ديمة محبوبة
عمان - تشكل التوقعات المرتفعة التي قد يضعها البعض على العلاقة الزوجية، تحديا كبيرا؛ حيث يؤكد العديد من اختصاصيي الأسرة والنفس أن الزواج السعيد لا يتحقق من خلال الأحلام المثالية وغير الواقعية، بل من خلال الصداقة الحقيقية والجهود المستمرة لفهم الشريك.
محمد وسارة، زوجان يعيشان حياة زوجية فيها الكثير من الرضا والسعادة منذ 15 عاما. وعن سر نجاح علاقتهما، يقول محمد: "في البداية، كنا نتوقع الكثير من بعضنا بعضا. كنت أعتقد أن سارة ستفهم كل ما أفكر فيه من دون أن أتكلم، وأنها ستكون دائما على استعداد لتحقيق رغباتي. لكن مع مرور الوقت، أدركنا أن هذه التوقعات غير واقعية".
تقول سارة "تعلمنا أن نتحدث بصراحة عن مشاعرنا وتوقعاتنا، وبدأنا نرى الزواج كصداقة عميقة وتشاركية، وأصبحنا نغفر أخطاء بعضنا بعضا مع الوقت، ويكون الحوار والتفاهم أساسيا بيننا".
أما الزوجان ليلى وعلي، فقد مرا بتجربة مختلفة. يقول علي: "واقع الزواج مختلف عند عيش تفاصيله. وبعد سنوات من الزواج، بدأ الخلاف يزداد مع عدم معرفة طريقة تفكير الآخر، حتى قررنا التوقف عن لوم بعضنا بعضا، وبدلًا من ذلك، حاولنا إنقاذ زواجنا. بدأنا نتحدث عما نريده من الآخر ، والآن نعيش حياة هادئة ومستقرة، حيث تحل معظم المشاكل بالحوار والتفاهم".
في ملخص لنظرية الدكتور النفسي جون جوتمان، أستاذ في جامعة واشنطن سياتل، يتحدث عن أن الصداقة تعد أساس العلاقة الناجحة بين الزوجين، حيث تبنى على معرفة عميقة بالذات والشريك.
ويؤكد جوتمان أن تعزيز الصداقة وتقليل الخلافات يعززان القدرة على إبداء العاطفة والتمتع بروح الفكاهة.
وفي كتابه "المبادئ السبعة للزواج الناجح"، يقدم جوتمان سبعة مبادئ أساسية لضمان علاقة زوجية ناجحة، وهي تحسين خرائط الحب عن طريق اكتشاف تفاصيل حياة الشريك واستكشافها باستمرار لتعزيز التفاهم، ومن خلال تعزيز مشاعر الإعجاب وتغذية الإعجاب المتبادل لزيادة الطاقة الإيجابية بين الطرفين.
وينصح، في كتابه، بالاقتراب بين الشركاء من خلال تعزيز المشاركة والتعاون بين الزوجين بدلا من الاستقلالية الزائدة وتأثير الشريك في الآخر من خلال تبادل التأثير والسلطة داخل العلاقة، خصوصا من قبل الرجال. لذا ينبغي استخدام مهارات إدارة الخلافات لحل المشكلات الزوجية، وتحديد أهداف مشتركة.
وبحسب خبراء، فإن خفض سقف التوقعات بين الأزواج أحد أهم أسباب نجاح واستمرارية الزواج، والنظرية الأساسية وراء ذلك هي أن الفرد ليس ضحية شريكه، بل هو ضحية لتوقعاته غير الواقعية.
اختصاصي علم النفس الدكتور علي الغزو، يؤكد أن الزواج السعيد يتطلب من الزوجين النظر إلى بعضهما بعضا كشريكين في رحلة الحياة، مع قبول العيوب والأخطاء، وعندما يكون سقف التوقعات مرتفعا، يصبح من الصعب جدا تحقيق السعادة.
ويؤكد الغزو أهمية بناء علاقة صداقة قوية بين الزوجين، فهي بداية الرحلة، إذ إن الشعور بالصداقة يجعل الحياة مريحة بينهما بعيدا عن الضغط المجتمعي والتوقعات التي يرسمها كل شخص عن الزواج، والصداقة داخل العلاقة الزوجية معناها الشعور بالراحة والحديث المستمر مع الآخر ومحاولة توطيد العلاقة والعمل على إدامتها والاستثمار فيها كما يحدث مع الأصدقاء.
ووفق الغزو، فإن بعض شركاء الحياة يعتقدون أن مجرد الوصول للزواج كأنه ملكية العمر، فتصبح الاهتمامات مختلفة، وهذا يجعل توقعات ما قبل الزواج تتحطم، فالأصل بالمتزوجين البقاء مستمرين بهذه العلاقة ويسعون لفهم التغيرات لشريك الحياة، فالشخص يتغير ويتطور ويختلف بطباعه وأفكاره.
ويوضح أن شعور الصداقة بين الزوجين يوفر بيئة آمنة للتعبير عن المشاعر والأفكار، ويعزز من قدرتهما على التكيف مع التغيرات التي قد تطرأ على شخصيتيهما مع مرور الوقت.
اختصاصي الشؤون الأسرية والاجتماعية مفيد سرحان، يتفق مع الغزو بأن "الزواج الناجح يبدأ بصداقة قوية عندما يعتبر الزوجان بعضهما بعضا صديقين أولا، يصبح من السهل تجاوز الصعوبات والخلافات".
وذلك يتطلب من كلا الزوجين بذل جهد مستمر لفهم بعضهما بعضا؛ فالناس يتغيرون مع مرور الوقت، وما يعجبك في شريكك في بداية الزواج قد يتغير مع الوقت، لذا من الضروري أن يكون هناك جهد مستمر لفهم الشريك ومواكبة هذه التغيرات.
ويشدد على أن فكرة الزواج السعيد لا تعني العيش الهانئ دائما، موضحا أن ما يعني الزواج السعيد هو القدرة على التعايش مع مشاكل قابلة للحل عن طريق الحديث عنها وحلها ومواكبة كل جديد في حياة الشريك وتقريب البعيد.
ويؤكد أن الزواج السعيد لا يتحقق بتوقعات مثالية، بل عبر العمل المشترك والصداقة العميقة والتفهم المتبادل، تلك هي الركائز التي يوصي بها الخبراء لضمان حياة زوجية مستقرة وسعيدة.