علي بن راشد المحري المهندي
من أرجَى القربات إلى الله وأعظم الطاعات في موازين العبد يوم القيامة برُّ الوالدين، ويُقصد ببرِّ الوالدين طاعتهما في كل ما يوافق شرع الله، والإحسانُ إليهما بالتودُّد، والحب، والقيام على خدمتهما وراحتهما، وقضاء حوائجهما؛ فالإحسان إليهما بابه واسعٌ يشمل الأقوال والأفعال والمعاملة الطيبة الحسنة.
وقد أوجب الله تعالى علينا هذا البرَّ بالوالدين ووصَّانا به لننال رحمتَه ورضاه؛ وذلك لِمَا للوالدين من حق عظيم على أبنائهما، وذلك لكثرة المشقة والمتاعب وتقديم كل غالٍ ونفيسٍ لأولادهما منذ فترة الصِّغَر وحتى بعد الكِبَر؛ قال تعالى في كتابه العزيز: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} [سورة الإسراء: 23، 24].


لأجل هذه الوصية الربانية العظيمة كان برُّ الوالدين من كمال إيمان المؤمن وحُسنِ إسلامه؛ فبِرُّ الوالدين سببٌ من أسباب البركة في المال والذرية والتوفيق في حياة المسلم، فكما يقول بعضُ السلف: «ما رأيتُ موفَّقًا في حياته إلَّا وله من بِرِّ والديه نصيبٌ».
فبِرُّ الوالدين يرفع من شأن صاحبه في الدنيا والآخرة، كما يُفرِّج برُّ الوالدين الكرباتِ، ويشرح الصدور.
وأخبرنا رسولنا الكريم في عدة أحاديث بمنزلة ومكانة الأب والأم في حياة الأبناء فقد روى الإمام أحمدُ عن أبي الدرداء قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «الْوَالِدُ أَوْسَطُ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ».
كما علَّمنا صلوات الله وسلامه عليه مَن أحقُّ الناس بحُسن الصحبة في الحياة؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي؟ قَالَ: «أُمُّكَ» قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: «ثُمَّ أُمُّكَ» قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: «ثُمَّ أُمُّكَ» قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: «ثُمَّ أَبُوكَ». [متفق عليه].
كل هذه الأدلة من الكتاب والسنة التي تؤكد على البر بالوالدين توجب على كل ابن وابنة الطاعةَ والإحسانَ بالأبوَيْنِ نظيرَ ما قدَّماه من جهد وعناء ومشقة؛ فالأم التي تعبت حملًا وولادةً ورضاعًا وتربيةً تنتظر من أبنائها المعاملةَ الطيبة وخفضَ الجناح وطاعتَها والقيامَ بخدمتِها ورعايتِها.
والأب الذي يكدُّ ويتعب من أجل توفير أفضل مستوى معيشي لأبنائه ينتظر من الأبناء تقديرَ هذا الجهد، ينتظر مزيدًا من الاجتهاد والتفوق ليشعر بالسعادة وهو يرى ثمرةَ كفاحه وتعبه أمام عينيه.
والحقيقة أن الأبوين هما الشخصان اللذان يتمنيان لأبنائهما الخيرَ والتوفيقَ والفوز بحظوظٍ أفضلَ منهما في الحياة؛ فيجب على كل الأبناء الحرص على البرِّ بمنبع الحب والحنان والرحمة والتوفيق ألا وهما الأبوان، لن يهنَأَ لكَ عيشٌ، ولن يحالفك التوفيقُ وأنت عاقٌّ لوالديك، واعلموا أبنائي وبناتي أن دعوات الآباء والأمهات كنز لكم وأمان واطمئنان لقلوبكم. فلتطلبوا منهم الدعاءَ لكم باستمرار ولا تستهينوا بغضبهم عليكم فرُبَّ دعوة غاضبة منهم تقلب لكم حياتكم إلى شقاء دائم.
فأنصح أبنائي بالحرص على برِّ الأبوين لأنه دَيْن لكم أو عليكم، فكل ما تحب أن تراه في أبنائك تجاهك في المستقبل إن شاء الله نفِّذه أنت أولًا مع والديك، فالأيام دُوَل، وكما تدين تُدان. وأحذركم من العقوق لأنه حرمانٌ من الجنة؛ فقد روى البيهقيُّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ثَلاثَةٌ لَا يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ» أي: مع الأولين، وعدَّ منهم «العاقَّ لوالدَيْهِ». رواه البخاري.
◄ دعاء:
نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من البارِّين الموفقين لبر الوالدين، وأن يبارك في الآباء والأمهات ويمتعهم بالصحة والعافية من كان منهم على قيد الحياة، وأن يرحم الأموات منهم ويتغمّدهم برحمته الواسعة، وأن يجعلنا وإياكم ممن رضي الله عنهم بطاعته وحسن عبادته سبحانه، ثم بطاعة والدينا وبرّهما والإحسان إليهما سواء الحي منهم أو الميت. اللهم آمين

JoomShaper