د. مصطفى حسن مكي
بمناسبة المنشور عن المرأة التي تقول: إنها استفتت مشايخ ثقات، فأفتوها بالطلاق من زوجها الذي حملت منه ولم ترَ منه عيبًا سوى ما ذكرَتْ، وقرأتُ قبلها منذ أيام سؤالًا على صفحات البعض عن امرأة خيَّرها زوجها بين الطلاق وترك الوظيفة وغير ذلك كثير.
وأنا هنا لن أخوض في قضية بخصوصها؛ وإنما سأتكلم عن قضية عامة وهي عرض المشاكل الخاصة بالعلاقات الأسرية والاجتماعية على وسائل التواصل؛ لأن هذا ذكرني بمشكلة منذ سنوات لشابٍّ كان يخطب فتاة ثم قرر مفارقتها، ولما سألته عن السبب فذكر أسبابًا ليست بذات بالٍ، ويمكن التجاوز عنها، فلما قيل له: هذه أمور محتملة، ويمكن التحكم فيها وتغييرها، وهي ليست بقادحة في دين أو خلق، كان جوابه أنه عرض الموضوع على جروبات كلها ملتزمون، فالجميع نصحه ألا يكمل، وهنا محل النظر، كيف تعرض مشكلتك على أناس لا يعرفون عنك سوى أنك تشاركهم جروبًا يجمع الملتزمين من حيث الظاهر؛ لأنك لا تعرف جميع أفراده معرفة شخصية، وقد يكون فيهم من لا دين ولا خُلُق، والأمر محتمل، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أمرنا بالمشورة وورد في خبر أنه "ما خاب من استشار"[1] لم يقصد مشورة كل من هبَّ ودبَّ؛ وإنما مشورة أصحاب الرأي والحكمة، ومن قبل ذلك كله أن يكون المستشار صاحب دين، ومع الدين الحكمة والبصر بعواقب الأمور؛ لأنه قد يكون صاحب دين وأحمقَ، فيفسد بحماقته أكثر مما يُصلِح.
وأيضًا المستشار لا بد أن يكون على علم بجميع أطراف الموضوع الذي يتكلم فيه، ويسمع من جميع أطراف المشكلة؛ لأنه قد يكون عند الطرف الآخر ما يجيب به على الطرف الأول؛ لأن هذا يعتبر حكمًا، فليعلم من يتكلم فيه أنه سيُسأل عنه، وليس الأمر مجرد تعليق تكتبه وتنصرف، وقد يترتب على تعليقك هذا خراب بيوت وضياع أُسَر وتشتيت شملها وضياع أطفالها وكسر قلوب أناس آخرين بغير سبب سوى هواجس لا أصل لها، وقد ورد عن رسول الله قوله: "المستشار مؤتمن"[2].
إنني كثيرًا ما أمتنع عن التعليق على منشورات أعرف أصحابها، ولكن القضية المطلوب الجواب عنها لا يصلح الجواب عنها في العام، ويراه الجميع، وقد يقيس بعضهم حاله على السؤال، فيراه من وجهة نظره متاطبقًا، فيأخذ به، مع أن حالته قد تختلف؛ فأكون سببًا غير مباشر لتصرُّف أنا لست مسؤولًا عنه، لكن لمَّا نشر هذا على العام كان سببًا في ذلك.
فعلى المفتي والمستفتي أن يتحسَّس موضع قدمه، ولا يسأل إلا من يعرفه معرفة شخصية، أو اشتهر الثناء على علمه وخلقه ودينه وحكمته.
وعلى المفتي ألَّا يتكلم إلا فيما يحسنه وما يعرف أشخاصه وأبعاده؛ لأن الأمر دين وبيوت قد تُهدَم.
ومحصلة ذلك كله أنه من خلال الخبرة والممارسة ورؤية الواقع أقول بكل طمأنينة: إن وسائل التواصل لا يمكن أبدًا أن نجعلها منبرًا لعرض مشاكلنا، وكل إنسان منا رجلًا كان أو امرأة بإمكانه أن يتواصل مع مَن يعرفه من أهل بلده من أهل الدين والخُلُق والحكمة، فلا شك سيكون أقدر على معرفة المشكلة والتعامل معها.
كما أنني أهيب بكل متدخل في أمر ما ألَّا يصدر حكمه بمقتضى توجُّهه ومذهبه وطريقته، وقد تعلمنا من أهل العلم، وقرأنا في أخبارهم أنهم كانوا يحيلون السائل على غيرهم؛ لأنهم يعلمون من مذهب المحال عليه أنه يفتي في هذه المسألة بما هو أيسر وأنفع للسائل، فهلَّا تعلمنا منهم ذلك.
والله أعلم.