القاهرة : دار الاعلام العربية
لا تتمنى المرأة في حياتها سوى رجل يحبها.. ولا يتمنى الرجل في حياته سوى امرأة تحبه، ولكن داخل مملكة العنوسة الاختيارية قوانين وحسابات أخرى. إنه نوع آخر من العنوسة يزداد كل يوم عن اليوم الذي قبله، بل وبمعدلات مرتفعة جداً.. الغريب أنه لا توجد أسباب واضحة سوى الخوف، إنه السبب الوحيد الذي أجمع عليه الجميع، فهم لا يريدون أبداً الالتحاق بهذا العالم المجهول، بل وكان قرارهم الاخير هو البقاء داخل هذه القوقعة الاختيارية.. ولكن هل الخوف وحده يجعلهن يتخلين عن كل أحلامهن ومشاعرهن وأحاسيسهن؟، وهل اللواتي سكنّ هذه المملكة وجدن مبررات كافية ومقنعة تؤهلهن لأخذ هذا القرار الصعب؟، ولماذا يلجأن إلى الوحدة والعزلة ويبعدن عن شريك الحياة؟
إنها قررت التخلي تماما عن حلم الزواج وكامل مسؤولياته، بل التخلي عن وجود رجل في حياتها، فاتخذت زينب القرار ودخلت قوقعة العنوسة بإرادتها وباختيارها، وقالت: عندما كنت في العشرينات من عمري كنت أحلم في بعض الاحيان أن أكون زوجة، ولكنني عندما كنت أغمض عينيّ لأتخيل حياتي مع شريك أحبه، فلم أجد أمامي سوى تخيلات مشوشة عصيبة، أسبابها الرئيسية هي الحياة الداكنة التي يعيشها والداي، فلم أتخيل سوى أنه ستكون حياتي المقبلة مثل حياتهما الحالية.. فحياتهما لا تعرف طريقا للحب.. ولا تعرف طريقا للعشرة.. أصوات مرتفعة ليلا ونهارا، ونظرات مرعبة ينظرها كلاهما للآخر، وعبارات لا داعي لها تنطلق من أفواههما، مشاحنات وذكريات مؤلمة تتناثر هنا وهناك داخل أجواء المنزل، عداء غير طبيعي ينصب من أعينهم.
وتكمل زينب: استمر الحال حتى وصلت الى سن الثانية والثلاثين، ففي كل عام كنت أنموه، كان حلمي بالزواج يقل، خوفا من أن تكون حياتي مثل هذه الحياة الذي شهدتها، والآن انعدم حلمي بالزواج تماما، فلم يتقدم لي عريس إلا رفضته أو قهرته، حتى إنني عندما أشعر بمشاعر مختلفة تجاه شخص ما، فسرعان ما اتراجع عنها، وأعود إلى قوقعتي المغلقة.. وتصمت زينب قليلا ثم تكمل: القرار ليس سهلا.. ولا بسيطا، بل إنه أصعب قرار اتخذته بحياتي، ولكني سأتحمل النتائج، ومهما كانت صعبة ستكون أقل وطأة من صراعات الحياة الزوجية، فلقد شاهدت بعيني الغدر والظلم وعدم الأمان. وتختم زينب حديثها قائلة: عندما أشاهد والديّ أتأكد أنني اتخذت القرار الصائب في مسألة الزواج .
النجاح أفضل من الزواج
تخاف من الزواج.. وتفضل حياتها العملية .. وتتمنى النجاح الدائم، هذه العبارات الثلاث جاءت على لسان «ابتسام . ع» عن ملخص حياتها، وأضافت أن مسؤوليات الزواج ومسؤوليات الزوج نفسه جعلتني أخاف من الارتباط ، كما أنني لم أتخيل أبدا أن أعيش مع زوج وأن أبقى معه طوال الوقت، فدائما أخشى تفاصيل هذه الحياة، ودائما أسأل نفسي: هل سأعيش زوجة سعيدة أم سأكون مثل ملايين الفتيات اللاتي ندمن أشد الندم بعد زواجهن ولم يتكلمن كلمة واحدة سوى «هذا هو النصيب»؟. وتكمل ابتسام وهي في حاله خوف: كلما سألت صديقاتي المتزوجات عن الحياة الزوجية وشريك الحياة لم أتلق سوى كلمات واحدة، «أجواء حادة.. مشاحنات مستمرة.. صراعات.. تحد.. سخرية»، فلم أجد منفذا واحدا للهروب من هذه المشاكل سوى مملكة العنوسة الاختيارية، على الرغم من أن لفظ عانس يضايقني كثيرا، ولكنني دخلت المملكة بإرادتي، واخترت أن أكون عانسا كما سماني المجتمع .
أسباب أخرى
ربما في الأسطر السابقة كانت الأسباب الواضحة لدخول الفتيات مملكه العنوسة هي كلها أسباب في مجملها إنسانية، ولكن لم يكن هذا رأي احمد صلاح 53 عاما والذي قال : لقد اتخذت قرار عدم الزواج منذ ستة أعوام تقريبا، ولم تكن مبرراتي هي انعدام الحب او انعدام الزواج، ولكن كانت مبرراتي ملموسة، فأنا غير قادر تماما على تكاليف الزواج، لأنني لا أمتلك ثروة، ولم يترك والداي لي شيئا من رؤوس الأموال، وأيضا كنت عاطلا ولا أعمل في أي وظيفة، رغم أنني أحمل شهادة جامعية، ويضيف بصوت حزين : لقد اعتدت على الوحدة، وأصبح وجود زوجة في حياتي شيئاً لا أفكر فيه مطلقا.
عنوسة اختيارية
علماء النفس والاجتماع علقوا على كلام الفتيات والشباب بأن كل أسباب العنوسة الاختيارية تصب في الخوف من فشل العلاقه الزوجية، لكن كما يجمع العلماء فهذا وهم تعيشه الفتيات، فلا توجد حياة زوجية مثل الأخرى، فالنجاح والفشل هما نتائج لأسباب مختلفة. في هذا الصدد يقول د.عمر شعيب أستاذ علم الاجتماع ان هذه الظاهرة الخطيرة والتي تزداد يوما تلو الآخر سببها هو الميل الى الاستقلالية، وعدم الرغبة في تحمل مسؤوليات الزواج، وأضاف أن بعض الحالات منهم يتملكهم الخوف من الزواج، لأنهم سمعوا بعض الحكايات الفاشلة، فظنوا أنهم سيكررون هذه التجربة الفاشلة. ويضيف: هناك أسباب معنوية للعنوسة؛ مثل الخوف من فشل العلاقة، وأسباب أخرى ملموسة؛ مثل الأحوال الاقتصادية المتدنية، وانتشار البطالة، وعدم القدرة على تكاليف الزواج.
هرباً من الخوف أو حباً في الاستقلال بعضهن يفضل العنوسة
- التفاصيل