ديمة محبوبة
عمان- لم تتوقع أم سيف أن الفترة التي تواجد فيها أبناؤها في المنزل منذ بدء جائحة كورونا العام الماضي، ستسهم بأن تكون علاقتهم معا أكثر ترابطا وقوة وحبا وتحملا للمسؤولية عما كان عليه الوضع في السابق.
تقول أم سيف إن اضطرارها وزوجها للذهاب إلى العمل كل يوم، وتواجد الأبناء معا في المنزل بحكم التعلم عن بعد، زاد من حس المسؤولية لديهم، وأصبح الكبير يهتم بالصغير، ويتابع معه واجباته المدرسية، ويساعده على فهمها، كذلك الوقوف على احتياجاته.
ذلك، وفق أم سيف، لم تكن تراه قبل؛ إذ كانت العلاقة ندية، وعادة ما تقضي وقتها بحل الخلافات والمشاكل بينهم، غير أنها لاحظت أن الوعي بينهم والشعور بمسؤولية تجاه الآخر أفضل بكثير مما كان من قبل، وأصبحوا يتشاركون نشاطاتهم معا.
منذ بدء جائحة كورونا، وما فرض على المجتمعات من حظر منزلي إجباري، وتحول أغلب الأعمال المكتبية لتصبح عن بعد، واستبدال الدراسة الوجاهية للأطفال لتعلم إلكتروني من المنزل، فإن تواجد أفراد الأسرة معا كان أكبر من أي وقت مضى، ما أسهم بالتقارب أكثر.
ومع عودة الحياة تدريجيا، ومتابعة الأهالي لأعمالهم داخل مؤسساتهم، كان ذلك فرصة أكبر لتعلم الصغار المسؤولية، وأن يساعد الأشقاء بعضهم بعضا سواء في الدراسة ومتابعة الواجبات أو القيام بالأنشطة التشاركية، لتتوطد العلاقات أكثر.
متخصصون يبينون أهمية أن تكون أن علاقة الأشقاء معا مبنية على الود والحب منذ الصغر، لكي تستمر كذلك في مرحلة الكبر، لذا يتوجب على الآباء زرع القيم والأخلاق الحميدة داخل نفوس الأبناء، كي تكون العلاقة قوية ومتينة، لا تغيرها الظروف ولا الخلافات.
اختصاصي علم الاجتماع د.حسين خزاعي، يبين أن جائحة كورونا التي بدأت منذ ما يقارب العام، كانت فرصة حقيقية لتقوية أواصر العلاقات الأسرية والأخوية، مبينا أن الأشقاء عادة تكون المنافسة بينهم عالية بسبب التقارب العمري، وتنافسهم على حب الوالدين، وحب التميز بشيء ما، فضلا عن تفكير الطفل أحيانا بمصلحته الشخصية من دون الالتفات لغيره.
غير أن الظروف التي أوجدها كورونا، وتواجد أفراد العائلة أوقاتا طويلة معا، مكنت الآباء من التفرغ للأبناء ومحاولة استبدال الصفات السلبية بأخرى إيجابية، والتعرف على مواطن الضعف وحتى القوة بنفوسهم، ومحاولة التقريب بينهم، وتعليمهم تحمل المسؤولية تجاه الآخر.
تلك السمات، وفق خزاعي، استطاع الكثير من الآباء أن يزرعوها بالأبناء عبر الأشهر الماضية، لجعل العلاقة بين الإخوة أكثر تماسكا وقوة، إذ يجلسون مع بعضهم بعضا وقتا طويلا، ويتشاركون النشاطات من لحظات الاستيقاظ وبالدراسة وحل الواجبات، وعلى موائد الطعام وحتى في ألعاب الفيديو، إذ إن الوقت الذي كان يقسم بين العائلة والأصدقاء والمدرسة وأحيانا الشارع بات كله بين العائلة والإخوة فقط.
ولجعل العلاقة قوية على الأهل، ينبغي، بحسب خزاعي، الابتعاد التام عما يسمى المقارنة والتمييز بين الإخوة، والعمل على إيجاد نشاطات تجمع بينهم، فيفكرون مع بعضهم بعضا ويصلون لقرارات مشتركة في أمور تخصهم، وفي صالحهم ليتعرفوا على بعضهم بعضا بطريقة أقرب للصداقة.
ويتفق التربوي د.محمد أبوالسعود مع خزاعي، بأن علاقة الإخوة القوية هي نتاج عائلي قوي ومدروس، وبيئة تربوية سليمة تقوم على أسس تسهم بأن يكونوا سندا لبعضهم بعضا الآن وفي المستقبل.
ويؤكد أبوالسعود أن الذكريات الجميلة بين الإخوة تبقى حاضرة حتى في المستقبل؛ إذ يسترجعون أجمل اللحظات التي جمعتهم معا، فكلما كانت علاقة الإخوة مع بعضهم بعضا وطيدة، لن تستطيع الأيام أن تغيرها.
وينصح أبوالسعود الأهالي بتخصيص وقت للجلوس مع الأبناء والاستماع إليهم والتحدث عن أهمية هذه العلاقة، وذكر قصص من التاريخ تدل على قوة الإخوة باتحادهم معا، وبأن يكون كل واحد سندا للآخر يستمد منه القوة.
وعلى الأهل، وفق أبوالسعود، القيام بالأنشطة التي يجتمع بها الجميع، وتقريب وجهات النظر بين الإخوة والأخوات، وفتح باب الحوار بينهم وحل الخلافات بطريقة تربوية صحيحة، لكي لا يحمل أحدهم على الآخر.
ويؤكد أن تحمل مسؤولية الأخ الكبير لشقيقه الأصغر، تجعله أكثر قربا منه، وتحقق ذلك في أزمة “كورونا” عبر مساندة بعضهم بعضا بالدراسة وحل الواجبات، وتقديم العون. ويتوجب على الأهالي تنمية الصفات الحسنة بنفوس الأبناء، فمن أخطأ بحق الآخر عليه أن يعتذر وأن يسامح الآخر، وأن يعبر بمشاعر الحب والود والاحترام، ليبقى ذلك مرافقا لهم في الكبر.