تغريد السعايدة

عمان- مع انتشار خبر انتحار طفل في الولايات المتحدة، بعد أن تعرض للتنمر من قبل زملائه في المدرسة، بسبب "النظارات التي يرتديها، وشكل أسنانه"، كما جاء في الخبر؛ أعيد للأذهان خطورة التنمر حينما لا يجد استجابه من قبل المدرسة أو الأهل.

والد الطفل، كما تحدث لوسائل الإعلام، قال بأنه راجع المدرسة أكثر من مرة وأخبرهم عما يتعرض له طفله البالغ من العمر عشرة أعوام للتنمر من قِبل زملائه، وأنه يعود للبيت بحالة نفسية سيئة جداً، واشتكى للمعلمين والإدارة ولكن لم يجد استجابة أو ردع المتنمرين عن طفله، حتى وصل الأمر إلى ما صار إليه مؤخراً، ودفع الطفل للانتحار للتخلص من المشاعر السلبية التي فاضت في قلبه وحياته.

يعيد هذا الخبر للأذهان قصة الطالبة المصرية (16 عاماً) والتي أيضا أقدمت على الانتحار بسبب تعرضها للتنمر من قِبل زميلاتها، بعد أن وصفوها بـ"القبيحة وكيف تتحملي شكلك"، وغيرها من القصص الكثيرة، التي تحاكي ذات الواقعة.

استخلصت إحدى الدراسات إلى أن الطلاب الذين يتعرضون للتنمر هم أكثر عرضة للتفكير بالانتحار بحوالي 2 إلى 9 مرات وأن ما لا يقل عن نصف حالات الانتحار بين الشباب ترتبط بالتنمر.

تتعالى أصوات محاربة التنمر والتصدي لمخاطره عبر القنوات المختلفة لمواقع التواصل الاجتماعي، حيث الكثير من التعليقات والقصص التي يرويها أهال عن تعرض ابنائهم للتنمر، ولكن قد يكون وقع المشكلة أكبر مع عدم معالجة القضية من قِبل المدرسة، التي هي بيت "الداء والدواء للتنمر"، كما يصفها أحد أولياء الأمور، وأن مدى حل المشكلة يتناسب مع مدى تجاوب المدرسة مع شكوى الأهل وردع التنمر والإجراءات الخاصة بذلك.

استشاري علم النفس التربوي الدكتور موسى مطارنة يرى أن التنمر دائماً ما يأتي من استقواء القوي على الضعيف، سواء "إيحائي، إيمائي، لفظي، وجسدي"، ووجوده في أي مكان لا بد أن يترك آثارا على الأطفال تحديداً، كما في ضعف العلاقات الاجتماعية والضعف الأكاديمي، ومشاكل نفسية، ومن الممكن أن يكون حجم الأضرار آثارها طويلة الأجل ومساحتها في النفوس أكبر.

عدا عن ذلك، فإن التأثيرات الجسدية للتنمر لدى الأطفال، وفقا لمطارنة، قد تؤدي إلى آثار أخرى، مثل الاكتئاب والقلق، مما قد يدفعهم مع مرور الوقت إلى تجربة مواد غير قانونية، مثل المخدرات والممنوعات الأخرى. لذلك، قد تكون المشاكل الأكبر للتنمر مخفية، خاصة عندما يكون في المدرسة. يتردد الطفل ويخاف من الإفصاح عنه لعائلته، بسبب خوفه من زيادة التنمر عليه من الآخرين، لذا يضطر للاستسلام للتنمر مهما كانت الآثار.

ويشدد مطارنة على أهمية أن يراقب الأهل أطفالهم في حياتهم الاجتماعية خارج البيت، مثل المدرسة. فإذا شعروا بأي تغيير في سلوك الأبناء، كأن يصبحوا منعزلين عن الآخرين أو تظهر عليهم علامات القلق والتوتر، يجب أن يكونوا على قدر من المسؤولية والوعي ومتابعة حالة الابن مباشرة حتى لا تصل إلى مراحل لا تُحمد عقباها.

ويتفق الاستشاري والخبير التربوي الدكتور عايش النوايسة مع مطارنة، إذ يرى أن التنمر يعبر عن حالة عدوان مرتبطة بسلوك غير متوازن من قبل طرف ذي سلوك غير طبيعي وغير منسجم مع السلوك البشري السليم ضد طرف آخر. وهو حالة سلوكية عدوانية تُكتسب من الظروف والبيئة التي يعيش ويتعايش فيها المتنمر.

وهو بهذا عبارة عن أفعال سلبية متعمدة ومقصودة يقوم بها شخص تجاه طفل أو مجموعة أطفال. هذا السلوك يؤثر في البناء النفسي والاجتماعي والانفعالي للشخص الذي يُمارس عليه التنمر، ويعبر عن طريقة للسيطرة على الشخص الآخر من خلال المضايقة الجسدية أو اللفظية المستمرة، بهدف وضعه في حالة قهر وإحراج نتيجة لظرف أو شيء يعاني منه.

كما يشير النوايسة إلى أن تفسير التنمر وفهم ماهيته وأسبابه يتطلب التركيز على استقواء الطرف الأول على الطرف الثاني والدوافع والظروف النفسية والاجتماعية التي تتعلق بطبيعة النشأة والبيئة التي يعيش فيها المتنمر. ولا شك أن هذا السلوك له آثار سلبية كبيرة على شخصية الطفل، مما يجعله فاقد الثقة بنفسه وغير قادر على الوصول إلى حالة التوازن النفسي والاجتماعي والانفعالي المطلوب.

وهذا الاختلال النفسي يترك أثره لسنوات طويلة جداً ولا يمحى من الذاكرة، وخطورته اليوم تكمن في تنوعه وانتشاره بشكل كبير، فهو يأتي على صورة جسمية أو لفظية أو جنسية أو اجتماعية، مثل منع الطفل من اللعب مع مجموعة معينة والتفاعل مع أفرادها، ومنعهم من ممارسة نشاطاتهم ومضايقتهم بشكل مستمر، وعادة يكون مجاله في المدرسة واسعا جداً.

لذا، يؤكد مطارنة على أهمية وجود تواصل بين الأهل والمدرسة للتأكد من وضع الابن في المدرسة، ومراجعة المرشد التربوي حول طبيعة سلوك الأبناء في حال تغيرت لأي سبب، لأن التنمر من أكثر المشكلات السلوكية التي لها تأثير كبير في حياة الطفل، ويمكن أن يؤدي إلى الانتحار إذا ما تم مساعدته، كما ظهر في الحالة المسجلة مؤخرا في الولايات المتحدة.

كما ينوه مطارنة إلى أن الشخص المتنمر عادة ما يكون له أتباع، الذين يمارسون التنمر من خلاله، مما يزيد من خطورته، حيث يشكلون "عصابة". هذا يؤدي أيضا لأن يكون المتنمر أداة في يد هؤلاء، ويشكل للمتنمر عليه نفسه مشكلة سلوكية نفسية على المدى الطويل. وبالتالي، سيكون لديه مشاكل أكبر، مثل الرهاب الاجتماعي وتدني مفهوم الذات، وعدم الرغبة في التواصل والخروج من المنزل، والإحباط الشديد.

ويشدد مطارنة على دور كبير تلعبه المدرسة في معالجة هذا الأمر، من خلال الرقابة على الطلبة واكتشاف المتنمرين ومعاقبتهم، ويجب على المرشد الطلابي التدخل وحل أي مشكلة منذ بدايتها، عليه أن يكون قريبا من الطلاب ويتجول بينهم لملاحظة أي سلوك غير طبيعي، ومحاولة علاج ظاهرة التنمر. كما ينبغي تنظيم جلسات توعوية.

وفقا لمطارنة، يعتبر نشر الوعي بين الطلاب من خلال المحاضرات والجلسات المفتوحة أمرا مهما لهم. يمكن تحقيق ذلك من خلال اللقاءات الإرشادية أو الجلسات الفردية، الموجودة بين صفوف الطلاب، والتي تساهم في تعزيز الوعي النفسي والصحي وفهم مشاكل الأطفال. كما يمكن استخدام التقنيات المختلفة والمتعددة، وتأكيد على أهمية عدم إغفال الاهتمام بما يحدث للطلاب خارج وداخل أسوار المدرسة.

ويقول النوايسة، خطورة هذا السلوك وأثره الكبير على شخصية الطفل يتطلب اليوم من المدرسة بكافة كوادرها والجهات التربوية إيجاد حلول منطقية لهذه الظاهرة. يتضمن ذلك تفعيل دور المرشد التربوي وبناء سلوك صفي يقوم على علاقات الاحترام والمودة بين جميع الطلبة، وعلى الآباء والأمهات ممارسة سلوكيات تسهم في تنشئة اجتماعية إيجابية، تتوافق مع ما يتعرض له الطفل في محيطه الخارجي.

JoomShaper