ربى الرياحي
عمان – قصص كثيرة مؤلمة تدور داخل أروقة منازل، تفتقر في مجملها للحب والانسجام وحتى التواصل السليم بين الزوجين، والأصعب من ذلك وأقسى أن الرابط الوحيد الذي يجمع بين الأب والأم في هذه الحالات هو الأبناء فقط.
برود المشاعر والأحاسيس وتحولها إلى مسؤوليات بحتة هو إنذار صريح يقضي بانتهاء العلاقة الزوجية رغم استمراريتها تحت سقف واحد. تلك الحياة الباردة والمتصحرة تشعر الأبناء بمرارة كبيرة يتجرعونها رغما عنهم وتبقى مرافقة لهم مدى العمر.
غياب الحوار تماما بين طرفي العلاقة والعناد وانعدام التفاهم والاحتواء، كلها أمور تدخل العلاقة الزوجية في غربة حقيقية وتضعها على المحك، ليس هناك ما يسندها أو يحميها من الانهيار سوى وجود الأبناء والحرص على مصلحتهم وإبقائهم بمأمن من الضياع.
كل الحلول لم تكن مجدية في قصة الأربعينية سمر مع زوجها. تقول ظروف كثيرة وقفت ضدها وقيدتها وأجبرتها على أن تعيش الحياة مهمشة حزينة مكسورة لتحمي أبناءها الخمسة وتجنبهم مرارة الحرمان من والدهم.
هي وبعد مرور خمسة وعشرين عاما على زواجها ما تزال حائرة في شكل العلاقة التي تعيشها مع أسرتها فهم ظاهريا وبالنسبة للمحيطين بهم أسرة متماسكة متحابة يسودها الاستقرار والطمأنينة، إضافة إلى النجاح الذي حققوه الأبناء على مستوى الدراسة وتربيتهم تربية سوية تجعلهما كوالدين يفتخران بهم.
وتلفت سمر إلى أن مشكلات كبيرة عصفت بعلاقتها الزوجية منعتها من أن تستمر بشكلها الطبيعي والذي يجب أن يكون قائما على الحب والسكينة والاحترام والتفاهم، مبينة أن التغاضي الدائم عن الزلات والأخطاء حتما سيؤدي إلى التراكمات، وبالتالي إلى الانفجار والتصدع.
تقول منذ أكثر من سبع سنوات انقطعت الأحاديث تماما بينها وبين زوجها، ولم يعد هناك ما يجمعهما سوى أبنائهما واقتصار الكلام على ما يخص مصلحتهم ورغم أن تلك العلاقة لم تكن تعجب الأبناء أبدا إلا أنها في الواقع بقيت مستمرة مع تجاهل متعمد لكل الأسئلة المطروحة من قبلهم، والتي تحمل في مجملها نبرات اللوم والحزن والألم والانكسار. يستنكر الأبناء كل ما يحدث حولهم، رافضين لواقع أسري مرير يظهر خلاف ما يخفي من أحزان وأوجاع وتساؤلات لا تنتهي ولا يجدون لها إجابات تريحهم وتخفف عنهم قسوة ما يعيشونه. لكن وبعد كل شيء اختبرته في هذه العلاقة، اضطرت للبقاء مع زوجها تحت سقف واحد لاحتياج أبنائها لوالدهم وافتقادها للسند من قبل أهلها وعدم وجود أي مؤهلات تمكنها من التقدم لسوق العمل واستنزافها لطاقتها وشعورها بالكبت الدائم خوفا على سعادة أبنائها، ومن أجل أن يظلوا متماسكين قادرين على مواجهة الحياة بقلوب قوية.
سؤال واحد هو ما يشغلها اليوم تكرره على نفسها كلما كانت بمفردها وهو: كيف سيكون شكل علاقتها مع زوجها بعد أن يصبح لأبنائها حياتهم الخاصة ويستقلون عنهما؟ هل ستستطيع أن تكمل المشوار معه للنهاية وخاصة بعد وجود الأحفاد أم ستختار أن تنفصل عنه بشكل رسمي وتواصل طريقها وحيدة؟
يقول المختص الاجتماعي محمد جريبيع: هناك مفاهيم وقيم خاطئة عن مؤسسة الزواج وهذا تحديدا يكون بعد ارتباط الرجل والمرأة ببعضهما فيصبح كل اهتمامهما منصبا على الأبناء وما يخصهم من تفاصيل الأمر الذي يجعل العلاقة ثنائية بدلا من جماعية تشاركية، وبالتالي في هذه الحالة يصعب على الطرفين بناء منظومة أسرية متكاملة قوامها الأمان والدفء والانسجام. كما يقتصر الجهد فقط على الأبناء ومصلحتهم وسعادتهم ومع مرور الوقت يصبح الرابط الوحيد الذي يجمع بين الزوجين هو وجود الأبناء ليس أكثر.
ويضيف أن الأصل في العلاقات الأسرية أن تكون مستندة الى المحبة الخالصة بين جميع الأفراد وأيضا يكون التعاضد والتكامل والتشارك من دعائمها الأساسية حتى تستطيع الصمود في وجه كل المشاكل والظروف الطارئة والصعبة، علما أن “أبناءنا ليسوا لنا هم أبناء الحياة فمن الطبيعي أن يكبر الأبناء ويستقلوا عن آبائهم وأمهاتهم وتصبح لهم حياتهم الخاصة هذه سنة الحياة”.
ويلفت إلى أن العلاقة الزوجية تتأثر كثيرا بخروج الأبناء واستقلالهم في حال لم يكن هناك روابط أخرى تساعدها على الاستمرار. وافتقاد ذلك الشيء بين الزوجين يجعلهما أقرب للوحدة والملل وتصبح الحياة معدومة تماما بين الطرفين.
ويبين أن أكبر خطأ يرتكب في حق العلاقات الأسرية هو خيار الاستمرار رغم وجود الخلافات والشروخ الحاصلة بسبب انعدام التفاهم وفي بعض الأحيان تدخل العلاقة في حالة موت سريري تحتاج لمن ينعشها ويحييها، لكن زواج الأبناء يقضي تماما على هذا الأمل الوحيد في الكثير من القصص.
ووفق رأي جريبيع فان العلاقة الزوجية في الوضع الطبيعي بعد زواج الأبناء يجب أن تكون أقوى وذلك لحاجة الشريكين لبعضهما بعضا فتقدم الرجل والمرأة في العمر مع وجود الأبناء والأحفاد يجعل حتما فرصهم في الزواج الثاني صعبة جدا إن لم تكن معدومة الأمر الذي يحكم عليهم بالوحدة بقية عمرهم في حال قرروا الانفصال رسميا.
ويرى المختص النفسي الدكتور موسى مطارنة أن استمرار العلاقة الزوجية من أجل الأبناء هو ما يطلق عليه مسمى الطلاق الزواجي ويكون ذلك عندما يعيش الزوجان تحت سقف واحد ولا يوجد بينهما أي تواصل وكأنهما أغراب عن بعضهما بعضا، هدفهما من البقاء معا هو في الحقيقة من أجل أبنائهما وحفاظا على مصلحتهم.
ويضيف مطارنة إن انعدام النزاعات والخلافات وخاصة أمام الأبناء وقدرة الأب والأم على ضبط نفسيهما والتحكم بمشاعرهما وانفعالاتهما على الأقل ظاهريا يسهم حتما في تقليل الضغط على الأبناء، لكن في هذا النوع من العلاقات يكون هناك تأثيرات أخرى عميقة وشديدة أيضا تنصب جميعها على الزوجة، فالضرر الأكبر يقع عليها في مثل هذه الحالة لأسباب عدة منها شعورها الدائم بأن أنوثتها تهدر وكرامتها غير مصانة، إضافة إلى مكانتها التي لا قيمة لها.
ويتابع، بأن اجتماع كل تلك المشاعر السلبية داخلها يجعلها متعبة ومرهقة وحزينة تشعر بالمرارة والألم والغصة باستمرار الأمر الذي يؤدي إلى زيادة العصبية لديها وإحساسها بالقلق والتوتر وعدم السعادة طول الوقت وبالتالي طبعا ينعكس ذلك على الأبناء بشكل أو بآخر فتصبح الأجواء العامة في المنزل كئيبة ليس فيها روح خالية تماما من الدفء والأمان.
ويلفت إلى أن الأساس في العلاقات الأسرية هو التفاهم والاحترام فهي تستند في مجملها الى دعائم من الضروري أن تكون قوية متينة كالحب والمودة والرحمة، وهذا كله بالتأكيد يساعدها على التماسك والوقوف في وجه كل الأزمات التي من شأنها أن تعصف بها وتهدد جذورها الطامحة للاستقرار والثبات.