لا شك أن العديد من النساء سبق أن سمعن الكثير من النصائح حول مكاسب الزواج وأهميته لصحتهن النفسية واستقرارهن الاجتماعي، وهي نصائح غالباً ما تسديها الأمهات التواقات إلى رؤية بناتهن متزوجات، ما يجعلها نصائح صادقة إذ لا أحد يشك في مدى حب الأمهات لبنتاهن. لكن عندما نسمع النصائح نفسها تصدر عن جهات ذات أجندة سياسية خاصة يتعين على النساء توخي الحذر والبحث وراء الأسباب الحقيقية لدعوات الزواج، ومن أبرز تلك الجهات التي تروج هذه الأيام لفوائد الزواج "هيرتتج فوندايشن" ذات الميول المحافظة في تقرير أصدرته عشية الإحصاء الأميركي الجديد حول معدلات الفقر في الولايات المتحدة، معتبرة أن "انهيار الزواج هو سبب رئيسي للفقر"، وهو طرح تتبناه الحركة المحافظة في أميركا لعقود رغم علامات الاستفهام الكثيرة التي تثيرها الأرقام الأخيرة الواردة في التقرير السنوي حول الفقر.   فحسب التقرير نفسه، وصل عدد الأميركيين الذين يعيشون تحت خط الفقر إلى 6.43 مليون أميركي، ما يعني أن الفقر يطال أكثر من 14 في المئة من السكان. وفي عام 2009 انضاف حوالي أربعة ملايين أميركي إلى دائرة الفقر مع احتمال ارتفاع العدد خلال السنة الجارية، بسبب استمرار تداعيات الأزمة الاقتصادية وندرة فرص العمل التي يتيحها الاقتصاد الأميركي حالياً، وهي أعلى نسبة للفقر تسجلها الأرقام في الولايات المتحدة منذ البدء في متابعتها خلال عام 1959. وبالنسبة للأطفال الذين يعتبرون الشريحة الأشد هشاشة والأكثر تعرضاً للفقر، فقد وصلت نسبته في أوساطهم إلى 7.20 في المئة، علماً بأن أكثر من 4.15 مليون منهم يعيشون في كنف أم عزباء.
  هذه المعلومة الأخيرة اعتمد عليها المحافظون لتكريس مقولتهم حول العلاقة بين الفقر الذي يعاني منه الأطفال وبين انعدام الزواج ليصبح الزواج، وفقاً لهذا المنطق، المنقذ من الفقر والسلاح الأمضى الذي يدافع عن الأطفال ويوفر لهم حياة من الأمن والرخاء! لكن ما يتجاهله المحافظون هو تفسير العزوف عن الزواج، أو التهرب منه...

 أليس الفقر هو الذي يحول دون الإقبال على الزواج؟ أم أن الزواج بالعكس يقضي على الفقر؟ هذه التساؤلات تطرحها "ستيفاني كوتز"، مديرة الأبحاث والتعليم في مجلس العائلات المعاصرة، بقولها "إن النساء الفقيرات أقل حظاً في العثور على زوج قادر على إعالتهن"، كما أن الطلاق وإن كان قد تناقصت نسبه منذ الثمانينيات، فإنه مازال حاضراً بقوة لدى الأسر التي تواجه صعوبات اقتصادية، تلك الصعوبات التي في كثير من الأحيان تؤدي إلى انهيار الزواج، ما يعني أن الفقر نفسه أحد الأسباب الرئيسية وراء فشل العلاقة بين الزوجين ومعاناة الأطفال، بحيث لا يمكن في هذه الحالة الجزم بأن الزواج يقي من الفقر، وهو ما تؤكده "كوتز" قائلة "إن العامل المزعزع للاستقرار الذي تحدثه الصعوبات الاقتصادية على الزيجات ارتفع بشكل ملحوظ خلال الثلاثين سنة الأخيرة".

  فالزواج لن ينفع النساء كثيراً إذا كان سينتهي بهن المطاف مطلقات وبأطفال تتعين إعالتهن. ولنصل في النهاية إلى النتيجة الحقيقية متمثلة في أن الفقر يرجع إلى غياب الاستقرار الاقتصادي وليس إلى نقص في الزواج، كما أن تحسن الوضع الاقتصادي للناس يزيد من احتمالات زواجهم وليس العكس، فرواتب أفضل، وفرص اقتصادية أكثر، فضلا عن إنجاز تعليمي مرموق... عوامل تقلص نسبة الأطفال لدى النساء. وبدلا من الترويج للزواج باعتباره ضمانة ضد الفقر، كما يقول المحافظون، من الأفضل للحكومة في هذا السياق التركيز على تحسين المستوى المعيشي للمواطنين من خلال دعم برامج التوظيف وتعزيز البيئة الاقتصادية، بالإضافة إلى تطوير التعليم وإتاحته لأكبر عدد ممكن من الراغبين.

 

JoomShaper