فريق العمل
يقدم الكاتب الصحفي توم ماكتاجو سردًا رشيقًا لحياة أب في ظل جائحة فيروس كورونا المُستجد، وكيف أسهمت نعمة الأبوة في جعل الحياة أكثر بساطة وأقل مللًا.
ويستهل الكاتب مقاله الذي نشرته مجلة «ذي أتلانتك» الأمريكية قائلًا: خلفت جائحة كورونا تأثيرًا غريبًا على حياتي، إذ أجبرتني على الإبطاء من وتيرة الحياة، وقضاء كل الوقت خارج مقر العمل، أتجول في هدوء هائمًا على وجهي بدلًا من القيام فعلًا ببعض المهام ورؤية الناس.
وأضاف: ربما يكون السبب وراء ذلك هو الأجواء العامة، والشوارع الغريبة المخيفة، والملاعب التي أُوصِدت أبوابها، وصفوف المتسوقين المرتدين للأقنعة. وربما لا يتعدى الأمر مجرد والدٍ لديه حديقة، ورف مليء بقصص دكتور سوس (روائي ورسام كارتون أمريكي)، وإمكانية الاستخدام غير المتوقع لمجموعة أفلام ديزني القديمة بالكامل. وأيًّا ما كان السبب، هناك شيء تشعر به ولا تدرك كنهه يجعل الوقت الذي كان ينبغي أن يتسم بالقلق والرتابة والإحباط يبدو بطريقة أو بأخرى لطيفًا وذا مغزى.


الحياة مع الأطفال أجمل
يضيف الكاتب أنه كان من المفترض أن تصبح حياتي مُملة مللًا شديدًا في الوقت الحالي؛ فأنا أعيش وسط إغلاق كامل في العاصمة لندن، وهي مركز عالمي لجائحة فيروس كورونا المُستجد، أحاول التوفيق بين عملي اليومي ورعاية طفل عمره ثلاث سنوات. ومع ذلك، لم تكن هذه تجربتي.
لا شك أن وجود أطفال يزيد من ضغوطات الحياة في ظل حالة الإغلاق العام، وأن أولئك الذين ليس لديهم أطفال دائمًا ما يكونون مُجاملين للغاية ويُقِرون بأن مثل تلك الحياة أصعب من حياتهم التي يعيشونها. ويؤكد الكاتب إدراكه لأن هذه الضغوطات تتضاعف حينما يكون أحد الوالدين يتولى هذه المهمة بمفرده، أو حينما لا يتمتع الوالدان بدخل ثابت، أو عندما تتطلب وظائف الوالدين المخاطرة بصحتهما من أجل صالح الآخرين. ولكن بالنسبة للطبقات المتوسطة المهنية المتميزة، بدأتُ أعتقد أن حياة الآباء الذين لديهم أطفال أفضل من حياة الآباء غير المتمتعين بنعمة الأطفال.
نعم، رعاية الطفل تعني أن الأيام ستصبح أطول، وأن ساعات العمل ستُقسَّم وتُوزَّع بين فترات يلعب فيها الأب دور الديناصور مع طفله. وتعني أيضًا أنه لن يتوفر للمرء أي وقت يكون فيه بمفرده. أخبرني أحد الآباء ممن أعرفهم عن مدى شوقه إلى الوقت الذي كان ينتظر فيه القطار لمدة 10 دقائق في المحطة، وفهمتُ على الفور ما يقصده. ولكن – وأقول هذا مترددًا – أشك أن الإغلاق العام قد يكون أكثر صعوبة بالنسبة لكثير من الأشخاص الذين ليس لديهم أطفال: خاصة أولئك الذين يمكن أن تمتد ساعات عملهم لتطغى على وقت فراغهم، وهو وقت فراغ تام وبلا ملامح وليس فيه إلا الاستسلام لسيطرة برنامج زووم.
الأزمة تجردنا من نعمة الاختيار
ويشير الكاتب إلى أننا نعيش في أزمة دولية مشتركة تقضي على حياة البشر وسبل عيشهم يوميًّا. لكن تكاليف الأزمة وتبعاتها غير موزعة بالتساوي على البشر، وبالنسبة للبعض – مثل الكاتب – كانت هناك جوانب إيجابية غير متوقعة؛ فالطبيعة الإلزامية العالمية للجلوس في المنزل جردتنا تمامًا من الشيء الوحيد الذي يميز حياتنا الحديثة والمتميزة: وهو الاختيار.
لكن بفقدان هذا العنصر الأساسي للحرية، فقدنا أيضًا الضغط الذي يصاحبه – الضغط الذي نعانيه لتحقيق أقصى استفادة عندما نختار. هل يجب أن أخرج من المنزل أم أمكث فيه؟ هل هذه هي أقصى استفادة من وقتي؟ وهل سأسيء إلى فلان أو علان باختيار هذا بدلًا من ذاك؟
ورغم بقائي حبيسًا بين جدران منزلي، إلا أنني لا أتوق لزيارة أفضل المطاعم في لندن أو الاستمتاع بالعطلات خارج البلاد، ولكن أتوق للاستمتاع بحفلات الشواء العائلية في الهواء الطلق وقضاء الليالي في الحانة مع أفضل الأصدقاء. ودفعت الأزمة كثيرين إلى طرح أسئلة وجودية كبيرة حول هدفهم في الحياة.
الحياة أشبه بقصة ما قبل النوم
وأردف الكاتب أن هذه الحرية المتناقضة المتعلقة بعدم القدرة على الاختيار هي أقوى بالنسبة للآباء. وهناك ميزة متفردة واضحة لهدف الوالد في فترة الإغلاق: أولوياتك أصبحت واضحة. وفي الأوقات العادية، تتسم أيام العمل خلال الأسبوع بالضبابية، وعطلات نهاية الأسبوع متخمة بالواجبات والأعمال المنزلية الروتينية والمهام والأحداث الاجتماعية المجدولة منذ فترة طويلة.
ويردف الكاتب: كنتُ أشعر في أيام كثيرة أن اللحظة الوحيدة التي تستغرق وقتًا لا يشوبه أي تشتت مع ابني هي وقت سرد قصة ما قبل النوم، وهو عمل روتيني بسيط لا يمكن تجنبه ولا مفر منه، أتخلص خلاله من عوامل تشتيت الذهن، في ظل أضواء خافتة، واستعادة للهدوء؛ كما لو كنت ذاهبًا إلى السينما. وحياتي اليوم أشبه بأجواء القصة الطويلة الذي أرويها لطفلي قبل النوم.
ويتابع الكاتب: بالنسبة لي، وأظن أنه بالنسبة لملايين الآباء الآخرين ممن لديهم أطفال صغار، امتلأت المساحة التي فُتحت في محبسنا القسري بالمثالية الحالمة والفكاهة اللطيفة لشخصيات طفولية مثل بيكسار، وجوديث كير، وجوليا دونالدسون، وآلان ألكسندر ميلن. ووجدتُ نفسي أبحث عن كتب أطفال كلاسيكية لمشاركتها مع ابني، لأُعيد اكتشاف بعض الكتب التي قرأتها واكتشاف كتب أخرى لم أقرأها.
وكنا أنا وزوجتي نُعِد قوائم بالأفلام القديمة لنتذكرها ونعايشها من جديد من خلال عيني طفلنا: أفلام الأرض قبل الزمن (The Land Before Time)، والمُنقذون (The Rescuers)، والسيدة والصعلوك (Lady and the Tramp) (الفيلم الأصلي بالطبع). ماري بوبينز (Mary Poppins)، وساحر أوز (The Wizard of Oz)، وبدنوبس وبرومستيك (Bedknobs and Broomsticks). أما الشعور بالذنب الذي كان يصاحب مشاهدة طفلنا للتلفاز، فقلَّ إلى حد ما، لأننا أصبحنا نشاهده معًا، بعد أن كنت أضعه بإهمال أمام التلفاز بينما أطالع رسائل البريد الإلكتروني من أولها لآخرها، أو أُجهِّز الحمام، أو أُعِد العشاء في نهاية اليوم.
الأطفال أشبه ما يكونون بالصمام
وأفاد الكاتب قائلًا: إن أحد أصدقائي من الآباء الناجحين قدَّم مؤخرًا تطمينات غير مقصودة بأن شريط أدائنا المنخفض حديثًا وصل إلى مرحلة قياسية جدًّا. وقال في رسالة نصية مكتوبة، شبه مازح، «شريط حياتنا عبارة عن 10% أبوة بنَّاءة، و20% تهديدات، و30% رشوة، و50% تلفزيون». وهذا الصديق، بعيدًا عن البحث في كتاب جديد أو قراءة رواية لشكسبير في إحدى الأمسيات، أرسل رسالته النصية بينما كان يشاهد أحدث إصدارات قناة نتفليكس وهو مسلسل الحب أعمى (Love Is Blind).
ويرى الكاتب أنه أثناء فترة الإغلاق العام، اتضح أن الأطفال أشبه ما يكونون بالصمام؛ فهم جيدون جدًّا في زيادة التوتر، برفضهم النوم أو الأكل أو الامتثال لما تقول، ولكن بمقدورهم أيضًا تخفيف الضغط. وربما أكون على أتم الاستعداد لاستخدام طفلي ذريعةً، لكنني لا أشعر أنه يتعين علي التظاهر بأنني سأقرأ الرواية التي طلبتها من على موقع أمازون، ناهيك عن كتابة رواية أخرى.
يكمل الكاتب: أن يكون لدي ابن، يضع أيضًا على عاتقي وعاتق زوجتي مهمة يومية أكثر من كافية في ذاتها، تتطلب جهودًا جماعية، وهي مصدر للمتعة والتسلية؛ وتجعل للحياة معنى. وبدونه، أتخيل أن وتيرة الشجار ستزداد بيني وبين زوجتي؛ محاصرًا بلا وقت أو مساحة واضحين لأختلي بنفسي.
الحياة في فترة الإغلاق أجمل
وأضاف الكاتب: كل صباح الآن، آخذ بيد طفلي الصغير إلى بعض الغابات القريبة لممارسة التمارين الرياضية اليومية. لقد طورنا نوعًا من الروتين – نأخذ قسطًا من الراحة قاعدَيْن على بعض جذوع الأشجار بعد 10 دقائق من المشي ونتناول وجبة خفيفة. وبينما كنت قاعدًا هناك في صباح أحد الأيام، أدركت أن حياتي – على الأقل في تلك اللحظة – كانت أجمل وألطف في فترة الإغلاق منها في غيره.
لم أكن أفعل شيئًا مع ابني، وكانت الطيور تغرد من حولنا، وأشعة الشمس تتدفق عبر الأشجار، وكان معي قارورة من القهوة وبعض الشوكولاتة. وتذكرت حينها أنه لولا فترة الإغلاق العام، لكنتُ على الأرجح مختنقًا على متن قطار متجه إلى محطة تشارونج كروس؛ في الطريق إلى حضور اجتماع أو جلسة إحاطة حكومية. وبدلًا من ذلك، ألعب الآن لعبة الديناصورات مع ابني، ويمكنني أن ألبي نداءه عندما يناديني إذا كنا في «عيد الأم والأب». وأصبح كل يوم في حياتي الآن هو يوم «عيد الأم والأب».
وشدد الكاتب قائلًا: بالطبع، لا شيء مما سبق ذكره يعني أنني أريد استمرار حالة الإغلاق العام. وسوف أقبل، بلا شك، أول عرض يقدم لي لرعاية الأطفال، سواء كان من الأجداد أو من مُربيَات الأطفال، وهو ما لا نستطيع الاستفادة منه في الوقت الحالي. لقد حصل ابني للتو على مكان في دار حضانة في شهر سبتمبر (أيلول)، ويسعدني أن أرى كيف سيكوِّن صداقات جديدة ويتعلم أشياء جديدة. وأقول باستمرار للناس إننا يجب أن نلتقي ولو لمرة بمجرد أن ينتهي كل هذا. وأتمنى لو أحضر حفل غداء طويل دون أطفال مع الأصدقاء أو قضاء أمسية في الحانة. وقبل كل هذا، أتمنى لو كان بمقدوري أن أرى والدايّ.
واختتم الكاتب مقاله قائلًا: لكنني فوجئت بقدر المتعة التي حظيت بها في حياتي أثناء فترة الإغلاق. وسيفتقد جزء مني هذه الفترة الفاصلة الحزينة والغريبة عندما تنتهي. لن أفتقد الموت أو الدمار، ولكني سأفتقد التفكير الهادئ والروتين الجديد. وبالنسبة للعديد منا، قد يكون من المفيد أن نكشف عن الأمور التي نهتم بها حقًا. وسأحاول ألا أنساها بسرعة.

JoomShaper