داليا الشيمي
هي أحد آفات الزواج لدى الكثيرين، خاصة حينما تتخطى حدود معينة، ربما تصل إلى تقييد حياة الطرف الأخر واقتحام كل جوانب حياته..
فحتى في العلاقة الزوجية، ورغم وجود هذا الرباط الوثيق، أو كما وصفه رب العزة بالرباط الغليظ، يوجد أيضاً خصوصية، ومساحة لابد أن نسمح لطرفي العلاقة أن يحتفظا بها..
إلا أن هذه الآفة حينما تظهر فإنها تحرم طرفي العلاقة من هذه المساحة، وتلك الخصوصية..
وللأسف هذه الآفة خدعونا من خلال التنشئة الاجتماعية، ووصلوا لنا أنها أحدى وسائل التعبير عن الحب، وصورة من صور التعبير عنه.. وربما أخذنا ذلك بمثابة تصريح بأنها سلوك محمود أو مقبول دون اعتبار للدرجة التي يكون عندها هذا السلوك أو الشعور غير مقبول بل وأحيانا سلوكا مرضيا.. ومشاعر مضطربة غير سوية.. والدرجة التي يكون عندها شعور طيب مقبول . 

لن أحيركم وسأدخل فورا فيما أطلقت عليه أنه خدعة علمونا أنها إحدى وسائل التعبير عن الحب، وشكل من أشكاله.. أو هي إحدى مظاهره .. إنها "الغيــــــــــرة"

فقد اعتاد الكثيرين ومن خلال التنشئة الاجتماعية لأبنائنا غرس هذا الأسلوب اللعين في التعامل مع من يحب ..

وبالطبع تبدأ الغيرة منذ نعومة أظافر الطفل .. حيث لا يقبل أن يشاركه أخر لا في أمه ولا والده ولا لعبته .. فجميعهم حق له .. وله بمفرده .. حتى لو لن يحتاج لهم في الوقت الحالي فيبقوا في مدخراته حتى يحتاج لهم ..

والأسرة بطريقتها وأسلوبها.. قد تزيد من هذا الأسلوب وتجعله منهج حياة.. وقد تعدله وتغيره.. ليقبل الطفل بالأخر مشاركا له في حياته ..

وبالطبع تقع الكارثة حينما يستمر هذا الأسلوب أو لنقل الطابع لدى الشخص حتى حينما يكبر وينضج.. ولكي نصبغ الأمر بشيء من المشروعية والمقبولية الاجتماعية ويكون شيء مقبول.. نبدأ في وصفه بالنخوة.. والرجولة لدى الرجل.. ونصفه بالحب والعاطفة الجميلة إن ظهر من المرأة..

وللأسف.. حينما يظهر هذا الأسلوب.. فإنه يبعد الحب .. وربما يقتله، خاصة حينما يتجاوز الحدود المعقولة (وهو كثيراً ما يصل إلى ذلك) لنجد أنفسنا أمام شكل من أشكال الملكية الآدمية ..

وتشعر المرأة مع الزواج أنها ملكت الرجل.. والعكس.. وهنا يكون عليهما أن يتوقفا عن الحياة .. فلا هو في حياته غيرها .. ولا هي في حياتها غيره .. وبالطبع أقصد هنا حتى التخلي عن الأشخاص الذين لا يمثلون خطرا فعليا على الحياة مع هذا الشريك ..

مثل أمه وأخته.. وصديقتها وجارتها.. وكأن كل واحد منهما بعد الزواج قد ألت ملكيته للأخر ...

الحقيقة.. أن الشخص الذي يغير لهذه الدرجة سواء رجل أو امرأة يحمل اضطراب نفسي .. أو لنقل اضطراب ما في الشخصية .

يبقى علينا أ ننبه إلى .. أن بعضا من الغيرة قد يكون مطلوب.. لتوصيل فكرة للشريك أنه مهم.. ولكن الحقيقة الأخرى.. أن من يحب شخص.. يحب أن يحبه الجميع.. وتكون علاقته جيدة بكل المحيطين.. فكلنا نتحرك في دوائر يفرغ كل واحدة منها على الأخرى..

ولا يمكن أن نعيش في جذر معزولة.. يحتكر فيها كل شخص الشخص الأخر الذي ارتبط به في أي نوع من العلاقات...

الغيرة المرضية لا يمكن تسميتها إلا بالمرض.. فهي ليست رجولة.. ولا نعومة.. ولا هي إحدى وسائل الحب السوي ..

حب من تحب.. ودع الأخريين يحبونه.. اعلمه في دلال أنك تخشى عليه من الأخريين .. لكن لا تضع ذلك حبلا يخنقه.. لا تربطه بخيط تجعل كل همه في الحياة أن يقطعه .. فالإنسان خلق ليكون حراً .. وإلا ما كنا الكائن الوحيد الذي لا يوضع في قفص .. حتى لو كان ذهباً !!!

 

عين على بكرة

JoomShaper