيث الذي ينتشر بصمت في أعضاء الجسد حتى يُفقدها الحياة.
فما أسباب هذا النوع من الصمت السائد في كثير من البيوت المصرية؟ وكيف يمكن للزوجين التنبه لأعراضه وسرعة معالجتها قبل فوات الأوان؟
يقول استشاري الطب النفسي الدكتور أحمد بركات إن "الخرس الزوجي" يعد ثاني أخطر أنواع الانفصال بين الزوجين بعد الانفصال العاطفي، لافتا إلى أن الفرق بين النوعين يكمن في استمرار حدوث العلاقة الحميمة بين الطرفين في ظل وجود الخرس الزوجي، بينما تتلاشى تماما في حال الانفصال العاطفي.
وأشار الدكتور بركات إلى أن الخرس الزوجي أقرب للانفصال النفسي الذي تقتصر فيه العلاقة بين الزوجين على تلبية الحاجات المادية الملموسة مع طرح المشاعر والأحاسيس الإنسانية جانبا.
وبالتالي يتواصل الطرفان فقط من أجل تناول الطعام أو شراء مستلزمات المنزل أو الحديث عن الأحداث الجارية أو أشخاص آخرين، دون الاقتراب من دائرة المشاعر المتبادلة بينهما. وفي هذه الحالة، تكون العلاقة الحميمة أشبه بعملية بيولوجية بحتة تعتمد أساسا على إشباع الغريزة، وتبعد كل البعد عن مشاعر الحب والألفة والرحمة بين الطرفين.
أعراضه
وحول الأعراض الأخرى للخرس الزوجي، أشار استشاري الطب النفسي إلى تحول الأنشطة اليومية إلى أفعال روتينية تخلو من الروح والبهجة والتجديد والمفاجآت، مع ملاحظة قلة الكلام بين الطرفين وتركزه على الأساسيات فقط دون التطرق لأية تفاصيل.
ومن أخطر الأعراض التي تنذر بكارثة منتظرة هي تصنّع اهتمام الطرفين ببعضهما البعض أمام الآخرين، بخلاف طبيعتهما وهم بمنأى عن الناس.
وحول السبب الرئيسي لمشكلة الصمت بين الزوجين، لفت أستاذ الطب النفسي الدكتور محمود كامل إلى أن نقص خبرة الطرفين بالطبيعة المختلفة للرجل والمرأة، وبالطرق الصحيحة للتعامل مع كل منهما، يؤدي إلى عدم القدرة على التواصل ومن ثم تفضيل البعد والانفصال.
وشدد الدكتور كامل على أهمية أن يبذل الشريكان من الجهد ما يمكّنهما من فهم لغة جسد الطرف الآخر وترجمتها بطريقة صحيحة، مع فهم طباع شريك الحياة ودائرة اهتماماته والعوامل المساعدة على تحسين مزاجه، بجانب الأمور التي تثير غضبه، وغيرها من الأمور الأخرى.
ووفقا لبعض الدراسات، أكد أستاذ الطب النفسي أن الحالة الاقتصادية والاجتماعية ليست القاسم المشترك في حالات الخرس الزوجي، بل إن الاضطرابات الأخلاقية والجنسية والنفسية لدى أي من الشريكين أو كليهما تعد الأسباب الرئيسية، وهي أمور يمكن علاجها بواسطة المتخصصين كالمشكلات الجنسية والنفسية، أو معرفتها أثناء فترة الخطوبة كالسلوكيات غير الأخلاقية.
عواقب وخيمة
من جانبها أوضحت خبيرة العلاقات الزوجية وفاء حسن أن استمرار تحمل الزوجين للضغوط الناتجة عن حالة الخرس الزوجي لفترات طويلة، يؤدي إلى ظهور أمراض عضوية للطرفين مثل الضغط، والسكر، وتهيج القولون العصبي، وزيادة الوزن، فضلا عن العصبية، والتوتر، والقلق، والأرق.
من ناحية أخرى، قد يلجأ أحد الزوجين أو كلاهما إلى الاستعانة بأشخاص جدد لمشاركتهما اهتماماتهما والاستماع لشكواهما، ومن ثم قد يفتح ذلك بابا نحو الخيانة الزوجية.
وعلى صعيد الأبناء، أشارت خبيرة العلاقات الزوجية إلى أن الانفصال النفسي للزوجين داخل المنزل يفرغ شحنات سلبية تؤثر على نفسية الأبناء وتؤدي إلى خلل واضح في شخصياتهم منذ الصغر، كما ينعكس ذلك على عدم تقديرهم لوالديهما فيما بعد.
في السياق نفسه، يؤدي غياب المشاعر وعدم التعبير عنها بين الزوجين إلى وجود أجيال غير أسوياء، وغير قادرين على التعبير عن مشاعرهم أو تكوين أسر متوزانة نفسيا في المستقبل.
وحذرت وفاء حسن من التهاون في هذا الأمر، لأن استمرار الحياة مع وجود أعباء نفسية مستمرة وفجوة عاطفية تتسع يوما بعد يوم، من شأنه أن يقود أفراد الأسرة جميعا إلى الجنون.
ونصحت بفتح مجال للحوار الصريح بين الزوجين والتعاون والاتفاق على وضع حلول عملية للتغلب على تلك الأزمة، مع مراجعة كل طرف لواجباته تجاه الطرف الآخر قبل المطالبة بحقوقه، وفي حال فشل الطرفين في هذه المهمة، وجهت وفاء باستشارة المتخصصين.
وأخيرا، في حال استنفاد كافة الحلول والتأكد من استحالة استمرار الحياة بين الطرفين، أكدت خبيرة العلاقات الزوجية أن الطلاق الرسمي يكون الحل الأمثل والأكثر إيجابية، بدلا من استمرار علاقات زوجية مشوهة ومؤذية للأسرة والمجتمع.