د. أمين بن عبدالله الشقاوي
الحَمدُ للهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ، وَأَشهَدُ أَن لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبدُهُ وَرَسُولُهُ، أما بَعدُ:
فمن المعالم التي يُهتدى بها في إصلاح الحياة الزوجية أن ما بينهما من حقوق وما يلزمهما من واجبات، كل ذلك مبني على ما تعارف عليه الناس من كرائم الأخلاق ومحاسن العادات؛ قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا ﴾ [النساء: 19]، وقال تعالى: ﴿ رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ﴾ [البقرة: 128]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم لهند بنت عتبة رضي الله عنها: «خُذِي مَا يَكفِيكِ وَوَلدَكِ بِالمَعرُوفِ»[1]، وقد نص تعالى أن على المرأة حقوقًا لزوجها، وأن لها مثل الذي عليها مع اختصاص الرجل بالدرجة دونها؛ قال تعالى: ﴿ رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ﴾ [البقرة: 128].
وقد بيَّن تعالى هذه الدرجة في آية أخرى، فقال: ﴿ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا ﴾ [النساء: 34].
ويندرج تحت هذه الآية الكريمة معان عظيمة وحكم جليلة، غير أن الانتفاع بها مبني على الإيمان بها والتسليم لها والفهم الصحيح لما دلت عليه، وإليك البيان:
1- يجب أن يُعلم أن خالق الخلق سبحانه وتعالى له الحكمة البالغة في خلقه وأمره، ركب الرجال على خَلْقٍ يناسب ما كُلِّفوا به، وركب النساء على خَلْقٍ يناسب ما خُلقن له، فمن اهتدى لما خلق له وُفِّق في الدارين ونال السعادتين، ومن لم يهتد كان دليلًا على انتكاس فطرته، ومن ثم فساد الفكر والعمل.
2- بيَّن تعالى في آية أخرى ما أُجمل في هذه الآية، فقال تعالى: ﴿ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا ﴾ [النساء: 34].
3- في هذه الآية ذكر تعالى سبب جعل القوامة في الرجل، والقوامة هي الدرجة في الآية السابقة، وأن ذلك لأمرين:
أحدهما: راجع إلى أصل الخلقة التي خلق الله عليها البشر، وفي التنزيل المبارك قوله تعالى: ﴿ فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ﴾ [آل عمران: 36]، ومن المقطوع به أن الرجل والمرأة لو كانا على خلقة واحدة وطبيعة واحدة، لَما حصل التجانس بينهما، ولوقع التنافر بينهما، وشواهد ذلك ظاهرة فيمن انتكست فطرهم وفسدت تصوُّراتهم.
وثانيهما: الإنفاق، وهو دفع المهر، وقد فطر الله الخليقة على ذلك، وجاء الشرع يؤكد أن الرجل هو الذي يدفع المهر للمرأة ولو كانت أغنى الناس، ولا يحل للمرأة أن تهدي نفسها إلى أحد بدون مهرٍ إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك من خصائصه.
اللهم أصلح لنا أبناءنا وبناتنا وزوجاتنا، وبارك لنا فيما أعطيتنا، وثبِّتنا على دينك حتى نلقاك وأنت راضٍ عنا غير غضبان.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.