غزة- إيمان عامر
تمر مناسبات عديدة مفرحة وأخرى مبكية على "أم نزار" دون أن تجد أيٍاً من إخوانها الأربعة من يأتي إليها ليطمئن على حالها، ليكبر ألمها، وينتزع من قلبها الحب الذي منحتهم إياه، ويستبدله بحقد وكره.

فأمّ نزار كانت ترتقب الأيام التي يتبدّل فيها حال إخوتها الذين قطعوها منذ سنوات بلا سبب يذكر، غير آبهين لعقاب الله..."فلسطين" حاولت من خلال د.شكري الطويل، عميد الكلية الشرعية في قطاع غزة، أن توقظ إخوة أم نزار من سباتهم، وتبين لهم ولغيرهم من قاطعي الأرحام الأحكام الشرعية المتعلقة بصلة الأرحام.

دليل أمة متماسكة
ولفت د. الطويل إلى أن الدين الإسلامي ركز في بناء المجتمع المسلم على مهمّتين رئيسيّتين، الأولى تكمن في بناء الفرد المسلم على الدعائم الإيمانية والفكرية والسلوكية والأخلاقية، والثانية بناء الأمة المسلمة على كلمة التوحيد، وعلى الترابط والتواصل الاجتماعي، مؤكداً أن "الأرحام" يعدّون الحلقة الأولى من حلقات بناء المجتمع المسلم، فلذلك يتوجب على الأمة الواحدة أن تكون مترابطة ومتماسكة كما قال الرسول (صلى الله عليه وسلم): "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه العضو تداعى له سائل الجسد بالسهر والحمى".
الغني لا تتحقق صلة رحمه إلا ببذل المال، والفقير بالزيارة، حيث إن الهدف من صلة الأرحام ليس تبادل الهدايا فقط، بل لأنها عبادة تأتي في المرتبة الثانية بعد عبادة الله أمرنا الله بها  د. شكري الطويل

 

وأما إذا كانت العلاقة بين الأرحام قائمة على القطيعة، فوفقاً للدكتور الطويل لا يمكن أن تكون هناك أمة واحدة وموحدة، ولا يُتصور أن يكون هناك مجتمع قوي متماسك، لذلك حرص الإسلام على صلة الأرحام، واعتبرها عبادة تأتى في المرتبة الثانية بعد عبادة الله مباشرة، لقوله تعالى" وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى"، لأن الله سبحانه وتعالى أمر بالإحسان للأرحام وعلى رأسهم الوالدين، فلأجل ذلك كانت صلتهم عبادة.

وبدا د.الطويل أكثر غرابة حينما سألناه عمّن يطمئن على رحمه من خلال اتصال أو رسالة دون أن يزوره، وقال:"هذا تصور خاطئ في صلة الأرحام، على الرغم من أنها تتخذ وسائل وطرقاً شتّى، تختلف باختلاف حال الرحم، غنىً وفقراً، وتتمثل هذه الوسائل في أمور كثيرة، كزيارة الأرحام، أو باستضافتها، أو أن يقدم لهم المال على سبيل الهدية إذا كانوا أغنياء وعلى سبيل الصدقة إذا كانوا فقراء.

وأوضح أن واصل الرحم قد يكون غنياً أو فقيراً، والعلماء قالوا بأن القريب الغني لا يعتبر واصلاً لرحمه إلا إذا أنفق عليهم وتكفل بهم، لقوله عز وجل "وآتي ذا القربى حقه والمسكين"، وأضاف قائلاً:"فبدأ بالأرحام، ويقول الرسول الكريم:" الصدقة على المسكين صدقة وعلى الرحم اثنتان".

هُم أوْلى الناس بالعطاء
وكذلك ما جاء عنه أيضاً بأن أوْلى الناس بالعطاء وبالصدقة، هم الأرحام، فعندما جاء أبو طلحة الأنصاري إلى الرسول (صلى الله عليه وسلم) وكان أكثر الصحابة مالاً فقال للنبي (صلى الله عليه وسلم) لقد نزلت عليكَ آية " لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون"، وإن أحب مالي هي "بيرو حاء"، وهي عبارة عن بستان فيه نخل مثمر وفيه بئر ماء عذبة، وكان قريباً من المسجد النبوي فقال: ضعها يا رسول الله حيث أراك الله، فإني أرجو بِرَّها وذخرها عند الله، فقال النبي له: "لقد سمعت ما قلت يا أبا طلحة فإني أرى أن تجعلها في الأقربين"، فجعلها أبا طلحة في بني عمه وقرابته، "فهنا يجب أن يصل الرجل الغني أقاربه الفقراء بالمال وهذا بنص الحديث".
صلة الرحم تكليف للمسلمين جميعهم، وهي غير مقتصرة على الرجال لوحدهم بل إن المرأة أيضاً يجب عليها أن تصل رحمها، لأن الخطاب في القرآن والسنة موجه للجميع للرجل والمرأة، وإن الأرحام بالنسبة للرجل والمرأة هم الأقارب مع اختلاف درجاتهم  د. الطويل

وفي هذا السياق كان لـ"فلسطين" وقفة عند من يقطع رحمه من الناس لعدم امتلاكه المال الكافي لشراء هدية خلال الزيارة، فنبه إلى أن الغني لا تتحقق صلة رحمه إلا ببذل المال، أما إذا كان فقيراً ولا يستطيع أن يبذل المال فهي تتحقق صلة الرحم بالزيارة، لأن الهدف من الحث على صلة الأرحام ليس من أجل تبادل الهدايا فقط، "وأنا أعجب من بعض الناس يقطعون أرحامهم بحجة أنهم لا يملكون الهدية، ومن يفعل هذا أقول له: من قال لك أنك مكلف بهدية، أنت مكلف بالسؤال عنهم إن لم تستطع زيارتهم بهدية، أن تزورهم ولو كنت فارغ اليدين ، فليس شرطاً أن يحمل الإنسان هدية ثمينة".

مظاهر عدّة
ونوه إلى أن وصل الأرحام يكون بمظاهر مختلفة من أعمال الخير كزيارة مريضهم، وتعزيتهم في مصيبتهم ومشاركتهم في أفراحهم، وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر، والإصلاح بينهم، وغيره.

وأشار إلى الاعتقاد الخاطئ الذي يتبناه البعض بأن صلة الرحم تكليف مقتصر على الرجال، مبيناً أن هذا خطأ فادح جداً ومنتشر، لأن الخطاب في القرآن والسنة موجه للجميع للرجل والمرأة، لافتاً إلى أن الأرحام بالنسبة للرجل والمرأة هم الأقارب مع اختلاف درجاتهم، أولاً الوالد والوالدة ثم الإخوة والأخوات ثم الأعمام والعمات، ومن ثم الأخوال والخالات، وقال العلماء: لو أن أخاً فقيرا قد قصَّر فيه أخوه الغني، فيجب على القريب الأبعد درجة أن يسأل عنه، وتابع: "وهذا من رحمة الإسلام بنا، فلا يجوز أن نقول إذا كان أخوه مقصر فيه فيجب على ابن العم أن يسأل وهكذا..".

ثوابها
ولواصل الرحم ثواب عظيم، ذكره القرآن الكريم والسنة النبوية، والتي دللت على أن الله تعالى وعد من يصل رحمه بأن يصله الله، ومن ذلك الحديث المتفق عليه "الرحم معلّقة بالعرش، تقول من وصلني وصلته ومن قطعني قطعته"، مضيفاً:"فمن يصل رحمه فإن الله يصله في الدنيا والآخرة، ومن يصله الله في الدنيا فإن الله معه وينصره ويثبته ويرحمه ويفرج كرباته، ويفتح له كل أبواب الخير، كما أن صلة الرحم تبارك لصاحبها في الرزق وتطيل في العمر وتعمر الديار، لقول الرسول (صلى الله عليه وسلم): "من سَّره أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره، فليصل رحمه"، والحديث الآخر الذي قال فيه:"إن أعجل الطاعة ثواباً صلة الرحم".

أما ثواب الآخرة، فقد بيّن د.الطويل بأن من يصل رحمه فهو موعود بجنات عدن، فقد جاء رجل إلى النبي (صلى الله عليه وسلم) وقال له: يا رسول الله دلني على عمل يقربني من الجنة ويباعدني عن النار، فقال رسول الله " تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وتقيموا الصلاة وتؤتوا الزكاة وتصلوا الرحم"، فلما أدبر الرجل قال الرسول المصطفى: إن تمَّسك هذا بما أمر به الله دخل الجنة.
يقول النبي عليه الصلاة والسلام:"الرحم معلّقة بالعرش، تقول من وصلني وصلته ومن قطعني قطعته"، لذلك فمن يصل رحمه فإن الله يصله في الدنيا والآخرة، وينصره ويثبته ويرحمه ويفرج كرباته، ويفتح له كل أبواب الخير، كما أن صلة الرحم تبارك لصاحبها في الرزق وتطيل في العمر وتعمر الديار  د. الطويل

وعيد من قطعها
ومقابل هذا الثواب العظيم فقد توعد المولى عز وجل قاطع الرحم بأمور عدة تحدث عنها د.الطويل بقوله: "يكفي قاطع الرحم شؤماً وعقاباً أن الله وصفه بأبشع الصور في الدنيا، فشبهه بأنه من الخاسرين والملعونين، قال تعالى" وما يضل به إلا الفاسقين. الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك هم الخاسرون"، فلقد وصفهم بالخاسرين والفاسقين..

ومن ذلك الوعيد ما جاء عن الرسول قوله: "لمّا خلق الله الرحم حتى إذا فرغ منها قامت فقالت هذا مقام العائذ بك من القطيعة فقال الله تعالى: أما ترضين أن أصل من وصلك وأن أقطع من قطعك فقالت: بلى فقال الله عز وجل: فذلك لك" وقوله عز وجل: "فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم".

وأردف قائلاً:"ويكفيه أنه لن يدخل الجنة لحديث رسول الله "لا يدخل الجنة قاطع" أي قاطع رحم".
المصدر: صحيفة فلسطين

JoomShaper