الأسرة الناجحة هي التي تهتم بصَقْلِ مواهب أفرادها وإبرازها، فأولادنا موهوبون ومتميزون، لكنهم يحتاجون مربِّيًا ينقِّب عن تلك الموهبة وهذا التميز، ولعله من طرق التنقيب عن ذلك هو المسابقات داخل الأسرة على مختلف أنواعها؛ سواء كانت علمية، أو تربوية، أو تجريبية، أو ثقافية، أو غير ذلك مما هو مفيد في هذا الجانب، ولعلي في تلك الحلقة أذكر أنواعًا من المسابقات التربوية التي تساهم في تعديل السلوك، وتزيد في العلم، وتوسِّع مدارك الأولاد، وتبرز مواهبهم، وتكون زادًا لهم، راجيًا من الوالدين الكريمين أن يقوما بتفعيل ذلك على أولادهم؛ فهم الرابحون قبلهم وأن يبذلوا لهم المكافآت على نشاطهم، وليكن بحدود معروفة ومتواضعة، وهذه المسابقات على النحو الآتي:


المسابقة الأولى: يمكن أن نجعل عنوانها (مَنِ الفارس؟ أو مَنِ الفائز؟)، وهي عبارة عن سؤال أسبوعي يُعلَن للأولاد في أول الأسبوع، ثم تُطلَب إجابته مكتوبة مع الاسم في يوم معين من الأسبوع، فتُجمع الإجابات وتُصحَّح، ثم يُكرَّم الفائز؛ إما فوريًّا، أو شهريًّا، أو فصليًّا، ولْيُلاحَظ في هذا النوع من المسابقات ما يلي:
أولًا: اختر الأسئلة فيما يحتاجه الأولاد؛ ليكون تربية لهم، فإذا رأيتهم مخفقين مثلًا في موضوع الصلاة، فاجعل أغلب الأسئلة عنها، وإن رأيتهم لا يصدُقُون الحديث أحيانًا، فاجعل أغلب الأسئلة عن الصدق، وهكذا.
ثانيًا: مما يلاحظ أيضًا في هذا النوع من المسابقات ألَّا تذكر السؤال مجردًا، بل اذكر قبله مقدمة يسيرة، إذا قرأها المتسابق من الأولاد استفاد في تعديل سلوكه، فمثلًا إذا كان متهاونًا في الصلاة، فاكتب مقدمة عن الصلاة؛ كأن تقول: قد أمر الله تعالى ورسوله عليه الصلاة والسلام بالصلاة والمحافظة عليها، وأنها منجية يوم القيامة بإذن الله عز وجل، وأنها ستشهد لك أو عليك، فما هو الدليل على ذلك؟ ونحو هذا من الأسئلة؛ لأنك بهذه المسابقة تعالج سلوكًا خاطئًا.
ثالثًا: مما يُلاحَظ أيضًا في هذه المسابقات أن يكون السؤال موضعَ الحديث في الجلسة الأسرية بعد إعلان النتيجة؛ ليتم العلاج من جميع النواحي، أيضًا مما يلاحظ كذلك أن نطالبهم بأن يكون السؤال والجواب واقعًا عمليًّا لهم فيما بينهم، ومع غيرهم.
المسابقة الثانية: في حفظ شيء من السنة؛ كالأذكار التي تَرِدُ مع المسلم في اليوم والليلة؛ ومنها: دعاء الدخول والخروج من البيت، والمسجد، والدورة، وأذكار الصباح والمساء، وأذكار النوم، وأذكار الصلاة داخلها وبعدها، ونحو ذلك، فيمكن أن تكون المسابقة على هيئة تسميع ومراجعة لهذه الأذكار، مع حَثِّهم على أن تكون واقعًا ملموسًا لهم، فإنك إن حفَّظتهم تلك الأذكار فحفظوها، فإن لك مثل أجورهم؛ فهم صدقة جارية لك، وربما تسلسلت لأولادهم وأصدقائهم ومدارسهم، فيا بشراك حينها! ويكون عليها مناقشة خفيفة من خلال جلسة للأسرة الدورية؛ فسينشأ لنا جيلٌ يعمل بالسنة خلال يومه وليلته، وسيكون ذلك سببًا كبيرًا في صلاحهم وإصلاحهم، وهي محفزة لهم لحفظ غيرها، وقد يتوافق هذا مع مسابقات مماثلة في مجتمعهم ومدارسهم.
المسابقة الثالثة: في قراءة الكتيبات التربوية الهادفة؛ ليتعلموا القراءة، وليكون هناك رصيدٌ ثقافي في أفكارهم؛ فإن إحياء قيمة القراءة غاية في الأهمية؛ فهي توسِّع المدارك، وتعمِّق التفكير، وتحسِّن الأسلوب، وتُكسِب صاحبها العلم، وتُزيل عنه الجهل، وتحسن أخلاقه وتصرفاته، وتُكسِبه الفَهم السريع، والتصرفات الناجحة الصائبة بإذن الله تعالى، إلى غير ذلك من الفوائد العظيمة للقراءة، فمن الممكن أن تكون مسابقة في القراءة على النحو الآتي:
يتم تحديد أربعة كتيبات لأربعة أسابيع؛ بحيث يكون لدى أفراد الأسرة برنامجٌ يسمَّى "كتاب الأسبوع"؛ ففي كل أسبوع يقرؤون كتابًا أو كتيبًا صغيرًا، فستكون النتيجةُ خلال فصل دراسي اثني عشر كتابًا، فمن قرأها كلها، فهو المتصدر في قائمة النجاح، وهذه مرحلة أولى، ويكون مثلها ولكن على مستوًى أعلى نسبيًّا المرحلة الثانية في الفصل الثاني، ثم تُعلَن النتائج نهاية العام، ويتم التكريم، فإن الأولاد إذا حُفِّزوا وشُجِّعوا، تسابقوا إلى ذلك البرنامج.
المسابقة الرابعة: تخصُّ الأخلاق والتعامل الأمثل مع الآخرين، فيمكن للوالدين الكريمين أن يطرحا على أولادهم هذا النوع الاجتماعي من المسابقات، فيوضع لكل واحد منهم قائمة لتصرفاته الإيجابية، وأخرى لتصرفاته السلبية، فكلما عمِلَ عملًا إيجابيًّا، رصد له الوالدان درجة معينة، وكلما عمل عملًا سلبيًّا، رصد له الوالدان خصمًا في درجاته، ثم في نهاية الشهر يستمع الأولاد للنتائج، مع التعليق الهادف والتكريم للفائزين، ثم تبدأ جولة أخرى في الشهر الثاني، وهكذا بقية الأشهر؛ فسيكون في هذه المسابقة إحياءُ كثيرٍ من القيم الإيجابية التي تجعل المجتمع مجتمعًا صالحًا ومتميزًا.
المسابقة الخامسة: وهي مسك الختام في حفظ سور أو أجزاء معينة من القرآن، مع معرفة شيء من تفسيرها، أو بيان معاني كلماتها، كما أنه يتم إرشادهم إلى آلية الحفظ الصحيحة التي من خلالها يثبت الحفظ لدى الحافظ، وهي قائمة على تكرار المقطع المراد حفظه بما لا يقل عن عشرين مرة تلاوة، وعشرين مرة حفظًا؛ ليتأسس الحفظ مع المعاهدة في مراجعته بعد ذلك.
إن التربية من خلال المسابقات الأسرية ميدان رحب وواسع، وممتد ومفيد في آنٍ واحد، خصوصًا إذا صاحبته الجوائز القيمة.
فيا أيها الآباء والأمهات، هؤلاء أولادكم، وهم أقرب الناس لكم، وهم عمركم الثاني؛ فاحرصوا على جوانب التربية كلها؛ فلعلهم يفلحون ويصلحون، أصلح الله لنا نياتنا وذرياتنا، وأعمالنا وأقوالنا وقلوبنا.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

JoomShaper