سارة سعد العبسي
إلى تلك الفتاة التي تموت في الدقيقة ألفًا لا بسبب فقدان الأب، بل بسبب وجوده!!
ربط الله على قلبك، وعظَّم الله أجرك.
إلى أولئك الدعاة الذين تحدثوا كثيرًا عن عقوق الأبناء للآباء: أين أنتم من عقوق الآباء للأبناء والبنات على وجه الخصوص؟!
أين أنتم ممن يُتموا وهم في حياة أبيهم؟
كلنا يعرف أن اليتيم هو الذي فقد أباه قبل سن البلوغ، وكم هو مؤلم أن يفقد الطفل أباه في هذه السن الصغيرة!
فالأب سند وصمام أمان للأسرة، لكن لعل لليتيم سلوة فيما يعانيه، عندما يتذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولد يتيمًا.
لكن أين سلوة الأيتام في حياة آبائهم؟!
أين نحن ممن يتموا معنويًّا؟
نعم، هناك من يتموا معنويًّا وآباؤهم على قيد الحياة، ولن يشعر بمرارة هذا إلا من عاشه وذاق آلامه.
أن تكون الابنة يتيمة في حياة أبيها، وأن يتحول الأب من صمام أمان للأسرة إلى أب يهدد استقرارها، ويهدد صحتها النفسية؛ فقط لأن لديه بنات.
كم من فتاة هربت من بيت أبيها بسبب اضطهادها، أو بسبب سوء المعاملة، أو الإجبار على الزواج بمن لا ترضاه أو منعها من الزواج أصلًا!
وهذا الأب الذي يسبب المشاكل في بيته ليلَ نهارَ، ودون أي مبررات، وذاك الأب الذي يكره بناته فقط؛ لأنهن بنات، ويشعرهن أنهن عالة عليه، وذاك الذي يفضل الصبيان على البنات، بل ويظلمهن، ذاك الأب القاسي الذي انتزعت الرحمة من قلبه ويضرب بناته.
لكل الآباء الذين ما أخذوا من الأبوة إلا اسمها:
ستقفون بين يدي الله وتُسألون، لا عن طعام بناتكم، ولا عن ملبسهن ومسكنهن، وحسب، لا والله، بل ستُسألون عن ذلك الخراب الذي أودعتموه في قلوبهن، ستُسألون عن تلك الأيام التي مرت عليهن عجافًا، وبدل أن تكونوا جرعة أمل، كنتم جرعات ألم، ستُسألون عن تلك اللحظات التي مرت عليهن وقد تمنَّوا أن لو كنتم ترابًا.
نفسية بناتكم المحطمة في ميزان سيئاتكم.
البر ليس فقط على الأبناء، بل على الآباء كذلك.
يا أيها الآباء، لا تظلموا البنات وأكرموهن يكرمكم الله.
بالله عليكم؛ ألم تسمعوا قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((من عَالَ جاريتين – بنتين - حتى تبلغا، جاء يوم القيامة أنا وهو وضم أصابعه))؛ [رواه مسلم].
يا من أكرمك الله بالبنات، اتق الله فيهن؛ ليكُنَّ سترًا لك من النار؛ فعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ليس أحد من أمتي يعول ثلاث بنات، أو ثلاث أخوات، فيحسن إليهن، إلا كُنَّ له سترًا من النار))؛ [رواه الطبراني، وصححه الألباني].
أما بلغكم قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((من وُلدت له ابنة، فلم يئدها، ولم يُهِنْهَا، ولم يُؤثِر ولده عليها - يعني: الذَّكَر - أدخله الله الجنة))؛ [رواه أحمد وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي، وحسنه الشيخ أحمد شاكر].
وقفة مع أنفسكم: حاسبوها قبل أن تحاسبوا بين يدي الله على ما قدمتم لبناتكم من عقوق وقسوة.
أولئك البنات المستضعفات مَن يحنو عليهن، إذا قسا الأب عليهن؟
من يشعرهن بالأمان والاحتواء؟ من يعطف عليهن؟ من يسد مكان الأب الحاضر الغائب؟ أو لربما كان غيابه رحمة!!
ستُسألون أمام الله عن تسلطكم عليهن.
ستُسألون أمام الله عن رعيتكم.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته؛ فالأمير الذي على الناس راعٍ، وهو مسؤول عن رعيته، والرجل راعٍ على أهل بيته، وهو مسؤول عنهم، والمرأة راعية على بيت بعلها وولده، وهي مسؤولة عنهم، والعبد راعٍ على مال سيده وهو مسؤول عنه، ألا فكلكم راعٍ، وكلكم مسؤول عن رعيته))؛ [متفق عليه].
رعاية البنات ليست فقط بالطعام والشراب والملبس، بل بحسن المعاملة وسماعهن ومشاورتهن، والتلطف معهن، والقيام على شؤونهن، وحماية صحتهن النفسية من كل شائبة.
لكل أبٍ، كن سندًا لابنتك، واعلم أن رزق الله لك بالبنين أو البنات نعمة، طالما تمناها من حرم منها، فلا تكن أبًا ظالمًا.
لا تجعلوا أبناءكم يتمنون آباء غيركم.
اتقوا الله في رعيتكم، واسألوا الله العون عليها.