د. نجلاء أحمد السويل
إن ما تعيشه المجتمعات من تطور تكنولوجي يحقق الكثير من الامتيازات الشخصية للفرد من حيث سهولة الحياة وسرعة إنجاز الأهداف، فالخطوة التي كانت تسجل وقتا طويلا في السابق أصبحت لا شيء يذكر في قاموس الوقت الآن، فلم تعد هناك صعوبة في اتصالاتنا والقيام بأعمالنا المهنية أو حتى الشخصية، حيث قلص العنصر التكنولوجي من الاعتماد على إنجاز الأهداف عبر الخطوات البشرية البحتة، وأصبح من الطبيعي جدا أن ترسل رسالة في أيام العيد لتنقل مشاعرك إلى قريبك أو صديقك. لقد أصبحنا الآن نتعامل مع شفرات هي مجرد أرقام وحروف دائما تتجرد من الجوانب الإنسانية، بل وتتطور الأمور أحيانا فنتعمد إغلاق الهاتف النقال حتى لا يتصل بنا أحد ممن حولنا ليبارك لنا أو يقوم بزيارتنا، أعتقد أننا أصبحنا نعيش حياة جافة خالية من المشاعر المعنوية التي تجدد نشاط النفس والروح، ومع الأسف لم يعد يقتصر ذلك على خارج المنزل، بل داخل الأسرة الواحدة أصبحت التعاملات في كثير من الأسر تعتمد على وقت الفراغ القصير مقابل قضاء وقت طويل أمام شاشة الإنترنت أو شاشة التلفاز، فلم نعد نحرص على أن تكون لدينا علاقات أسرية متينة، ربما بدأ الأمر تلقائيا، ولكنه أصبح أخيرا أمرا متعمدا، ولكن بين كل ذلك التشتت الأسري أين الفتيات تحديدا من تلك الخريطة الأسرية الهلامية؟ الفتيات كيف يعشن داخل أسرهن وسط ذلك التشتت الأسري الذي ينعدم فيه جو الاحتواء والحنان؟

النتيجة هي اللجوء إلى البحث عن كل تلك المشاعر المفقودة خارج الأسرة وبطرق كثيرا ما تسجل حالات من الهروب من المنزل، أو إقامة علاقات طويلة المدى غير شرعية لإشباع جوانب نفسية أو غيرها، وتحول ذلك الاضطراب النفسي الناتج من عدم الاتزان الأسري إلى جرائم أخرى كالسرقة، أو التمرد على الوالدين وانتهاك سلطة المدرسة، وقد تصل في حالات غير بسيطة إلى تعاطي المخدرات، أو تناول جرعات عالية من الأدوية بهدف الانتحار، بل الدخول في حالات نفسية حادة تستدعي التنويم في مستشفى الأمراض النفسية، وما قد تواجه به الفتاة من الوالدين مقابل تصرفاتها تلك بما قد يصل أحيانا إلى التعذيب البدني بالضرب أو غير ذلك.
ولعل التركيز على الفتيات تحديدا جاء من أن موضوعاتهن أكثر حساسية، ولأن دورهن في أسرهن بعد الزواج سيكون دورا جوهريا، فالمرأة هي التي يقوم عليها صلاح الأبناء وفسادهم، بل حتى لو كان الزوج لديه بعض الأخطاء أو المشكلات، فإن الزوجة الصالحة فقط هي من يستطيع أن يصلح من شأنه داخل الأسرة، إذن فكيف نطمح اجتماعيا وعلميا لمجتمع سوي نفسيا دون أن تكون لدينا فتيات عشن في جو من الألفة والتكاتف الأسري!!

JoomShaper