فريدة أحمد
ينظر البعض إلى الزواج الثاني على أنه انتصار للأمل على التجارب السيئة، إلا إن احتمالات فشل هذا الأمل قد تكون مرتفعة في بعض الأحيان.
يقول المنطق إن فرص نجاح الزواج الثاني بعد الطلاق، لا بد أن تكون أعلى بالنظر إلى اكتساب صاحبها النضج والخبرة الكافية من تجربته الأولى، إلا إن الإحصائيات تخالف المنطق في بعض الحالات، فهل كُتب على الزواج الثاني الفشل فعلا؟ وهل من سبيل إلى إنجاحه؟
في الولايات المتحدة – على سبيل المثال -، تنتهي نصف حالات الزواج الأول بالطلاق، بحسب مكتب الإحصاء الأميركي. واللافت أن الزواج الثاني والثالث يفشلان بمعدل يتجاوز الـ65%.
ولا يقتصر الأمر على الولايات المتحدة، حيث تشهد الدول العربية نسب طلاق مرتفعة، ففي مصر، تجري 240 حالة طلاق يوميا، بحسب بيانات مركز معلومات مجلس الوزراء، محتلة بذلك المركز الثاني بين الدول العربية، تسبقها الكويت بنسب طلاق تصل إلى 48% من إجمالي عدد الزيجات، حسب إحصاء نشرته وزارة العدل الكويتية.
وفي المركز الثالث والرابع، تأتي كل من الأردن وقطر، وقد ارتفعت بهما نسب الطلاق إلى 37.2% و37% على الترتيب.
ولأن تجربة الطلاق والوحدة قد تكون مؤلمة، فإن الكثيرين يندفعون لخوض تجربة جديدة، فينتهي الأمر بـ70% ممن جرّبوا الطلاق إلى الزواج مرة أخرى في مرحلة ما من حياتهم، بل ويعود 30% منهم للارتباط خلال عام واحد فقط من الانفصال.
ينصح خبراء العلاقات بأخذ الوقت الكافي للتعافي من الطلاق قبل خوض تجربة زواج جديدة (بيكسلز)
ما أسباب فشل الزواج الثاني؟
يلفت الطبيب النفسي الأميركي لاري إف. والدمان مؤلف كتاب "كيف تجعل زواجك يعمل بشكل أفضل؟" (How to Make Your Marriage Work Better)، إلى أن الشخص الذي يقدم على تجربة الزواج الثاني يكون عادةً أكبر سنا وأكثر حكمة ونضجا، فيتعلم من أخطائه السابقة، ويعرف بشكل أفضل ما يريده وما يحتاجه في الشريك.
لذلك، افترض والدمان أن تكون معدلات الطلاق في حالات الزواج الثاني أقل بكثير من معدلاته في الزواج الأول وفقا للمعطيات السابقة. لكنه عاد وقال في مقال منشور على موقع مؤسسة "فايند سيكولوجيست"، إنه "رغم توقعاتنا المنطقية، فإن البيانات والإحصاءات، أثبتت أن معدل الطلاق في الزيجات اللاحقة أعلى بكثير من معدل الزواج الأول".
وأرجع والدمان أسباب فشل الزواج الثاني إلى بعض العقبات التي لم يواجهها الزواج الأول بالضرورة، وتشمل:
المال: يعد المال مشكلة كبيرة للعديد من الأزواج، لكنه يصبح أكثر إزعاجا في الزيجات الثانية، بسبب إعالة الأطفال من الزواج السابق، أو دفع نفقة الزوجة السابقة (التي تلزم بها قوانين بعض الدول).
الأطفال: إحدى القضايا المثيرة للخلاف في الزواج الثاني هي الأطفال من الزواج السابق، فقد لا يتقبل الشريك -سواء كان رجلا أو امرأة- تربية وإعالة أبناء الطرف الآخر، أو يتعامل معهم بطريقة غير جيدة.
الاستياء من الشريك السابق: عدم التحرر تماما من العلاقة السابقة وسيطرتها على التجربة الجديدة، ويظهر ذلك في استمرار المشاعر -حتى وإن كانت سلبية-، ومقارنة المواقف مع الشريك الجديد وإظهار رد فعل كبير إذا تعامل أحيانا، بطريقة تشبه التي كان يتعامل بها الشريك السابق.
التسرع: بعد انتهاء الزواج الأول، يشعر البعض بالألم أو الفشل أو الإهانة، فيحاول تعويض ذلك سريعا قبل أن يتخلص من التجربة السابقة وتأثيرها، أملا في الحصول على بداية جديدة مشبعة عاطفيا ونفسيا. فالتسرع من علاقة إلى أخرى دون وقت كاف للتعافي واستكشاف العلاقة الجديدة بشكل كامل، قد يضعها في ورطة سريعا.
اللاوعي: عدم الشفاء من التجربة الأولى والتسرع في الارتباط الثاني قد يؤدي إلى فشل آخر. إذا انتهى الزواج، يميل الطرفان إلى إلقاء اللوم كله على الشريك السابق ونادرا ما يفكر في دوره في تلك العلاقة. ويبحث بعد ذلك دون وعي عن شريك آخر يتمتع بنفس مواصفات شريكه السابق، ليحاول عيش نفس التجربة مرة أخرى وتسليط الضوء على أخطاء شريكه. وينجذب دون وعي إلى الأفراد الذين لديهم خصائص معينة فتصبح العلاقة التالية في خطر.
كيف تُنجح تجربة الارتباط الثانية؟
ورغم التحديات التي قد تواجه نجاح الزواج الثاني، يأمل كثيرون في تجنّب فل آخر والانتصار في معركة الأمل.
ولإنجاح تجربة الزواج الثانية، يُنصح الطرفان بالاهتمام ببعض الاعتبارات المهمة، ومنها:
الوقت الكافي: الوقت هو العامل الرئيسي لإنجاح التجربة الثانية، حتى ولو بدت فرص نجاح التجربة مرتفعة. لا تتوقف عملية نجاح الزواج الثاني على أن الشريك الجديد مناسب وظروفه ملائمة وأوضاعه جيدة، لكن المعيار الأساسي هو استعداد الطرف الذي خرج توا من علاقة فاشلة لخوض تجربة جديدة والمساهمة في إنجاحها.
عدم الاستعجال: التروي إلى حين التعافي واستعادة التوازن أمر ضروري لإنجاح التجربة الثانية. مع الأخذ في الاعتبار، أن الفرص تتكرر دائما.
الاختيار السليم: في التجربة الثانية، يكون الشخص أكبر سنا وأكثر نضجا، بل ولديه خبرة سابقة يجب استغلالها جيدا عند الاختيار، فمن الضروري فهم ما يريده الشخص حقا من الزواج الثاني دون اندفاع عاطفي. هذا الأسلوب التحليلي يجعل الاختيار منطقيا أكثر، ويسهل على الشخص فهم حسنات وسيئات الطرف الآخر ومدى استعداده لتقبلها. لا يعني ذلك غياب التوافق العاطفي، فهو أمر أساسي لاستمرار العلاقة، لكن الوعي والفهم بجانب العاطفة أمر مهم وأساسي لإنجاحها.
الرغبات والتوقعات: عادة ما يتنازل أحد الطرفين في الزواج الأول ويقدم تضحيات كبيرة لإنجاحه. قد يكون ذلك أحد أسباب الفشل. فمن المهم أن تحظى العلاقة بتوازن، ولا يشعر أحد الطرفين بأنه ملزم باستمرار على تقديم التنازلات. يعد الزواج الثاني، فرصة جيدة للتمسك بالرغبات وتحديد التوقعات، مثل العمل والنفقات، ومناقشتها والتوافق عليها قبل الزواج.
في مرحلة النضج يتعلم الشخص أن يبحث عن شخص تضيق معه فجوة الاختلافات (بيكسلز)
القواسم المشتركة: لا أحد يحب أن يفشل مرتين، لذلك يبحث الشريك عن طرف آخر يتمتع بالعديد من القواسم المشتركة. الاختلاف الكبير يؤدي إلى مشاكل كبيرة، وفي مرحلة النضج يتعلم الشخص أن يبحث عن شخص تضيق معه فجوة الاختلافات.
الأطفال: على الشخص أن يكون صادقا مع نفسه منذ البداية وإدراك قدراته، حتى ولو وجد نفسه مضطرا لصرف النظر عن فكرة الارتباط بطرف آخر لديه أطفال. من المهم أن يعرف الشخص أنه إذا تزوج من طرف لديه أطفال من زواج سابق، فهناك احتمالية كبيرة لتواجدهم معه لأي سبب من الأسباب. وعليه أن يكون مستعدا ومتقبلا لحدوث ذلك، وأن يعاملهم بطريقة جيدة. في حال أدرك أن المسؤولية كبيرة عليه، أو أنه لا يريد تحمل مسؤولية أبناء غيره، فعليه الانسحاب ببساطة قبل الزواج.
الصورة الأفضل: يتعلم الناس من تجاربهم السابقة. ولأنه لا يوجد أهم من تجربة الزواج، يحاول كل طرف جاهدا الاستفادة من التجربة السابقة، وتقديم صورة أفضل من الزواج السابق، من خلال التسامح، والتغاضي عن المشكلات البسيطة، والتعاون داخل البيت وتقسيم المهام وغيره. وأن تكون هناك إرادة قوية من الطرفين لإنجاح التجربة الجديدة والاستفادة قدر المستطاع من القديمة، وعدم تكرار أخطاء الماضي والبحث دائما عن سعادة النفس وسعادة الشريك.