فريق العمل
«عادة ما أشعر أني خفيفة قادرة على أن أطير وأنا مستقرة فى مقعد أقرأ رواية ممتعة. حين أشعر بنفسي ثقيلة أعرف أني على مشارف نوبة جديدة من الاكتئاب». *رضوى عاشور – رواية فرج
ليس ثمة مقدمات، يأتي الأمر فجأة وقد لا يتم الانتباه له أصلًا، لكن المعاناة الناتجة عنه ليست هينة أو قابلة للتجاهل، وسط سيل الطلبات اليومية والمهام الضرورية، والواجبات التي لا ينوب عنها أو فيها أحدهم، يتحول اكتئاب الأمهات إلى مجرد رفاهية، بل إلى مجرد مقدمة لما هو أسوأ.
الاكتئاب عدو النساء ورفيقهم الحاضر دائمًا
أعداد إصابة السيدات بالاكتئاب ملفتة، فمثلًا، يصيب الاكتئاب واحدة من كل 10 سيدات في الولايات المتحدة الأمريكية وحدها، ربما الوضع ليس أفضل حالًا في الوطن العربي. فبحسب إحصائيات البنك الدولي: «يعد الاكتئاب من الأسباب الرئيسية للمرض بين النساء في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وتُصنف المنطقة في المرتبة الأولى عالميًّا من حيث معدلات إصابة النساء بالاكتئاب. فسبع من بين الدول العشر الأولى عالميًّا من حيث إصابة النساء بالاكتئاب؛ في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وتذكر تقارير أن النساء في الفئة العمرية 15-49 عامًا هن الأكثر تأثرًا».
تحكي ندى عادل، من مصر، والتي جرى تشخيصها مؤخرًا بـ«اكتئاب حاد» قصة زيارتها الأولى لعيادة الطبيب النفسي: «لم أكن أرغب في القيام من السرير، لكنني يجب أن أفعل، تتحول الخطوات القصيرة بين غرفة نومي والمطبخ إلى مشوار طويل، أنجزه بعسر لأبدأ في تحضير وجبات الفطور للأطفال قبل ذهابهم إلى المدرسة بتثاقل، يبدو الأمر كجبل، أجدني أبكي دون سبب معين، ضيق عارم في صدري، كأن حجرًا على قلبي».
تتابع ندى (أم لطفلين): «يحدثني طفلاي لكني لا أنصت، يحاولان لفت نظري فأصرخ في وجهيهما، أنا غاضبة ومحبطة وحزينة جدًا، أسير بصحبتهما إلى المدرسة كالآلة، لا أعي ما يقوله الطفلان ولا أحتمل أصوات السيارات المارقة إلى جوارنا، كأنها تصرخ في عقلي بأبواقها، أنهي مهمتي البسيطة الثقيلة وأعود وأنا أبكي، أحاول إخفاء دموعي دون جدوى، يسألني البائع أسفل منزلي عمن آذاني فلا أستطيع الرد. عند هذه اللحظة تسمرت وأدركت أنني بحاجة إلى طبيب نفسي فورًا. ليس خوفًا على نفسي ولكن خشية من الضرر الذي قد ألحقه بأطفال».
اكتئاب الأمهات يختلف
«ليس ثمة شيء جيد يمكن أن يقال عن الاكتئاب سوى أنه يعطيك خبرة عن كيفية أن تكون عجوزًا. عجوزًا ومريضًا، ومشرفًا على الموت، وبطيء التفكير، ونكِدًا، ومفتقدًا النعمة الإلهية، والتهذيب، وتناسق العضلات» – *كي ريدفيلد جايمسون، كاتبة وطبيبة نفسية
في الواقع تتمتع الأمهات بوضع خاص مع الاكتئاب، فإذا نجت الواحدة من نوع لم تسلم من الآخر، إذ تصاب السيدات بخلاف النوعين الشهيرين الاكتئاب السريري والاكتئاب الموسمي، بأنواع إضافية مثل:
اكتئاب ما قبل الحيض، وهو اضطراب مزعج يحمل اسم متلازمة ما قبل الحيض (PMS) والتي تصيب السيدات في الأسابيع التي تسبق الدورة الشهرية.
اكتئاب الحمل.
اكتئاب ما بعد الولادة.
اكتئاب ما قبل انقطاع الطمث ويشمل التهيج والقلق والحزن وفقدان المتعة.
في تلك الحالات جميعا تعاني السيدات من الأعراض الشهيرة للاكتئاب، والتي تختلف في عدد مرات ظهورها ومدى استمرارها وكذلك مدى شدتها وتشمل:
مزاج حزين أو قلق أو فارغ.
مشاعر يأس وتشاؤم.
الشعور بالذنب أو انعدام القيمة أو العجز.
الشعور بالتهيج أو القلق.
فقدان الاهتمام بالهوايات والأنشطة.
فقدان الطاقة.
مشاكل التركيز واستدعاء التفاصيل واتخاذ القرارات.
صعوبة النوم أو كثرة النوم.
الإفراط في الأكل أو فقدان الشهية.
خواطر انتحار أو محاولات انتحار.
الأوجاع والآلام التي لا تتحسن بالعلاج.
البكاء أكثر من المعتاد.
مشاعر الغضب.
الانسحاب من الأحباء.
الشعور بالخدر أو الانفصال عن أطفالك.
لكن اللافت أنه وعلى الرغم من تشابه أعراض الاكتئاب بين الرجال والسيدات، فإن الأعراض تظهر لدى النساء بصورة أقوى وأكبر!
لماذا لا يجب أن تكتئب الأمهات؟
«يقولون: إن المرض الوحيد الذي يصحو فيه المريض مرهقًابعد نوم تسع ساعات كاملة هو الاكتئاب. كل الأمراض الأخرى – بما فيها الدرن والسرطان – يصحو مريضها من التوم أفضل حالًا». * د. أحمد خالد توفيق
تحكي كيبمرلي زاباتا، وهي زوجة، وكاتبة وعداءة، أنها عاشت باعتبارها أمًّا مكتئبة 19 عامًا من عمرها، تقول «لقد ترك الاكتئاب أثره علي بعدة طرق عديدة، فاتني بسببه العديد من اللحظات السعيدة والذكريات الخاصة مع أطفالي، التي غالبًا ما أكون حاضرة خلالها جسديًّا لكنني غائبة عاطفيًّا. عشت السنة الأولى من بعد ولادة ابني كأنني أرى الدنيا من خلف زجاج سميك، الذكريات ضبابية وغير واضحة.
وتضيف كيم في شهادتها: «في بعض الأيام أكون حاضرة ومستمتعة أرقص في المطبخ ومع ابنتي وأغني في الحمام، وأيام أخرى ما زالت ضبابية»، ربما لهذا يقول الدكتور خليل فاضل، استشاري الطب النفسي وزميل الكلية الملكية للطب النفسي، في الصفحة رقم 155 من كتابه «ضد الاكتئاب»: أن «الاكتئاب مرض مزعج، يُعَد الوقت الذي يعاني فيه الإنسان منه وقتًا ضائعًا من عمره، ونسميه في لغة الطب الحديث سنوات العمر الضائعة».
لكن يبدو أن السنوات الضائعة لا تضيع من حياة الأم وحدها، لكنها تذهب أيضًا من حياة أطفالها، ويتضح هذا بجلاء من خلال الدراسة التي أعدتها ميجان سميث، المدير المشارك لمركز الأبوة والأمومة في مركز دراسات الطفل بجامعة ييل، حيث يشكل اكتئاب الأمهات أو أحد الوالدين عامل خطر رئيسي للصعوبات في حياة الطفل، ففي الوقت الذي يعطل فيه الاكتئاب قدرة الوالدين على العمل والاندماج في المجتمع، يتشكل تصور الطفل وتجربته حول العالم داخليًّا وخارجيًّا من خلال اكتئاب الوالدين.
تقول سميت: «وجدت أن الأمهات المكتئبات يستخدمن عاطفة وتعبير أقل في لغتهن مع أطفالهن كما أنهن يستخدمن تواصلًا بصريًّا أقل». يتعاظم الأثر شيئًا فشيئًا مع تأثير الاكتئاب في أنشطة الأبوة والأمومة اليومية مع الأطفال، فنشاط بسيط مثل قراءة القصص، لن يتمكن الشخص المكتئب من الحكي، وإن اضطر لذلك فلن يجتهد في تنويع صوته.
دعك من هذا، لأمر أخطر وهو الانعزال، حين ينعزل الشخص المكتئب ينعزل معه أبناؤه عن العالم، إذ تربط الدراسات بين اكتئاب الوالدين ومجموعة واسعة من الصعوبات التي يعاني منها الأطفال، يمتد بعضها مدى الحياة. إذ يقصر الآباء المكتئبون في أداء بعض الأمور الضرورية للحفاظ على سلامة أطفالهم وصحتهم مثل استخدام مقعد السيارة أو الحصول على التطعيمات.
وقد وجدت الدراسات أيضًا أن أداء الأطفال في سن المدرسة لآباء مكتئبين لا يكون جيدًا أكاديميًّا، كما أنهم يكونون أكثر عرضة لمشاكل السلوك وتكون صحتهم العامة سيئة. وذلك أن الأمهات المكتئبات لا يستجبن جيدًا لأطفالهن، ولا يلحظن إشارات مثل البكاء أو الاتصال بالعين أو الايماءات، من جانب أطفالهن!
خط الرجعة.. لا يزال ممكنًا
«أكره مرض الاكتئاب بنفس القدر الذي أحب به مريض الاكتئاب، فهو أرق الناس وأصفاهم وأصدقهم». * د. عادل صادق – حكايات نفس
الاكتئاب ليس ذراعًا مكسورة يجري تجبيرها فتشفى، لسوء الحظ ليس ثمة كتالوج واضح لعلاج الاكتئاب، يحتاج البعض عدة أسابيع ويحتاج آخرون إلى ربما سنوات، كما أنه في حوالي 20% إلى 30% من الأشخاص الذين يعانون من نوبات الاكتئاب لا تختفي الأعراض تمامًا، الأسوأ أنه عقب سنوات طويلة من الاكتئاب لا يذكر المرء ما هو الشعور الطبيعي أصلًا!
الخبر الجيد أن العلاج يساعد في الشعور بالتحسن، لكن الوعي يساعد في الوقاية من الانتكاس عقب الشفاء، بحسب موقع «ويب ميد»، فإنه من المفيد أن يعرف المرء الأوقات التي يكون فيها أكثر عرضة للخطر، وأن يعرف أيضًا كيفية الحصول على المساعدة في أقرب وقت للتحسن بشكل أسرع، وينصح الموقع الطبي بعدم الرضا عن التحسن المؤقت دون الحصول على علاج.
هل النساء أكثر عرضة للاكتئاب من الرجال؟
في الصفحة رقم 125 من كتابه «الاكتئاب: اضطراب العصر الحديث فهمه وأساليب علاجه» يقول الدكتور عبد الستار إبراهيم «إن المكتئب يبقى مكتئبا حتى بالرغم من إنجازاته الشخصية، وأن إنجازاته الشخصية ومهاراته لا تكفي وحدها لتحريره من الاكتئاب».
ويمكن القول بأت اكتئاب الأمهات، عادة ما يحتاج إلى حل ناجز، وتظهر الأبحاث أهمية العلاج المعرفي السلوكي في علاج الاكتئاب، حيث يتحدى ذلك النوع من العلاج أنماط التفكير السلبية وغير المنتجة والتي تعزز الاكتئاب، وتساعد الناس على إعادة صياغتها بطرق أكثر إيجابية وإنتاجية.
وتقول الطبيبة سميث: «العلاج المعرفي السلوكي هو أحد أكثر أشكال العلاج النفسي فعالية لأنه يركز على بناء المهارات حول إدارة الأفكار والسلوكيات» وقد تتضمن مناهج العلاج التي تستخدم عند الضرورة، جلسات مع الوالدين والطفل معًا، وتركز على مساعدة الوالد على تعلم بناء الارتباط بحيث يكون أكثر حساسية لإشارات الطفل، والتواصل بشكل أفضل معه.