عدنان بن سلمان الدريويش
إن الله تعالى لم يخلق شيئًا إلا وفيه نعمة، فلولا أن الله خلق العذاب والألم لما عرف المتنعمون قدر نعمة الله عليهم، ولولا الليل لما عُرف قدر النهار ولولا المرض لما عُرف قدر الصحة والعافية.
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ـ قال: قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم: (ما يصيب المسلم من نصبٍ ولا وصب، ولا هم ولا حزن، ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه)؛ رواه البخاري، وهذا الحديث فيه دليلٌ على أن المرض النفسي كالمرض البدني في تكفير السيئات؛ لأن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال في الحديث: (ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب)، والنصب هو التعب، والوصب هو المرض، وهذه أشياء بدنية، ثم قال: (ولا هم ولا حزن.. ولا غم)، وهذه أشياء نفسية، فالهموم والأحزان والغموم، وهي أشياء نفسية يكفر الله عز وجل بها من الخطايا والذنوب كالأمراض البدنية.
ومعاناة الأسرة لا تقل عن معاناة المريض، وقد تزيد في بعض الحالات، فبعض الأمراض تسبب ألَمًا فظيعًا لصاحبها وللزملاء والأسرة والجيران، حياتهم تتغير وتختفي مع المرض، فبعد أن كانت الأسرة تنعم براحة البال والهدوء النفسي والاستقرار العائلي، حل مكانها الشقاء والتعب والخوف والقلق والتفكير في إيجاد الحلول للمرض، فهي تستسلم للمرض وتعزل نفسها عن المجتمع، فلا زيارات ولا أسواق ولا مناسبات، فقط تنقلات من مستشفى إلى آخر.
تقول ياسمين: ابني سيف الذي رزقني الله إياه بعد 7 سنوات، كان حلمي وأملي بالحياة، لكن منذ ولادته وهو يعاني الضعف المستمر وصعوبة في التنفس، ذهبنا به للكثير من الأطباء في محاولة لمعرفة المشكلة وأسباب المرض المتزايد، عرفنا بعدها أنه يعاني من متلازمة شون وهو مرض خلقي نادر في القلب وعيوب في البطين الأيسر من قلبه، كنت والله راضية بما كتبه الله لابننا، وكان الخوف والقلق دائمًا معي بشكل كبير في كل مرة يخضع ابني لعملية جراحية، جميع العمليات التي خضع لها ابني كانت خطيرة ومستحيلة في بعض الأوقات، خاصة أنه كان صغير العمر، ونسبة النجاح لا تتعدى الكثير، أنظر للمستقبل بشكل مختلف وأمل وتفاؤل، ابني هو مستقبلي وسأفعل الكثير من أجله؛ كي يعيش بصحة جيدة وحياة طبيعية وسعيدة ومنتجة، معتمدًا على الله ثم على نفسه.
يا إخواني، ويا أخواتي، المرض لا يَسْلم منه بشر، ولا ينجو منه أحد، وهو يختلف من شخص لآخر، ومن مرض لمرض، فما على المسلم إلا أن يصبر على ما أصابه، ويضع نصب عينيه الجزاء العظيم للصابر على مرضه، ويطلب علاجه عبر الوسائل المشروعة، ويسأل الله دائمًا العفو والعافية، فعن أم العلاء رضي الله عنها قالت: عادني رسول الله وأنا مريضة فقال: (أبشري يا أم العلاء، فإن مرض المسلم يذهب الله به الخطايا، كما تذهب النار خبث الذهب والفضة)؛ [أبو داود وحسنه المنذري].
أيها الأخ الكريم، العافية للمؤمن خيرٌ من البلاء والمرض، ولذلك فلا يجوز للمسلم أن يتمنى المرض؛ لأنه قد يُبتلى بما لا يطيقه، وقد لا يستطيع الصبر عليه، فيتسخط من قدر الله ـ سبحانه ـ بل ربما ساقه ذلك البلاء إلى الكفر والعياذ بالله، وقد علمنا النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن نسأل الله ـ تعالى ـ دائمًا العفو والعافية، وكان من مشهور دعائه ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (اللهم إني أعوذ بك من البرص والجنون والجذام وسيئ الأسقام)؛ رواه الترمذي.
أسأل الله أن يُبعد عنا وعنكم سيئ الأمراض، وأن يجعل بيوتنا عامرة بالطاعة والعمل الصالح وحسن الخلق، وأن يصلح لنا ولكم الذرية، وصلى الله على سيدنا محمد.