علي بن راشد المحري المهندي
تُعدُّ الأسرةُ بالنسبة للأبناء هي الوسط الاجتماعي الذي يُمكنهم التفاعُل فيه بحُريَّة وأمان، فيُعبِّرون عن كلِّ ما هو نفسيٌّ وعاطفيٌّ بداخلهم للآباء والأمهات باعتبارهم المصدرَ المعرفيَّ والتربويَّ داخل مجتمع الأسرة.
فالأسرة تحتل مركز الصدارة في كل الأزمنة والعصور في تلقين الأبناء أسس الحياة، وترسيخ مبادئ التفاعل، وتعليم قواعد التواصل والحوار؛ فهي التي توضِّح للأبناء كيانَهم الشخصيَّ وتركيبَهم النفسي وسلوكَهم الاجتماعي السليم.
وذلك من خلال الاتصال الفعَّال معهم بإشباع رغباتهم العاطفية والاجتماعية والثقافية، والرد على استفساراتهم وتساؤلاتهم وإن كَثُرت، والسماع لحكاياتهم وإن تكرَّرَت وبدَتْ سطحية لا فائدة فيها.
فالأسرة المثقفة الواعية هي التي تُعلِّم أبناءها قواعدَ الحوار وآدابَ التواصل، فيُدرك الأبناء حرِّيَّتَهم وحدودَهم ويُميِّزون بين ما لَهم من حقوق وما عليهم من واجبات.
وكل هذه المكتسبات لا تتحقق إلا بوجود التواصل؛ فالتواصل المستمرُّ بين الآباء والأبناء جزء رئيسي من أُسس التربية السليمة، وحلقة الوصل بين الحكمة والنضوج المتمثِّلة في الآباء، وبين التهوُّر وحداثة السِّنِّ المتمثِّلة في الأبناء.
فالاتصال الفعَّال يبني جسورًا من الثقة والإيمان بأهمية العلاقة الوطيدة بين الطرفين، وهذا الاتصال الفعَّال لا يتحقق إلا بأمرَيْن مهمَّيْن:
الأول: ثقة الآباء والأمهات بعقول أولادهم، وتبادل الحوارات الهادفة معهم في شتى الموضوعات.
والثاني: ثقة الأولاد بحِكمة الوالدَيْن، وحرصهما الدائم على ما يُصلحهم، وإشفاقهما المستمرِّ رحمةً بهم.
وأشكال الاتصال بين الآباء والأبناء كثيرة ومتعددة منها: الحوار والتشاور والتفاهم والإقناع والتوافق والاتفاق والتعاون والتوجيه والمساعدة.
ومن أجمل صور الاتصال وجمال الحوار بين الآباء والأبناء حوار لقمان الحكيم مع ابنه في موقفٍ تربويٍّ بديعٍ يجمع بين أسلوبِ النصح والوعظ، وهو أسلوب يتمثَّل في التذكير بوجوه الخير، والزجر المُقترِن بالتخويف من وجوهِ الشَّرِّ بأسلوبٍ رقيقٍ تَغمره الرحمة. فكان الحوار عبارةً عن تِسْع مواعظَ جمعَت في طياتها جميعَ مظاهر التربية. بدأها بالنهي عن الشرك ووجوب التوحيد للخالق، ثم الوصية بالبِرِّ للوالدين، ثم بيان فضلهم على الأبناء، ثم ملازمة الصالحين، ثم التأكيد على مراقبة الله والخشية منه، ثم إقامة الصلاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ثم يختم نصحه لابنه بضرورة اتباع الآداب العامة في معاملة الناس وعلاقته بهم، مع ضرورة التواضُع والبُعد عن التكبُّر والغرور، واتباع الأدب في خفض الصوت عند الحديث.
فنرى في كل موعظة أصلًا من الأصول التربوية التي يجب أن يَكتسِبَها الأولاد، وإذا أخلَّ الآباء بواحدةٍ منها ولم يَكتسِبها الأبناء؛ اختلَّ ميزان التربية عندهم؛ لذلك أوصيكم أيها الآباء بضرورة الحفاظ على الاتصال الفعَّال والمستمر بالأبناء مهما صغُرَت أعمارهم فلا بدَّ منَ الحوار معهم ومشاركتهم الأفكارَ مهما كانت بسيطةً وسطحيَّة وغريبة.
ومن جميل كلام السلف في فنِّ تربية الآباءِ لأبنائهم قولُ الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه حين قال: "لا تُربُّوا أبناءكم على ما ربَّاكم عليه آباؤكم فإنَّهم خُلِقوا لزمانٍ غيرِ زمانكم".
فيجب على المُربِّين أن ينطلِقوا عندَ تربيةِ أبنائهم والحوار معهم من حقيقة الاختلافِ بين الجيلَيْن حتى تتحقَّق النتائج المرجوَّة؛ لأن ثمرةَ هذا الاتصالِ سيتعوَّد عليها الأبناء وتُربي لديهم أهمية ثقافة التواصل والحوار في المستقبل مع الآخر أيّاً كان، مما سينعكس إيجاباً على المجتمع.
• رسالة:
إلى الآباء والأمهات، فلنحرص على عدم الانشغال بضغوط العمل وزحمة الحياة والمتطلبات الأسرية ووسائل التواصل الاجتماعي بشكل يُنسِيكم التواصل مع الأبناء والبنات في كل يومٍ ومتابعة كل تفاصيل حياتهم بدقةٍ ورعاية واهتمام ، حتى يشعروا بالثقة والأمان النفسي ليكون ذلك خير معين لهم بعد الله على استكمال مشوار حياتهم بكل نجاح وتميّز وإبداع في كافة مجالات الحياة.
• دعاء:
نسأل الله تعالى أن يبارك في الآباء والأمهات، وأن يُصلح الأبناء والبنات، وأن يوفِّقَنا جميعًا لما فيه الخير لنا ولهم، ويُصلح ذرياتنا وذرياتكم أجمعين.. اللهم آمين يا رب العالمين.