إدلب (سوريا) - في قرية أزامارين، قرب الحدود مع تركيا، يحكي منتصر غنام عن أطفاله الثلاثة، الذين نجوا بعدما ضرب الزلزال القرية، ولكنهم يعانون مما يعرف باسم "متلازمة السحق"، بسبب الزلزال. وتعني متلازمة السحق انسحاق عضلات الجسم تحت ضغط خارجي هائل، مما يؤدي إلى تدمير خلايا عضلات الأطراف، وهو ما يسبب ألما شديدا، كما يمكن أن تتلف أيضا أعضاء الجسم مثل الكلى.
وقال غنام الذي يقيم في ريف مدينة إدلب لوكالة الأنباء الألمانية "لا يزال أطفالي الثلاثة الذين يعانون من متلازمة السحق، يتلقون العلاج حتى يومنا هذا، وهم يعيشون في حالة من الخوف الدائم،
فعندما يسمعون صوت المطر أو الرعد أو الرياح القوية، ينتابهم البكاء، ويريدون مغادرة المنزل الذي نعيش فيه، والفرار إلى مخيم قريب حيث لا تزال لدينا خيمة داخله".
ومثل العديد من الناجين، تم إنقاذ أبناء غنام الثلاثة، محمد (6 سنوات) وعلاء (9 سنوات) ومصطفى (17 عاما)، من تحت الأنقاض، وقد أصيبوا بجروح خطيرة في سيقانهم. وأضاف غنام "فقدت ابنا واحدا في الزلزال، والآن أرى أطفالي الثلاثة الآخرين، يعانون أمام عيناي". وتابع في أسى "يعيش أبنائي في خوف وألم دائمين". ويواجه الأطفال في شمال غربي سوريا مخاطر متعلقة بالحماية بشكل خاص، بعد وقوع الزلزال لأسباب عدة، ويمثل التشتت الأسري أحد أكثر هذه المخاطر قوة، وفقا لما تقوله لورينا نيتو منسقة مجموعة الحماية، بالمفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة لوكالة الأنباء الألمانية أثناء زيارة لمنطقة الشمال الغربي من سوريا.
وأعربت نيتو عن قلقها إزاء أن الأطفال وجدوا أنفسهم فجأة بعد أن فقدوا آباءهم، مسؤولين عن رعاية أشقائهم الأصغر سنا، وأيضا أفراد الأسرة الأكبر سنا. وأوضحت نيتو "لدينا الآن أطفال صاروا أرباب أسر، ويعتنون بالمسنين، وكذلك بالأطفال الآخرين في منازلهم، ويضاعف هذا الضغط الإضافي من معاناة الأطفال، الذين يعانون بالفعل من صدمات نفسية في شمال غربي سوريا.
وتشير تقديرات المرصد السوري لحقوق الإنسان، إلى حدوث نحو 6800 حالة وفاة بسبب الزلزالين في سوريا، كما أصيب أكثر من 11 ألف شخص، وأثر الزلزال سلبا على 8.8 مليون سوري، وفقا لتقديرات الأمم المتحدة. واضطر الآلاف إلى الرحيل عن بلداتهم التي كانوا يعيشون بها. وسبب الزلزالان مزيدا من البؤس للشعب السوري، الذي يعاني بالفعل من ويلات حرب أهلية دموية، مستعرة منذ عام 2011،أسفرت عن مقتل أكثر من 300 ألف شخص. وضرب زلزالان بقوة 7.7 و6.7 على مقياس ريختر، منطقتي جنوب شرقي تركيا وشمالي سوريا، في السادس من فبراير 2023، مما أسفر عن وفاة نحو 60 ألف شخص. وكانت "الطفلة المعجزة" التي ولدت تحت الأنقاض، الناجية الوحيدة من بين أفراد أسرتها وقد بلغت العام الأول من عمرها الآن، وهو اسم والدتها الراحلة.
وعندما انتشل رجال الإنقاذ الرضيعة من تحت أنقاض منزل أسرتها ببلدة جنديرس، وجدوا جسمها الهش وقد أصيب بكدمات، وغطته الأتربة، ومن الغرائب أنهم اكتشفوا أنها كانت لا تزال متصلة بأمها التي فارقت الحياة، بالحبل السري. وبعد مرور سنة على الحادث الأليم، تعيش الصغيرة عفراء مع خالتها هالة وزوجها وأبنائهما السبعة. ويقول زوج خالتها خليل سوادي الذي أصبح بمثابة الأب للصغيرة عفراء، إن عيد ميلادها بدلا من أن يكون "ذكرى جميلة لها ولنا. سيظل يذكرنا على الدوام بالأهوال التي كابدناها، وبأفراد عائلتنا الذين فقدناهم".
وتعهد سوادي، الذي كفل للرضيعة كل أسباب الحماية والرعاية، بأن يمنحها كل الحب والرعاية الممكنة، بعد أن فقدت كافة أفراد أسرتها رغم التحديات والمصاعب التي تشكلها حالة الحرب التي يعيش في ظلها. وقال سوادي لوكالة الأنباء الألمانية "أعاملها كواحدة من أبنائي، ونعطيها أنا وزوجتي وأطفالي كل الحب الذي تستحقه". وأضاف "نأمل أن نتمكن من منح عفراء ما يكفي من الحب، ما يعوضها عن فقدان أسرتها، التي لم تعد تستطيع أن تشعر بحبها أبدا".
ويعتقد أن أم عفراء فارقت الحياة تحت الأنقاض، بعد وقت قليل من ولادة الصغيرة، كما توفى في الكارثة والدها وأربعة أشقاء لها. وتابع سوادي "لا يزال أطفالي الأكبر سنا يعيشون حتى اليوم في حالة من الخوف من وقوع زلزال آخر، ويشعرون بالقلق من احتمال وفاة أعضاء آخرين من العائلة، أو من أن يفقدوا أبويهما كما حدث مع عفراء". ومن المستحيل أن تتذكر عفراء ما مرت به تحت الأنقاض، بينما يوجد أطفال كثيرون آخرون لا تزال تضج مضاجعهم كوابيس ما عايشوه من رعب في ذلك اليوم.