د. أمين بن عبدالله الشقاوي
الحَمدُ للهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ، وَأَشهَدُ أَن لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبدُهُ وَرَسُولُهُ، وَبَعدُ.
قال تعالى: ﴿ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا ﴾ [النساء: 34].
قوله تعالى ﴿ قَانِتَاتٌ ﴾: صفة للصالحات وهي الطائعة لزوجها، فالقنوت هو الطاعة؛ قال تعالى عن نساء النبي صلى الله عليه وسلم: ﴿ وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا ﴾ [الأحزاب: 31]، وقال تعالى عن نبيه وخليله إبراهيم عليه السلام: ﴿ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ [النحل: 120].
وفي الآية الكريمة صفتان للمرأة لا تستحق اسم الصلاح إلا بهما:
الأولى: طاعة زوجها ما لم يأمرها بمعصية[1].
الثانية: أن تكون حافظة للغيب، ويشهد لهذا أن ظاهر سياق الآية في النساء ذوات الأزواج، ولذلك قال في آخرها: ﴿ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا ﴾.
وقد جاءت السنة ببيان ذلك وإيضاحه؛ لِما له من أهمية عظمى في صلاح المجتمعات وبنائها بناءً سليمًا ثابتًا لا تزعزعه الشبهات ولا الشهوات، فروى ابن جرير في تفسيره من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خيرُ النساء امرأةٌ إذا نظرتَ إليها سرَّتك، وإذا أمرَتها أطاعتك، وإذا غبت عنها حفظتك في نفسها ومالك»؛ قال: ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: ﴿ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ ﴾ [النساء: 34][2].
قال ابن جرير الطبري رحمه الله: وهذا الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، يدُلُّ على صحة ما قلنا في تأويل ذلك، وأن معناه: صالحاتٌ في أديانهن، مطيعاتٌ لأزواجهن، حافظاتٌ لهم في أنفسهنَّ وأموالهم[3].
في هذا الحديث بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم أن خير النساء من اتصفت بهذه الصفات:
1- أنها تسر زوجها إذا نظر إليها، إن سرور النفس مطلب لكل أحد، ولو لم يحصل إلا في بعض الأحيان، فكيف به إذا كنت تراه في كل زوايا بيتك، وفي مدخلك ومخرجك، وحال استيقاظك، إنها نعمة عظيمة ما أجلَّ قدرها! وما أعظَم خيرها!
2- أن تطيع زوجها فيما يأمُرها به.
3- أن تحفظه في نفسها وماله، وهاتان الصفتان هما المذكورتان في الآية المتقدمة.
والطاعة هنا ليست طاعة استعباد كما يفسِّر ذلك بعض الحاقدين على الإسلام وأهله، بل هي طاعة محبة وثقة.
أما عن الصفة الثانية: وهي قوله تعالى: ﴿ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ ﴾، فإن القلق والوساوس التي تصيب الزوج حال غيابه عن زوجته وولده وماله، يزول بالمرأة الصالحة ويحل مكانه الراحة والاطمئنان، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: «الدُّنْيَا مَتَاعٌ، وَخَيْرُ مَتَاعِ الدنيا الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ»[4].
إن جميع متاع الدنيا ينعكس عند التقلبات، أما المرأة الصالحة فإن الشدائد لا تزيدها إلا طيبًا وصلاحًا، ولهذا كانت خيرَ متاع الدنيا.
روى ابن حبان في صحيحه من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أَرْبَعٌ مِنَ السَّعَادَةِ: الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ، وَالْمَسْكَنُ الْوَاسِعُ، وَالْجَارُ الصَّالِحُ، وَالْمَرْكَبُ الْهَنِيءُ»[5].
اللهم ألِّف بين قلوبنا، وأصلِح ذات بيننا، واهدنا سُبُل السلام.
والحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
الأسئلة:
1- ما صفات الزوجة الصالحة؟
2- ما معنى القنوت؟
3- لماذا الزوجة الصالحة خير متاع الدنيا؟
[1] رواه ابن جرير عن ابن عباس وغيره من السلف.
[2] (3/ 299) برقم (9340) وذكر له الشيخ الألباني رحمه الله شواهد في السلسلة الصحيحة برقم (1838).
[3] جامع البيان (3/ 2291).
[4] صحيح مسلم برقم (1467) من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما.
[5] صحيح ابن حبان برقم (4021).