ديمة محبوبة

عمان- في ليلة وضحاها، انقلبت حياة عائلة سلطان رأسا على عقب، فقد كان يملك شركة صغيرة مختصة بالاستثمار، تزودهم بمصدر دخل مناسب لحياتهم المعيشية ومستواهم الاجتماعي. اعتادوا عيش حياة مرفهة ومستقرة، تمتع فيها هو وزوجته وأطفاله الثلاثة بقدر من الرفاهية، إلى أن تغيرت حياتهم تماما بعد أن تكبدت الشركة خسائر متلاحقة انتهت بفقدانه لها.

 

يتحدث سلطان أن شركته، التي كانت في قمة ازدهارها وتستعد للتوسع، تعرضت لخسائر كبيرة بفعل الأحداث العالمية والإقليمية التي أثرت بشدة على استثماراته، ما اضطره في النهاية إلى إعلان الإفلاس.

 

ويضيف: "في لحظة، وجدت نفسي وعائلتي وسط دوامة من الصدمة. كان علينا استيعاب التحول الجذري من الطموح والسعي نحو التوسع وتحقيق الأحلام إلى نفق مظلم مليء بالضبابية والشعور بالفشل". ويعبر عن ألمه الأكبر وخوفه على أطفاله الذين نشأوا في حياة مستقرة، وتعلموا في مدارس ممتازة، وكونوا صداقات قوية، ليجدوا أنفسهم اليوم مطالبين بتغيير جذري في حياتهم وبدء صفحة جديدة تختلف تماما عما عاشوه من قبل.

الكثير من العائلات وجدت نفسها أمام واقع مؤلم يتمثل في خسارة جزء كبير من دخلها المادي، وهذا التحول المفاجئ أثر بشكل كبير على حياتهم الاجتماعية ومستواهم المعيشي، وترك بصمات واضحة على حياتهم العائلية وعلى نفسية أفرادها، خصوصا الأبناء.

وأمام هذا التحدي الكبير، تسعى الكثير من الأسر لتجاوز الأزمة، ولكن هذا الطريق ليس سهلا ومنهم من يخسر ترابطهم الأسري.

تروي ربة المنزل أم أحمد، وهي أم لخمسة أبناء، كيف تغيرت حياتها جذريا بعد أن فقد زوجها عمله في قطاع السياحة بسبب الأزمة الاقتصادية.

وتبين أن أصعب قرار اتخذته في حياتها كان نقل أبنائها من مدرستهم إلى مدرسة حكومية بالقرب من منزلهم الجديد، في حي لم يعتادوا عليه. فقد اضطروا إلى بيع منزلهم وسياراتهم في محاولة لتفادي المزيد من الخسائر وتقليص مصاريفهم اليومية بشكل كبير، إضافة إلى سداد ما تمكنوا من الديون.

لكن هذه المحاولات لم تساعد في الحفاظ على علاقتها بزوجها، إذ انعكس التغيير الكبير في حياتهم كعائلة على استقرارهم النفسي والعاطفي. فقد سيطر على زوجها شعور بالفشل والعجز عن توفير احتياجات الأسرة، مما أثقل كاهلها وأثقل كاهل الأسرة بأكملها. ورغم محاولاتهم الدائمة لتخفيف العبء عنه بأنهم سيواجهون هذه الأزمة معا، إلا أن تلك المحاولات لم تنجح في تهدئة مخاوفه، وباتت الأزمة عبئا إضافيا يؤثر عليهم.

تقول إن المنزل بات ساحة تشتعل بالغضب والحزن واللوم، وكأنهم يحملون أنفسهم مسؤولية هذه المأساة التي يعيشونها اليوم بعد خسارة عمل زوجها ودخله المادي المرتفع. دفعها ذلك للبحث عن عمل في مدرسة للمساهمة في مصاريف البيت وتحسين الوضع المالي. وتوضح أن هناك شيئا قد انكسر، ليس فقط من الناحية المادية، بل في العلاقة الجميلة التي كانت تجمعها بزوجها.

وتضيف أن أبناءها يعيشون اليوم حالة من العزلة، بعد أن فقدوا أصدقاءهم السابقين، وبدأت تظهر عليهم علامات الحزن، وهو ما يزيد من ثقل الأزمة على الأسرة.

قصة عائلة أبو فادي مع أزمتهم المالية والتوترات التي عاشوها تعكس ضغوطا نفسية كبيرة يشعر بها الآباء لتوفير احتياجات أبنائهم الأساسية، فيما يعاني الأطفال من فقدان الاستقرار والأمان الذي اعتادوا عليه، مما يجعل الوضع صعبا على الجميع. يعترف أبو فادي بأن هذا التغيير أثر بشكل كبير على علاقته بأسرته، وأدى إلى تكرار الشجارات بينهم.

يقول: "كنت أشعر بالغضب والعجز، وأحيانا أبنائي لا يدركون أن الوضع قد اختلف، فيطلبون أشياء لم أعد أستطيع توفيرها، وهذا يزيد من التوتر والضغط النفسي. عدم الاستقرار الذي تعاني منه العائلة أثر على الجميع".

ويتابع، أنه على الرغم من كل الصعوبات، حاول هو وعائلته اتخاذ خطوات إيجابية للتكيف مع الوضع الجديد. وكانت أولى هذه الخطوات تعزيز التواصل بينهم؛ حيث قرروا الاجتماع بشكل دوري لمناقشة التحديات والاحتياجات وتحديد الأولويات. اتفق هو وزوجته على أن يكونا صريحين مع أبنائهما، فشرحا لهم الظروف التي يمرون بها كعائلة، وطلبا منهم المساعدة في التكيف مع هذه التغيرات للتغلب عليها معا.

هذه الطريقة خففت كثيرا من الضغط النفسي، وجعلته يشعر بأن أسرته أقوى من أي ظروف، فقد تبنوا معاً نظاما يعتمد على وضع ميزانية شهرية تشمل الضروريات فقط، كما بدأوا في البحث عن أنشطة ترفيهية غير مكلفة، مثل الخروج في نزهات بالحدائق العامة، وممارسة ألعاب منزلية تجمع أفراد الأسرة وتعيد لهم دفء الأجواء العائلية.

يوضح اختصاصي علم الاجتماع وخبير العلاقات الأسرية مفيد سرحان، أن المسألة المالية للأسر مهمة، فهي الأساس في إعالتهم وتوفير حياة مريحة، خاصة لمن اعتاد على مستوى معين من الرفاهية. ويشير إلى أن التغيير الجذري، كتخلي الأسرة عن كل شيء والبدء من جديد، ليس بالأمر السهل.

ومع ذلك، يؤكد سرحان أن العائلات الواعية والقوية تستطيع تحمل الصعاب وتجاوزها، بل ويمكنها أن تزيد من متانة علاقاتها. ويضيف أن هذا لا يعني أن مشاعر الحزن واليأس لن تتسلل إلى حياتهم، لكن الأهم هو قدرتهم على تجاوز هذه المشاعر، ودعم بعضهم بعضا، سواء كان هذا الدعم بين الزوجين أو من الأبناء، إذا كانوا على قدر من النضج والوعي.

ويقول: "ننصح بفتح قنوات التواصل بين جميع أفراد الأسرة؛ فهذا يساعد على تجاوز الأزمات النفسية، ويقلل من شعور الوحدة، ويقوي الروابط الأسرية. في هذه الحالة، ومن خلال الحوار وتفهم ما حدث والوضع الجديد، يمكن وضع خطة مالية محكمة تركز على الأولويات، مما يسهم في تقليل الضغوط المالية والنفسية".

ولا شك أن الانكسار المالي يشكل تحديا كبيرا لأي عائلة، لكنه قد يكون أحياناً فرصة لإعادة تقييم الحياة والاعتماد على ما هو جوهري في العلاقات الأسرية. من خلال الصبر، التخطيط السليم، وتقدير الأشياء البسيطة، تستطيع العائلات التغلب على المحن وتعزيز روابطها، مما يجعلها أكثر قوة وصلابة في مواجهة المستقبل، وفق سرحان.

المرشدة النفسية والتربوية رائدة الكيلاني، تتحدث بأنه عندما تمر عائلة بتجربة فقدان المستوى المادي الذي كانت تعتمد عليه، تطرأ تغيرات كبيرة على نمط حياتها، مثل الانتقال إلى سكن أقل تكلفة، تقليص المصاريف على الأمور الترفيهية، وقد تضطر إلى تغيير المدارس لأطفالها لخفض التكاليف.

وتؤكد أن هذا التحول يضع العائلة أمام ضغوط نفسية واجتماعية كبيرة، خاصة إذا كانت في السابق تتمتع بمستوى اجتماعي مرتفع، ويشعر أفرادها بالخجل أو بالخوف من نظرة المجتمع لهم، فيجد الآباء أنفسهم تحت سعي مستمر للبحث عن مصادر دخل جديدة لتأمين الاحتياجات الأساسية.

وتلفت الكيلاني إلى أن التغير في المستوى المادي يؤثر على العلاقات الاجتماعية للعائلة؛ إذ قد تجد نفسها مضطرة للانسحاب من أنشطة اجتماعية كانت قادرة على المشاركة فيها سابقا، مما قد يؤدي إلى شعور الأطفال والشباب خاصة بالخجل.

ومن الناحية النفسية، تؤكد الكيلاني أن القلق المستمر من المستقبل وانعدام الأمان المالي يسبب توتراً داخل الأسرة، وقد يؤدي إلى مشكلات مثل الاكتئاب، القلق، وأحيانا الغضب أو الشعور بالعجز، مما يؤثر على استقرار العلاقات الأسرية. ومع ذلك، ورغم التحديات، هناك طرق للتغلب على هذه الضغوط والحفاظ على تماسك العائلة. وترى الكيلاني أنه من المهم التركيز على الترابط والتواصل بين أفراد الأسرة لدعم بعضهم بعضا في ظل الظروف الصعبة.

كما تنصح بتوجيه التركيز نحو الأمور التي لا تتأثر بالمال، مثل الحب، الدعم المتبادل، المشاركة في الأنشطة المنزلية الممتعة وتعليم الأطفال قيمة الرضا بالأشياء البسيطة، كقضاء الوقت معا أو ممارسة الهوايات، مما يساعد على التكيف مع الوضع الجديد من دون الشعور بالحرمان.

وتختتم بأن التغيرات المالية مؤلمة، لكنها ليست نهاية الحياة، فقد تمكنت العديد من العائلات من تحويل هذا التحدي إلى فرصة لتعزيز روابطها وتعميق علاقاتها.

JoomShaper