تغريد السعايدة
عمان- لم تتوقع آية، أن يكون جوابها على سؤال طرحته إحدى الفتيات على "مجموعة مخصصة للسيدات على الفيسبوك"، سبباً في حدوث شرخ وخصام بينها وبين إحدى قريباتها، حيث يطرح كثيرون أسئلة عامة عبر السوشال ميديا تتعلق بطبيعة العلاقات الأسرية، لتنهال الإجابات "غير المسؤولة" في بعض الأحيان.
تقول آية، إن السؤال كان يتعلق بـ"كيفية علاقتك بعمتك وكلمة توجهها لعمتك"، لترد آية، وبناءً على علاقتها مع إحدى عماتها، بجواب لم يكن مقبولاً لإحدى قريباتها، الأمر الذي أدى إلى حدوث إشكال كبير فيما بينهن، وتطور إلى مواجهة حقيقية، ومن ثم الخصام، والقطيعة.
تلك الأسئلة غير مناسبة لأن تكون إجاباتها على الملأ، كثيراً ما يتعمد ناشروها إلى البحث عن "الترند" والمشاهدات والإعجابات، وإحداث نقاش حاد يقود إلى زيادة زيارة تلك الحسابات، لذلك، تتمنى إحدى السيدات اللواتي تعرضن إلى موقف صعب بسبب تلك الأسئلة إلى أن ينتبه الجميع ويتيقن أن هذه الصفحات عامة، وبإمكان كل شخص مشاهدة تلك الإجابات وعدم الإنجرار خلف العاطفة في الإجابة.
وتتحدث هيام عن تجربتها، بأن السؤال المطروح كان يتعلق بالعلاقة بين الأخوات ومدى قربهن من بعضهن البعض، ودون وعيٍ منها قامت بكتابة تعليق ينتقد إحدى شقيقاتها بطريقة غير مباشرة، بيد أن هذه المشاركة منها، كانت كفيلة بأن تؤدي إلى خصام من شقيقتها بحجة أنها تشهر بها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، و"أن الأقارب جميعاً متواجدون على هذا الجروب".
ويعتقد كثيرون ممن يشاركون في هذه المجموعات التي تطرح أسئلة عامة، و"تستفز" إجابات الأعضاء أو رواد السوشال ميديا، أن إجاباتهم قد لا تظهر للآخرين، ولكن قد يكون من السهولة بمكان قراءة تلك التعليقات، ومشاركتها مع الآخرين، الأمر الذي قد لا يتنبه له المشاركون، على اعتبار أن عالم السوشال ميديا واسع ولا يمكن أن تصل التعليقات أو المنشورات بسهولة.
ووفق دراسات علمية متخصصة في مجال الخوارزميات المتعلقة بعالم السوشال ميديا، فقد أُثبت أن الخوارزميات هي التي تقوم بتقييم المنشورات والمحتوى الذي يبحث الشخص عنه، حتى يتمكن من ترتيب المحتوى الذي يراه من منشورات، ريلز، بحث، مجموعات، صفحات، وتوفير محتوى يناسب اهتمام الشخص ليظهر أمامه حينما يقوم بالتصفح مما يؤدي إلى وجود تفاعل لطيف.
كما تؤثر وتتداخل الخوارزميات حينما يتعلق الأمر بالتواجد في الجروبات، والتي يتواجد فيها المحيطون، فكلما تمكن المستخدم للجروبات من التواجد حيثما يوجد جمهوره، يساعده ذلك على فهم الاحتياجات التي يمكن توفيرها، وفهم السلوكيات، والمساعدة على الانتشار، كما تساعد الخوارزميات في الفيسبوك على معرفة ما يقوم به المُستخدم ويساعده على نشر محتوى يتناسب مع الجمهور المستهدف.
ومن الأمثلة الأخرى كذلك، هو تعمد أحد رواد مواقع التواصل الاجتماعي، بنشر موقف معين، ويطرح سؤالاً "يستشير به الجمهور"، ومن هنا تبدأ التعليقات بالتتابع، حيث تحدثت آلاء، عن تجربة إحدى صديقاتها التي وصل بها الأمر "للطلاق"، بعد أن وصفت زوجها بأنه نرجسي وأناني، ولكنها لم تعلم أن تلك العبارة ستصل لعائلة زوجها، الأمر الذي أدى إلى حدوث طلاق سريع من زوجها دون أي تردد.
هذه الإشكالية في اللامبالاة بالحديث عن العلاقات الأسرية من خلال السوشال ميديا، يتحدث عنها خبير العلاقات الاجتماعية والأسرية مفيد سرحان بقوله، إن العلاقات الأسرية والاجتماعية مهمة للإنسان مهما كان موقعه، والمحافظة عليها مسؤولية الجميع. لأن استقرار الأسرة ونجاحها وديمومتها من أهم عوامل استقرار المجتمع وهو ما يعود بالفائدة على الجميع.
ويؤكد سرحان، أن من أهم عوامل المحافظة على العلاقات الأسرية حفظ الأسرار والحكمة في التعامل والحوار بين أفراد الأسرة، والاحترام المتبادل والقدرة على التعامل مع المشكلات والصبر والتحمل في سبيل تحقيق مصلحة الأسرة، والمحافظة على الخصوصية مهمة للشخص، بيد أنه في كثير من الأحيان فإن الفرد نفسه هو من يسمح للآخرين بالاطلاع على خصوصياته أو التدخل في حياته الخاصة سواء من خلال الحديث معهم وإشراكهم في تفاصيل حياته أو من خلال النشر على مواقع التواصل الاجتماعي.
ويستغرب سرحان وجود الكثيرين ممن يتحدثون بكل وضوح عن تفاصيل حياته وعلاقاته الأسرية مع المحيطين، مما يحول تلك الأخبار عرضة للتحليل والتعليق، والبعض لا يكتفي بذلك بل يطلب من الآخرين أن يتدخلوا في خصوصياته من خلال التعليق أو الإعجاب أو طلب الرأي أو الإجابة عن سؤال يطرحه، وهو يفرح بالتعامل معه ويتفاخر بأعداد المتابعين والمتفاعلين، ويعده نجاحا، وربما يتحدث بطريقة غير لائقة وتسيء لأصحابها، ظنا منه أن كسب أعدادا كبيرة من المتابعين يمنحه الشهرة، وربما يجلب له المال.
طرح الأسئلة حول قضايا أسرية من خلال وسائل التواصل الاجتماعي والطلب من العموم تقديم آرائهم فيه الكثير من الخطورة، وفق سرحان، فمن يدلي برأيه ليس صاحب خبرة واختصاص بالضرورة، وقد يكون مغرضا أو متحاملا أو لا يريد الخير، أو صاحب تجربة فاشلة يريد أن يعممها ويرى العالم كله من خلال تجربته.
ويتابع، ثم أن القضايا الأسرية تتعلق بالأشخاص وهم مختلفو الطباع والمزاج والثقافة والبيئة الاجتماعية والعمر والنضج، ولا يمكن أن يصح فيها التعميم، فما يناسب شخص قد لا يناسب آخر، وسر نجاح أسرة قد لا يكون بالضرورة هو نفسه للأسرة الأخرى.
فالنظر في القضايا الأسرية والاجتماعية يحتاج إلى تشخيص صحيح وخبرة وقدرة على اقتراح الحلول المناسبة، وهذه لها أهلها من أصحاب التخصص والخبرة والثقات المؤتمنين على أسرار الآخرين والحريصين على مصالحهم بما يحقق العدالة ومصلحة الأسرة، على حد تعبير سرحان، وطلب الرأي والمشورة على مواقع التواصل الاجتماعي ومن خلال المجموعات له سلبيات كثيرة، إذ يظهر صاحب السؤال أنه يعاني من مشكلة ويطلب رأي الآخرين فيها.
ويكمل، إذ يبدأ بإفشاء الأسرار والطلب من الآخرين التدخل، وهو ما يستثير الأطراف الأخرى في المشكلة من زوج أو أبناء وبنات، أهل الزوج أو الزوجة، الأقارب أو الأصدقاء، وهذا يسيء للعلاقات وقد يدمرها.
لذا، لا يمكن من خلال مواقع التواصل الاجتماعي والمجموعات أن يتحدث الإنسان عن مشاكله بكل صراحة ووضوح على السوشال ميديا، حيث يرى سرحان أنه لا يوجد وصفات "معلبة" لحل المشكلات، على حد تعبيره، ولا يوجد إجابة جاهزة لكل سؤال حتى من أهل الاختصاص، ونشر تفاصيل الحياة الشخصية والمشكلات يؤدي إلى استسهال هذه الأمور وقبولها بل وتعميمها في المجتمع.