يعتبر الزواج وبناء الأسرة من الأسس المهمة في حياة الفرد والمجتمع منذ زمن بعيد؛ لهذا نجد أن العلاقة الزوجية بين الرجل والمرأة لا تزال موضوع اهتمام العديد من المفكرين والعلماء والأدباء في جميع المجالات؛ لما له من أهمية في تكوين نظام المجتمع وتقدمه وتطوره، خاصة أن الأسرة هي البيئة الأولى التي تستقبل الطفل منذ الميلاد، وهي التي تقوم بغرس القيم والعقائد والعادات في الطفل، بالإضافة إلى دورها في رعايته جسميا وعقليا ونفسيا واجتماعيا، وتوفير البيئة الأسرية السليمة التي تجعل منه إنسانا سويا متوافقا مع البيئة والأفراد المحيطين به؛ لهذا لابد أن تتسم العلاقة الزوجية بالحب والمودة والتعاطف والتقدير والارتباط العاطفي الصادق والرضا بين الزوجين لإسعاد كل منهما الآخر. وحتى نصل إلى ذلك لابد أن تُبنى الأسرة على أسس إسلامية، وهى:
1- لابد أن يتبع ويحترم طرفا الزواج ما جاء بالشريعة الإسلامية في اختيار شريك حياته، حيث يوصي الإسلام أن يكون معيار الاختيار الدين والخلق، مع عدم إهمال الجوانب الأخرى، وقد أرشد النبي صلى الله عليه وسلم إلى هذا المعيار الصالح فقال: "تنكح المرأة لأربع: لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك".
2- لابد من توافر شرط الرضا والموافقة من الطرفين دون أي ضغط أو إكراه، والموافقة تكون صريحة وواضحة من اللسان والقلب.
3- لابد من وجود توافق بينهما اجتماعيا واقتصاديا وثقافيا لاستمرار الحياة الأسرية.
4- قد حرصت الشريعة الإسلامية على فرض منحة تقديرية للزوجة يعبر بها الزوج عن تقديره لها، وهو المهر، ولكن حرص الإسلام أيضا على عدم المغالاة في المهور حتى لا يؤثر على العلاقات الأسرية بعد ذلك، وإذا توافرت هذه الأسس يتم الزواج، وهو عقد يتوافر فيه الإيجاب والقبول والشهود والإعلان.
5- وحتى تكون الحياة الأسرية يسودها الحب والمودة والرحمة والتعاطف لابد أن نتعرف على حقوق كل من الزوج والزوجة.
1- الطاعة بالمعروف:
أول حقوق الزوج: طاعة المرأة له بالمعروف، والمراد بالمعروف: ما أقره الإسلام وأذن به؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق"، فهي تطيعه في غير ما نهى عنه الله. ويرجع حق الزوج في الطاعة إلى أنه أصلب وأحزم وأحكم من المرأة في الشؤون الحياتية؛ لأن المرأة بطبيعتها عاطفية، فتجعلها مترددة في اتخاذ القرارات، بالإضافة إلى أن الرجل ينفق عليها من بداية المهر والتأثيث للحياة الزوجية والنفقة الزوجية من مسكن وملبس ومأكل وغيرها من متطلبات الحياة الأسرية، وهذا لا يعني أن الزوجة ليس لها دور أو قرار، فقد قال النبي - صلي الله عليه وسلم -: "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها وهي مسؤولة عن رعيتها".
2- عدم خروج الزوجة بدون إذن زوجها:
حيث يترتب على الحق السابق للزوج، وهو الطاعة: ألا تخرج الزوجة من بيت زوجها إلا للضرورة والحاجة الشديدة حتى لو لزيارة أهلها دون إذنه. ولكن لا ينبغي له أن يمنعها من ذلك؛ حتى لا يكون قاطعا لصلة الرحم. والدليل على ذلك قول الله تعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأولَى}.
3- الحفاظ على عرضه وماله:
فيجب على الزوجة الحفاظ على شرف زوجها وماله في وجوده وفي غيابه، ولا يجوز أن تتصرف في ماله، ولو بالصدقة، دون إذن منه، إلا في حالة أن كان بخيلا ويقصر في احتياجاتها الضرورية لها ولأبنائها؛ فتأخذ فقط ما يكفي حاجاتها الضرورية، وتتقي الله في ماله وعرضه.
4- رعاية المنزل والأبناء:
يجب علي الزوجة أن تقوم بشؤون البيت من الطهي والتنظيف ورعاية الزوج الأبناء والقيام بالأعمال المنزلية المختلفة، وهذا يكون أفضل من إحضار خادمة للقيام بهذه الأعمال تجنبا للمشاكل التي نسمع عنها في الوقت الحالي.
5- تجمل الزوجة وتزينها لزوجها:
يجب علي الزوجة أن تتجمل وتتزين لزوجها؛ حتى يرى فيها ما يهواه ويحبه، وهذا يزيد من التوافق والانسجام والوئام بينهما.
من حق الزوج إذا خرجت زوجته عن طاعته: أن يعظها ويرشدها بالمعروف أو بالهجر في الفراش، ولا يترك البيت، ولكن يفضل ألا تطول فترة الهجر، أو يستخدم الضرب الذي أقره الإسلام، وهو الضرب بسواك أو الكف ثلاث مرات على أعلى الكتف، وليس الضرب المبرح، وهذا ما قاله رسول الله صلي الله عليه وسلم: "ألا واستوصوا بالنساء خيرا فإنما هن عوان عندكم ليس تملكون منهن شيئا غير ذلك، إلا أن يأتين بفاحشة مبينة فإن فعلن فاهجروهن في المضاجع، واضربوهن ضرباً غير مبرح فان أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا، ألا إن لكم على نسائكم حقا ولنسائكم عليكم حقا، فأما حقكم على نسائكم فلا يوطئن فرشكم من تكرهون، ولا يأذنّ في بيوتكم لمن تكرهون، ألا وحقهن عليكم أن تحسنوا إليهن في كسوتهن وطعامهن".
وقال الله تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللّهُ وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا}. وإن لم يتم الإصلاح فيُطلب حكم من أهله وحكم من أهلها للوفاق بينهما، كما قال الله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاَحًا يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا}. وإن لم يتم ذلك فالطلاق بالمعروف، وذلك في قول الله تعالى: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النَّسَاء فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لَّتَعْتَدُواْ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلاَ تَتَّخِذُوَاْ آيَاتِ اللّهِ هُزُوًا وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِّنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُم بِهِ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}.
1- الحفاظ على كيان المرأة وكرامتها، واحترامها والحفاظ على أسرارها؛ لأنها شريكة حياته وأم أولاده، فلا يهنها، ويعاملها معامله كريمة، سواء لها ولأولادها، قال الله تعالى في ذلك: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا}.
2- يوفر الزوج للزوجة كل احتياجاتها الضرورية من مأكل وملبس ومأوي وغيرها من متطلبات الحياة.
3- الاهتمام بتوفير التوافق الجنسي بين الزوج والزوجة؛ لأنها إنسان، ولها شهوة، مثلها مثل الرجل، ويجب على كل منهما أن يعمل على إرضاء الطرف الآخر وإسعاده، وأن تكون هذه العلاقة خالية من الأنانية والسيطرة؛ حتى تستمر الحياة بينهما.
4- على الزوج أيضا المساواة بين زوجاته في جميع الجوانب، سواء كانت مادية أو نفسية، وان لم يستطع فواحدة؛ لقول الله تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَة..}. فإذا عرف كل منا الحقوق المطلوبة منه فسوف نصل في النهاية إلى التوافق والسعادة الزوجية بين الطرفين، وهي البيئة التي ينمو فيها الأبناء وتؤثر في حياتهم المستقبلية بصفة خاصة، والنهوض بمجتمعاتهم بصفة عامة.